موت الخلايا.. علماء يكشفون كواليس حرب خفيّة داخل جسم الإنسان
أكثر من 20 طريقة لموت الخلايا الحية

مليارات الخلايا الحية تموت داخل الجسم البشري كل يوم، بعضها يموت في صخب وبعض آخر يذبل ويفارق الحياة في صمت. وقد تموت الخلايا جراء حوادث مثل الإصابة أو العدوى، أو بشكل منظم بعد انتهاء دورة حياتها بطريقة طبيعية.
وقد كان العلماء يعتقدون أن هناك طريقتين فقط لموت الخلايا، إما أن تموت جراء حوادث وإما بشكل طبيعي، ولكن منذ قرابة عقدين من الزمان، توصل باحثون إلى وجود سيناريوهات عديدة لموت الخلايا، تتغير باختلاف المواقف والأمراض التي يصاب بها الجسم.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأطعمة ومشروبات تزيد خطر الإصابة بالشلل الرعاش.. هل تأكلها يوميا؟
عادة صباحية واحدة تحسن مزاجك طوال اليوم.. العلم يكشف السر
علاج ثوري يُجمّد الورم السرطاني ويذيب المخاوف
مهمة لإنقاذ الخلايا السليمة
ويؤكد الباحثون أن الوقوف على أسباب موت الخلايا قد يساعد في إنقاذ الخلايا السليمة والقضاء على الخلايا المريضة؛ مما يوفر علاجات جديدة لكثير من أنواع العدوى والأمراض المناعية والسرطان.
وقال الباحث مايكل أوفرهولتزر الباحث في مجال علم أحياء الخلايا في مركز سلون كيترينغ التذكاري لعلاج السرطان في مدينة نيويورك الأمريكية، إن “هناك طرقا كثيرة لموت الخلايا”.
وأضاف في تصريحات لمجلة (Knowable Magazine) المتخصصة في الأبحاث العلمية، أنه يوجد في تقديره أكثر من 20 طريقة لموت الخلايا الحية.
“تنخّر الخلية”
وهناك بالقطع الكثير من الحوادث السيئة التي يمكن أن تحدث للخلية الحية في جسم الإنسان، فقد تتعرض للإصابة أو الاحتراق أو التسمم أو الاختناق بسبب نقص الأوكسجين، وقد تصاب بعدوى بكتيرية أو فيروسية، وعندما تموت خلية جراء حادث، يطلق على هذه الظاهرة اسم (necrosis) أي “تنخّر الخلية بسبب عوامل خارجية”.
وهناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى التنخر مثل الغرغرينة عندما تنقص كمية الدم الواصل إلى الخلية أو عند تعفن الخلية، وتتحول الخلايا في هذه الحالة إلى سائل أصفر في معظم الأحيان، وقد يكون أبيض في حالة أمراض مثل السل الرئوي الذي يدمر خلايا الرئة.

“الموت المبرمَج”
أما الأنواع الأخرى لموت الخلايا بخلاف التنخر، فيطلق عليها اسم (Apoptosis) أي “الموت المبرمج” ويقصد بذلك أن تموت الخلية بشكل متعمد، أو تموت بعد انتهاء دورة حياتها أو في حالة انتفاء الغرض من وجودها.
ويقول الباحث ثيرومالا ديفي كانيجانتي خبير علم المناعة في مستشفى سانت جود لأبحاث أمراض الأطفال في مدينة ممفيس الأمريكية، إن هناك فئتين رئيسيتين لموت الخلايا بشكل مبرمج هما “الموت الصامت أو العنيف”.
وأوضح أن الموت المبرمج الصامت هو الذي يحدث للخلية بشكل هادئ نظيف ولا يتسبب في استثارة الجهاز المناعي للجسم.
وقال إن ذلك يحدث في حالة تلف الخلية أو انتهاء الغرض من وجودها، فتنكمش الخلية وتنفصل عن الخلايا المحيطة بها داخل الأنسجة الحية، وتنشطر المادة الجينية داخل الخلية إلى أجزاء أصغر وتنسحق، بحيث تتحلل ولا يكون لها وجود، وفي الوقت ذاته تمتص الخلايا الحية المحيطة بالخلية الميتة هذه الرواسب، بحيث تحافظ على سلامة الأنسجة.
اجتذاب الخلايا المناعية
وفي حين لا يؤدي الموت المبرمج للخلايا إلى حدوث أي التهابات أو تلف بالأنسجة، فإن التنخر يؤدي إلى تسرب محتويات الخلية النافقة واجتذاب الخلايا المناعية بالجسم عن طريق إحداث التهاب في مكان الإصابة.
وتحدث هذه الظاهرة عادة في حالة تعرض الخلية للإصابة الفيروسية أو البكتيرية، حيث تقتل الخلايا نفسها بدلًا من أن تتحول إلى مصنع لإنتاج الفيروسات داخل الجسم، وتطلق تحذيرًا في الوقت ذاته لتنبيه النظام المناعي حتى يهبّ لنجدة باقي الخلايا السليمة في النسيج البشري.
وفي عام 1998، نجح فريق بحثي في تعطيل قدرة الخلايا على الموت المبرمج في إطار تجربة خارج الجسم، ووجد الباحثون أنه بالرغم من ذلك، نفقت الخلايا بطريقة جديدة أطلق عليها العلماء اسم (necroptosis) حيث ماتت الخلايا بشكل غير منظم بعد تضخم محتوياتها الداخلية ثم انفجار الغشاء الخارجي المحيط بها.
ويقول العلماء إن هذه الطريقة لموت الخلايا تعتبر بمثابة آلية احتياطية للتصدي لبعض أنواع الفيروسات التي تمنع موت الخلايا بشكل طبيعي.

أهمية كبيرة
وتوصلت دراسة علمية أزيح عنها النقاب عام 2001 إلى طريقة أخرى لموت الخلايا أُطلق عليها اسم (pyroptosis) ويقصد بها “الموت الخلوي الحمي المبرمج”، وهو يحدث في حالة تعرض الخلية لعدوى بكتيرية تؤثر في وظيفتها، فتنتفخ الخلية وتفرز إنزيمات معينة عبر ثغرات في غشائها الخارجي؛ مما يستدعي ردًّا مناعيًّا من الجسم.
ويقول الباحث ثيرومالا ديفي الذي نشر دراسة عن موت الخلايا في الدورية العلمية (Annual Review of Immunology) عام 2020 إن موت الخلية بسبب التنخر أو الموت الخلوي المبرمج ينطوي على أهمية كبيرة لأنه ينشط دفاعات الجسم ضد العدوى ويؤدي إلى حدوث الحمى التي تؤدي دورا في التصدي للمرض.
“تدلي الأحشاء الشامل”
وفي إطار الدراسة التي قام بها الفريق البحثي تحت رئاسة ثيرومالا ديفي، تعرف الباحثون على طريقة أخرى لموت الخلايا المناعية أطلقوا عليها اسم (PANoptosis) أي “تدلي الأحشاء الشامل”، وهو نوع من الموت الهجين للخلايا يحدث في بعض أنواع العدوى أو الالتهاب أو السرطان.
وفي هذه الطريقة، تجمع الخلية كمية من البروتينات يطلق عليها اسم (PANoptosome)، وتقوم بتنشيط إنزيمات معينة تثقب غشاء الخلية حيث تتسرب منه جزيئات معينة لتنبيه الخلايا المناعية الأخرى بطبيعة الخطر الذي يهدد الجسم.
حروب التسلح بين النظام المناعي والميكروبات
ويرى الباحث ثيرومالا ديفي أن تعدد أشكال موت الخلايا هو نوع من حروب التسلح بين النظام المناعي والميكروبات التي تهاجم الجسم على اختلاف أنواعها.
بمعنى أنه في حين أن بعض الميكروبات تمنع موت الخلية كوسيلة للانتشار والتكاثر داخل الجسم، تجد أن الخلايا لديها قائمة طويلة من طرق الموت، كما لو كانت تنتحر وتضحي بنفسها من أجل تنبيه الجسم إلى الخطر الداهم الذي يهدّده.