دراسة تكشف تأثير النوم الجيد في “كبح” الذكريات المؤلمة
دعم الصحة العقلية

قال باحثون إن قدرة المرء على كبح الذكريات المؤلمة تتوقف على مقدار النوم الذي يحصل عليه، بمعنى أنه إذا كنت مستريحًا، وحاصلًا على قدر وافٍ من النوم، فسيكون بمقدور عقلك حجب الذكريات السلبية.
أما إذا كنت تعاني الأرق، فإن الذكريات التعيسة والأفكار المؤلمة ستظل تلاحقك، وتستمر في إزعاجك لمدة طويلة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsدراسة تربط بين تقلبّات الطقس والإصابة بالاكتئاب وضعف التركيز
شهادات جديدة عن رحلة عودة مازن الحمادة حتى تصفيته في سجون الأسد (فيديو)
لغز “الحزن في الخفاء”.. كيف يمكن التعامل مع شعور الرجال بألم الفقد؟
ولفهم الآلية التي تفسر هذه الفكرة، أعد فريق بحثي من جامعة “يورك” بإنجلترا دراسة جديدة نشرتها الدورية العلمية (ناشيونال أكاديمي أوف ساينس) لتحديد كيف يعجز المخ في حال الحرمان من النوم عن كبح جماح الأفكار السلبية.
آثار قلة النوم بشكل مزمن
وقال الباحث سكوت كايرني، أستاذ علم النفس في جامعة يورك، إن “هذه الدراسة قد تساعد على فهم السبب وراء تزايد احتمالات الإصابة بالأمراض العقلية لدى الأشخاص الذين يعانون قلة النوم بشكل مزمن”.
وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني (ساينتفيك أمريكان) المتخصص في الأبحاث العلمية “نريد أن نعرف ما الذي يحدث داخل المخ في حال عدم الحصول على قدر كافٍ من النوم”.
وقد أثبتت دراسة سابقة أن استدعاء الذكريات وأحداث الماضي يتم عن طريق جزء في المخ يُعرف باسم “الحصين”، في حين أن جزءًا آخر يُعرف باسم “قشرة الفص الجبهي الظهراني” هو المسؤول عن كبح الذكريات المؤلمة.

قلة النوم تعطل آلية كبح الذكريات
وأوضح كايرني أن الفرضية العلمية التي عكف الفريق البحثي على إثباتها هي أن قلة النوم تعطّل قدرة قشرة الفص الجبهي على “كبح” آلية استدعاء الذكريات.
وفي إطار التجربة، قام الباحثون بتوجيه 85 متطوعًا نحو الربط بين وجوه ذات ملامح محايدة ومواقف معيَّنة يتم تعريضهم لها، من بينها أحداث سلبية مثل حوادث السيارات أو مشاهد لمعارك أو أعمال عنف.
وقال كايرني إن المتطوعين في التجربة “يصنعون رابطة غنية بين الوجه المحايد والمشهد الذي يطّلعون عليه. لذا، في حال تعريض المتطوع للوجه المحايد، فإنه سيسترجع المشهد تلقائيًّا دون الحاجة إلى رؤيته مرة أخرى”.
وفي المرحلة التالية من التجربة، كان يجري تقسيم المتطوعين إلى مجموعتين، حيث يبقى أفراد المجموعة الأولى مستيقظين طوال الليل، ويُسمح لأفراد المجموعة الثانية بالنوم على أسرّة داخل المختبر مع مراقبة مراحل النوم المختلفة التي يمرّون بها ما بين نوم حركة العين السريعة، ونوم حركة العين غير السريعة.
وفي الصباح، يجري تعريض أفراد المجموعتين لصور للوجوه المحايدة التي اطّلعوا عليها في اليوم السابق، مع توجيه المتطوعين نحو استدعاء أو كبح الذكريات التي تقترن لديهم بالوجوه التي تُعرض عليهم.

مراحل النوم
جدير بالذكر أن نوم حركة العين السريعة يحدث بعد أن يغفو الشخص مدة تتراوح بين 60 و90 دقيقة. وتتسم هذه المرحلة من النوم بسرعة تحرك العين تحت الجفون في كل الاتجاهات، وتتكرر مرات عدة خلال النوم، ويكون النشاط العقلي خلالها مشابهًا لنشاطه في حال الاستيقاظ، وعادة ما تحدث الأحلام خلال تلك المرحلة.
أما عند النوم في مرحلة حركة العين غير السريعة، فلا يكون المخ في حالة نشاط، كما يتباطأ التنفس وينخفض ضغط الدم. ويعمل الجسم خلال تلك المرحلة على إصلاح الأنسجة التالفة، وبناء العظام والعضلات، وتعزيز نظام المناعة.
وأثبتت التجربة صحة الفرضية التي عكف الباحث كايرني على تأكيدها، وهي أن المتطوعين الذين ظلوا مستيقظين طوال الليل تراجع لديهم نشاط قشرة الفص الجبهي الظهراني بشكل ملموس، وخاصة عندما كانوا يحاولون كبح الذكريات المؤلمة التي تراودهم.
وعلى العكس، تزايد لديهم نشاط “الحصين”، وهو الجزء المسؤول عن استدعاء الذكريات. ورجَّح الباحثون أن يكون السبب في ذلك هو أن قشرة الفص الجبهي لدى هذه الفئة لم تستطع كبح آلية استدعاء الذكريات التي يقوم بها الحصين.
دعم الصحة العقلية
وقال الباحثون إن هذه النتائج تُظهر أن الحرمان من النوم لا يؤدي إلى تراجع نشاط المخ بشكل عام، بل إنه يؤثر في أجزاء معيَّنة من العقل، ترتبط بآلية استدعاء الذكريات والأفكار أو كبحها.
وبالنسبة للفئة التي سُمح لها بالنوم في الليلة السابقة للتجربة، وجد الباحثون صلة بين نشاط قشرة الفص الجبهي الظهراني ومدة نوم المتطوعين في مرحلة حركة العين السريعة، لا سيما ما يتعلق بالقدرة على كبح الذكريات المؤلمة.
وقال كايرني “هذه الملاحظة مثيرة للاهتمام، لأن كثيرًا من الأمراض العقلية المرتبطة بالأفكار الملحّة، مثل الاكتئاب واضطرابات في مرحلة ما بعد الصدمة، تقترن أيضًا باضطراب النوم في مرحلة حركة العين السريعة.
ورأت الباحثة ماريا ويبر، اختصاصية طب الأعصاب الإدراكي بجامعة غلاسكو، وهي ليست من المشاركين في التجربة، أن هذه النتائج “تنطوي على فائدة حقيقية لتحسين المناهج العلاجية لبعض الأمراض العقلية”.