تجاهله وهو يبكي ومكوثه في منازل مختلفة قد يصيب طفلك باضطراب التعلّق التفاعلي

جاوز اضطراب التعلق التفاعلي المشكلات السلوكية (أرشيفية)

يعتبر اضطراب التعلق التفاعلي (RAD) حالة نادرة ولكنها خطيرة؛ حيث لا يشكل الرضيع أو الطفل الصغير روابط صحية وآمنة مع المحيطين به، حتى والديه.

يكافح الأطفال المصابون بهذه الحالة من أجل تكوين علاقات مع الآخرين، ونادرًا ما يلتمسون الراحة من مقدمي الرعاية، ويواجهون صعوبة في إدارة عواطفهم.

يتواصل الأطفال مع الأب والأم ومن يقدم لهم الرعاية، ويتعرفون عليهم ويشعرون بالهدوء عند وجودهم، وفي معظم الحالات، يطورون ارتباطات صحية وآمنة معهم.

عندما يحاول الأطفال تكوين علاقات صحية مع شخص بالغ مستقر، فقد يصابون باضطراب التعلق التفاعلي، ويمكن أن تكون لذلك آثار عميقة على نمو الطفل والروابط المستقبلية.

أعراض الاضطراب

يتجاوز اضطراب التعلق التفاعلي المشكلات السلوكية، وللتمكن من تشخيص اضطراب التعلق التفاعلي، يجب أن يُظهر الطفل نمطًا ثابتًا من السلوك المثبط عاطفيًّا تجاه من يرعونه.

يستجيب الطفل المصاب باضطراب التعلق التفاعلي بقدر محدود مع الروابط الاجتماعية والعاطفية للآخرين، ويكون لها عليه تأثير إيجابي محدود.

يصاب الطفل أيضا بنوبات من التهيّج أو الحزن أو الخوف غير المبرّر تظهر أثناء التفاعل مع مقدمي الرعاية.

أرجعت دراسة نشرتها الجمعية الوطنية للطب في الولايات المتحدة السبب في هذا الاضطراب إلى تغيير مقدمي الرعاية الأساسيين للطفل مما يحدّ من فرصة تكوين ارتباط ثابت.

تغيير مقدم الرعاية يمنع الطفل من تكوين روابط قوية (غيتي)

وذكرت أيضا النقص المستمر في الدفء العاطفي والعاطفة من البالغين، وأوضحت أن الأعراض تظهر قبل سن الخامسة، وأنه يجب أن يكون لدى الطفل سن نمو لا يقل عن 9 أشهر للتأهل لتشخيص اضطراب التعلق التفاعلي.

من المرجح أن يلاحظ المعلمون ومقدمو الرعاية أن الطفل المصاب باضطراب التعلق التفاعلي يعاني من مشاكل عاطفية وسلوكية.

ويمكن أن يحدد الفحص الشامل من قبل المختصّ بالصحة العقلية ما إذا كان الطفل يعاني من اضطراب التعلق التفاعلي.

قد يشمل التقييم ما يلي:

  • الملاحظة المباشرة للطفل الذي يتفاعل مع مقدم الرعاية.
  • تاريخ شامل لتطور الطفل والوضع المعيشي.
  • مقابلات مع مقدمي الرعاية الأساسيين لمعرفة المزيد عن أساليب الأبوة والأمومة.
  • مراقبة سلوك الطفل.

هناك العديد من الحالات الأخرى التي قد تظهر مع أعراض نفسية أو سلوكية مماثلة، مثل اضطرابات التكيّف واضطراب ما بعد الصدمة، والإعاقات المعرفية، واضطرابات المزاج.

يعاني الأطفال المصابون باضطراب التعلق التفاعلي من حالات مرضية مصاحبة، وتظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يعانون من اضطرابات التعلق يعانون من معدلات عُليا من اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) واضطرابات القلق واضطرابات السلوك.

ينصح المختصون بعدم ترك الأطفال أمام الأجهزة الإلكترونية لأوقات طويلة
إهمال الطفل عند البكاء وعدم إظهار الحب والعطف له قد يصيبه باضطراب التعلق التفاعلي  (غيتي)

تاريخ التشخيص

يُعد تشخيص اضطراب التعلق التفاعلي تشخيصًا جديدًا نسبيًّا، إذ تم تقديمه لأول مرة عام 1980، وفي عام 1987 تم تشخيص نوعين فرعيين من اضطراب التعلق التفاعلي.

وفي عام 2013 تم تحديث التشخيص مرة أخرى، ويشير الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) إلى النوع المحظور باعتباره حالة منفصلة تسمى اضطراب المشاركة الاجتماعية المحظورة.

وأفادت الأبحاث أن اضطراب الارتباط الاجتماعي المحظور هو اضطراب في التعلق ينتج أيضًا عن عدم وجود ارتباط آمن بمقدم الرعاية مثل اضطراب التعلق التفاعلي.

يتعامل الأطفال المصابون باضطراب المشاركة الاجتماعية المحرومة ويتفاعلون مع بالغين غير مألوفين دون أي خوف، وغالبًا ما يكونون على استعداد للذهاب مع شخص غريب دون أي تردد.

غياب الأم وتنقل الطفل في منازل مختلفة قد يحدث له اضطرابا (أرشيفية)

أسباب الاضطراب

قد ينتج اضطراب التعلق التفاعلي عندما لا يتم توفير الرعاية المناسبة للأطفال من قبل مقدمي الرعاية، وإذا لم يستجب مقدم الرعاية لبكاء الرضيع أو لم تتم رعاية الطفل وإشعاره بالمحبة، فقد لا يتطور لديه ارتباط صحي.

وقدمت دراسة أمثلة عن الأوقات التي ربما لا يتمكن فيها الطفل من تكوين ارتباط آمن بمقدم الرعاية الأساسي مثل غياب الأم بشكل متكرّر، وبقاء الطفل مع أقارب مختلفين في منازل مختلفة مدة لا تكفي لتكوين علاقة قوية مع أي شخص.

ورصدت الدراسة حالة أخرى، وهي إصابة الأم بالاكتئاب، وعدم تمكنها من الاستجابة للطفل عندما يبكي أو من إظهار المودة له.

وأفادت الدراسة أن مقدمي الرعاية، مثل المربية، نادرًا ما يتعاملون مع الطفل ويُشعرونه بالاهتمام والحب، في حين يقضي الطفل معظم وقته في السرير.

تعتقد الدراسة أيضا أن الأم الشابة لا تفهم أساسيات نمو الطفل، وأنها تفتقر إلى المعرفة اللازمة لرعاية طفلها جسديًّا وعاطفيًّا، موضحة أن الطفل لا يتعلق بالأم التي لا تستجيب لاحتياجاته.

وخلصت إلى أنه في أيّ وقت يقع فيه تجاهل مستمر لاحتياجات الطفل العاطفية أو الجسدية، سيكون الطفل معرضًا لخطر الإصابة باضطراب التعلق التفاعلي، ويمكن أن يلعب نقص التحفيز والعاطفة دورًا في ذلك أيضًا.

تشير التقديرات إلى أن الأطفال الذين يتركون في الحضانات في دور الأيتام يظهرون معدلات عالية من اضطراب التعلق التفاعلي (أسوشيتدبرس)

انتشار الاضطراب

أوضح تقرير نشره موقع (فري ويل مايند) المتخصص في الصحة النفسية، أنه نظرًا لأن اضطراب التعلق التفاعلي يعد تشخيصًا جديدًا نسبيًّا أن العديد من الأطفال لا يعالَجون منه، فإنه من غير المؤكد عدد الأطفال الذين قد يستوفون المعايير.

وفي عام 2010، وجدت دراسة في الدنمارك أن أقل من 0.4% من الأطفال يعانون من اضطراب التعلق التفاعلي.

وقدرت دراسة أجريت عام 2013 أن حوالي 1.4% من الأطفال الذين يعيشون في منطقة فقيرة في المملكة المتحدة يعانون من اضطراب التعلق.

وتشير التقديرات إلى أن الأطفال الذين يتركون في الحضانات أو في دور الأيتام، يظهرون معدلات عالية من اضطراب التعلق التفاعلي.

ووجدت دراسة أجريت عام 2013 على أطفال في دور الحضانة في رومانيا أن حوالي 4% أظهروا اضطراب التعلق التفاعلي في عمر 54 شهرًا، وقالت إنه من المحتمل أن يؤدي وجود تاريخ من سوء المعاملة والاضطرابات في رعاية الطفل إلى زيادة المخاطر.

يشمل العلاج عادة الطفل وكذلك الوالدين أو مقدم الرعاية الأساسي (أرشيفية)

طريقة العلاج

عادةً ما تتضمن الخطوة الأولى في علاج الطفل المصاب باضطراب التعلق التفاعلي، ضمان أنه في بيئة محبة ورعاية ومستقرة.

وأفاد التقرير أن العلاج لن يكون فعالًا إذا استمر الطفل في الانتقال من منزل حاضن إلى آخر أو إذا استمر في العيش في مكان مع مقدمي رعاية لا يهتمون به.

يشمل العلاج عادة الطفل وكذلك الوالدين أو مقدم الرعاية الأساسي، وتتم توعية مقدم الرعاية حول اضطراب التعلق التفاعلي وإعطائه معلومات حول كيفية بناء الثقة وتطوير روابط صحية.

في بعض الأحيان، يتم تشجيع مقدمي الرعاية على حضور فصول الأبوة والأمومة لتعلم كيفية إدارة المشكلات السلوكية.

بدون علاج، قد يعاني الطفل المصاب باضطراب التعلق التفاعلي من مشاكل اجتماعية وعاطفية وسلوكية مستمرة (أرشيفية)

علاج لا ينصح به

في الماضي، استخدمت بعض مراكز العلاج علاجات مثيرة للجدل للأطفال الذين يعانون من اضطراب التعلق التفاعلي.

على سبيل المثال، يتضمن العلاج الوقائي قيام المعالج أو مقدم الرعاية بتقييد الطفل جسديًّا، ومن المتوقع أن يمر الطفل بمجموعة من المشاعر حتى يتوقف في النهاية عن المقاومة، ولكن لسوء الحظ مات بعض الأطفال أثناء تقييدهم.

كان أيضا يتم لف الأطفال الذين يعانون من اضطراب التعلق التفاعلي في بطانيات ويحاكي المعالجون عملية الولادة من خلال التصرف كما لو أن الطفل يتحرك عبر قناة الولادة،  وأصبحت إعادة الولادة غير قانونية بعد اختناق طفل.

تحذر الجمعية الأمريكية للطب النفسي والأكاديمية الأمريكية للطب النفسي للأطفال والمراهقين من إجراء علاجات وتقنيات إعادة الولادة، وتعتبر هذه الأساليب علمًا زائفًا ولا يوجد دليل على أنها تقلل الأعراض المرتبطة باضطراب التعلق التفاعلي.

تعلم كيفية الاستجابة لإشارات طفلك (أرشيفية)

بدون علاج، قد يعاني الطفل المصاب باضطراب التعلق التفاعلي من مشاكل اجتماعية وعاطفية وسلوكية مستمرة، وقد يتعرض الطفل لخطر مشاكل أكبر مع تقدمه في السن.

يقدر الباحثون أن 52% من المخالفين للقانون يعانون من اضطراب التعلق أو اضطراب التعلق الحدي، وأن الغالبية العظمى من هؤلاء المراهقين تعرضوا لسوء المعاملة أو الإهمال في وقت مبكر من الحياة.

قد يكون التدخل المبكر مفتاحًا لمساعدة الأطفال على تطوير ارتباطات صحية في وقت مبكر من الحياة، وكلما أسرعوا في تلقي العلاج، قلّت المشكلات التي قد يواجهونها بمرور الوقت.

هناك عدة طرق يمكن من خلالها لمقدمي الرعاية الأساسيين تقليل خطر إصابة الطفل باضطراب التعلق التفاعلي، ويمكن أن تكون مفيدة في التعامل مع أعراض هذه الحالة وإنشاء روابط صحية.

تربية الطفل
تعد الأنشطة اليومية البسيطة فرصًا للتواصل (غيتي)

ثقّف نفسك حول تنمية الطفل: تعلُّمُ كيفية الاستجابة لإشارات طفلك وكيفية المساعدة على تقليل توتر طفلك، يمكن أن يكون مفيدًا في تطوير ارتباط صحي.

وفر اهتمامًا إيجابيًّا: اللعب مع طفلك، والقراءة له، وحضنه يمكن أن يساعد في تكوين علاقة محبة وثقة.

ارع طفلك: تعد الأنشطة اليومية البسيطة، مثل تغيير حفاظات طفلك وإطعامه، فرصًا للتواصل.

إذا كنت تربي طفلًا لديه تاريخ من الإهمال أو سوء المعاملة أو مقاطعة مقدمي الرعاية، فثقف نفسك بشأن مشكلات التعلق.

وإذا كانت لديك مخاوف من احتمال إصابة طفلك باضطراب عاطفي أو سلوكي، فابدأ بالتحدث إلى الطبيب، يمكنه تقييم طفلك وتحديد ما إذا كانت الإحالة إلى مقدم خدمات الصحة العقلية مناسبة.

ويوصي المتخصصون بالتشخيص المبكر والتدخل لأنهما مهمان ومرتبطان بتحقيق نتائج أفضل لدى الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة.

المصدر : الجزيرة مباشر + مواقع أجنبية

إعلان