كيف يؤثر اضطراب النوم في عمر الدماغ البيولوجي؟

نمضي نحو ثلث حياتنا في النوم، لكنه ليس وقتا ضائعا كما يعتقد البعض، بل هو عملية نشطة وجوهرية لاستعادة الجسد وحماية الدماغ.
وعندما يضطرب النوم، يدفع الدماغ الثمن أحيانا بطرائق خفية تتراكم آثارها على مدى سنوات.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4«الإجهاد» وحش نستطيع ترويضه وتقليل خسائره.. بهذه الخطوات
- list 2 of 4لماذا تهدد روسيا باستخدام النووي؟ وكيف ينظر الناتو لهذا التهديد؟
- list 3 of 4جنوب السودان: هل تراجعت حظوظ بول ميل في خلافة سلفاكير؟
- list 4 of 4من “أوفوا بالعهد” إلى أوسلو.. إسرائيل نموذجًا لنقض المواثيق
في دراسة حديثة نشرت في مجلة “ebiomedicine” وهي مجلة رائدة مفتوحة الوصول في مجال الطب الحيوي، قام فريق بحثي بدراسة سلوك النوم وصور الرنين المغناطيسي الدماغي التفصيلية لأكثر من 27 ألف بالغ في المملكة المتحدة تتراوح أعمارهم بين 40 و70 عاما.
وكشفت النتائج أن من يعانون من نوم سيئ تبدو أدمغتهم “أكبر سنا” بشكل واضح مقارنة بأعمارهم الحقيقية.
لكن ماذا يعني أن يبدو الدماغ أكبر سنا؟
رغم أن الجميع يتقدمون في العمر الزمني بالوتيرة نفسها، إلا أن بعض الأفراد يتسارع لديهم “العمر البيولوجي” للدماغ.
وتتيح تقنيات التصوير الحديثة والذكاء الاصطناعي تقدير عمر الدماغ من خلال أنماط معينة في صور الرنين المغناطيسي، مثل فقدان أنسجة الدماغ وترقق القشرة الدماغية وتضرر الأوعية الدموية.
اعتمدت الدراسة على أكثر من ألف مؤشر تصويري لتقدير عمر الدماغ، وتم تدريب نموذج تعلم آلي على صور لأصحاء لا يعانون من أمراض خطرة، بحيث تعكس أدمغتهم عمرهم الزمني بدقة، ثم طبّق النموذج على المشاركين جميعهم بالدراسة.
وتقول أبيغيل دوف، وهي باحثة ما بعد الدكتوراه في وبائيات الأعصاب، إن ارتفاع عمر الدماغ عن العمر الحقيقي للفرد يعد مؤشرا على الانحراف عن الشيخوخة الصحية. فقد ربطت أبحاث سابقة بين ظهور الدماغ بمظهر أكثر تقدما في السن وبين سرعة التدهور المعرفي، وزيادة خطر الإصابة بالخرف، وارتفاع احتمالات الوفاة المبكرة.
النوم عملية معقدة، ولا يكفي أي عامل واحد لتقييم صحته بشكل كامل، لذلك ركزت الدراسة على 5 أبعاد أعلن عنها المشاركون بأنفسهم: النمط الزمني (هل هم من الأشخاص الصباحيين أم المسائيين)، عدد ساعات النوم (7 إلى 8 ساعات تعدّ مثالية)، مدى المعاناة من الأرق، الشخير، والشعور بالنعاس أثناء النهار.

تتفاعل هذه العوامل فيما بينها، فمثلا من يعاني من الأرق المزمن قد يشعر أيضا بنعاس نهاري زائد، ومن لديهم ميول مسائية قد تقل لديهم ساعات النوم، وبدمج هذه الخصائص الخمس فيما يسمى “مؤشر النوم الصحي”، حصل الباحثون على صورة شاملة لصحة النوم.
من يملكون 4 أو 5 صفات صحية اعتبروا ضمن “النمط الصحي”، ومن لديهم صفتان أو 3 صفات اعتبروا “متوسطين”، أما من لديهم صفة واحدة أو أقل فتم تصنيفهم “ذوي النوم السيئ”.
عندما قورنت أعمار أدمغة الأفراد باختلاف أنماط النوم، ظهرت الفروق بوضوح: يتسع الفارق بين عمر الدماغ الحقيقي والبيولوجي بنحو 6 أشهر مع كل نقطة انخفاض في مؤشر النوم الصحي. في المتوسط، أظهرت أدمغة أصحاب النوم السيئ أنها أكبر بـعام تقريبا من عمرهم، بينما لم يظهر أصحاب النوم الصحي هذا الفارق.
وبدراسة العوامل الخمسة منفردة، كان للنمط المسائي ومدد النوم غير الطبيعية التأثير الأكبر في تسارع شيخوخة الدماغ.
قد يبدو الفارق عاما واحدا بسيطا، ولكنه في عالم الصحة الدماغية شديد الأهمية، فالتسارع الطفيف في شيخوخة الدماغ قد يؤدي مع الوقت إلى زيادة خطر التدهور المعرفي، الخرف، وحالات عصبية أخرى.
الخبر المطمئن أن عادات النوم قابلة للتغيير، فبينما يصعب علاج مشكلات النوم جميعها، إلا أن بعض الاستراتيجيات البسيطة –مثل الالتزام بجدول نوم منتظم، والحد من استهلاك الكافيين والكحول والشاشات قبل النوم، وتهيئة غرفة نوم مظلمة وهادئة– يمكن أن تحسن من جودة النوم وتحمي صحة الدماغ.
كيف يؤثر النوم السيئ في صحة الدماغ تحديدا؟
أحد التفسيرات يكمن في الالتهاب، فالأدلة تتزايد على أن اضطرابات النوم تزيد من مستويات الالتهاب في الجسم، والذي بدوره قد يلحق أضرارا بالدماغ من خلال تضرر الأوعية الدموية، وتحفيز تراكم بروتينات سامة، وتسريع موت الخلايا العصبية.
وقد أتاحت عينات الدم التي جمعت من المشاركين فحص دور الالتهاب، حيث أظهرت التحليلات أن الالتهاب يفسر قرابة 10% من العلاقة بين النوم وشيخوخة الدماغ.
وثمة تفسير آخر يتمحور حول “الجهاز الجليمفاتي”، وهو نظام التخلص من المخلفات في الدماغ، الذي ينشط تحديدا أثناء النوم، وعندما يحدث اضطراب في النوم قد يتعطل هذا النظام، مما يسمح بتراكم المواد الضارة في الدماغ.
كما أن النوم السيئ قد يزيد من خطر الإصابة بأمراض أخرى تؤثر في صحة الدماغ، كداء السكري من النوع الثاني، السمنة، وأمراض القلب والأوعية الدموية.