ليست مبالغة.. هكذا يؤثر العمل الليلي على صحتك

في زمن تتسارع فيه وتيرة الحياة على مدار أربع وعشرين ساعة، لم يعد الليل وقتا للسكينة والنوم كما كان يُفترض.

ملايين البشر في العالم يدفعهم العمل إلى قلب ساعات الليل إلى نهار بديل، ظنًّا منهم أن الجسد قد يعتاد الانقلاب على فطرته. لكن، هل يمكن خداع البيولوجيا؟ وهل يدفع هؤلاء ثمنا خفيا لهذا الانقلاب؟

ما تكشفه الدراسات الحديثة ليس بالهيّن، إذ تبدو عبارات “دوام ليلي” أو “نوبة متأخرة” مجرد مصطلحات إدارية، لكنها في الحقيقة تمثل -وفق العلم- ضغطا مستمرا على توازن الجسم الداخلي. في هذا التقرير نستعرض أبرز نتائج الأبحاث العلمية الحديثة في هذا الشأن.

اضطرابات النوم وفوضى الساعة البيولوجية

في دراسة حديثة نشرتها جامعة يورك، وُجد أن العاملين ليلًا يعانون من “اختلال تام في الإيقاع اليوماوي”، وهو ما يُعرف بالساعة البيولوجية المسؤولة عن تنظيم النوم واليقظة. وهذا الاختلال لا يؤدي فقط إلى الأرق، بل يضعف التركيز ويزيد من الإرهاق الذهني.

كما أظهرت دراسة أوروبية شملت أكثر من 37 ألف شخص أن نصف العاملين بنظام النوبات الليلية يعانون من اضطراب نوم مزمن، يراوح بين الأرق، والنوم المتقطع، والنعاس الزائد أثناء النهار.

التأثيرات القلبية والتمثيل الغذائي

زيادة خطر أمراض القلب والسكتات الدماغية: وفق دراسة سويدية نُشرت مطلع عام 2025، فإن قلة النوم العميق نتيجة العمل الليلي ترفع بشكل مباشر فرص الإصابة بأمراض القلب والسكتات الدماغية، حتى لدى الأشخاص الأصحاء.

ويعزز ذلك بحث نشره موقع “ساينس ديلي” أشار إلى أن 3 أيام فقط من اضطراب النوم تسبب خللا في بروتينات الدم المرتبطة بتنظيم الطاقة والالتهابات، مما يرفع ضغط الدم ومؤشرات التوتر.

اختلالات في تنظيم السكر والأنسولين: أظهر بحث من جامعة واشنطن أن العمل الليلي يؤثر في الإيقاعات البيولوجية للبروتينات المسؤولة عن تنظيم الجلوكوز والطاقة والالتهابات، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري والسمنة.

ضعف التركيز وازدياد حالات الاكتئاب

من ناحية نفسية، أظهرت دراسة علمية أن العاملين ليلًا -لا سيما الطواقم الطبية- يعانون من معدلات اكتئاب وقلق أعلى من غيرهم، مع ضعف في جودة النوم وتراجع في القدرة على اتخاذ القرار.

كما كشفت دراسة أمريكية أن العمل الليلي يؤثر في القدرة الإدراكية ويضعف الذاكرة الطويلة الأمد، نتيجة تقاطع النوم مع ذروة نشاط الدماغ البيولوجي.

اضطرابات مناعية وهرمونية

ليس النوم وحده هو المتأثر، فالعمل الليلي يتسبب في اضطراب إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن النوم والمناعة، ويؤدي ذلك إلى تدهور قدرة الجسم على مواجهة الالتهابات.

تأثير على الجهاز المناعي: في دراسة نشرتها (Journal of Proteome Research) وجدت أن العمل الليلي يسبب تغييرات في البروتينات المرتبطة بالجهاز المناعي، مما قد يؤدي إلى التهابات مزمنة وزيادة خطر الأمراض المزمنة.

زيادة خطر الإصابة بالسرطان: تحليل نشرته مجلة (Environmental Health Perspectives) أشار إلى وجود علاقة بين العمل الليلي الطويل الأمد وزيادة خطر الإصابة بسرطان البروستاتا والثدي.

نصائح للتقليل من الأضرار

في وقتٍ أصبح فيه “العمل ليلًا” قاعدة أكثر من كونه استثناءً، ربما آن الأوان لطرح سؤال أكثر أهمية: كيف نعمل دون أن نخسر صحتنا؟

ووفقًا للأكاديمية الأمريكية لطب النوم (AASM) والجمعية الوطنية للنوم (NSF)، فإن العمل الليلي لا يمكن جعله “آمنًا تمامًا” بيولوجيًّا، لكنه يمكن أن يصبح أقل ضررًا بكثير إذا طُبّقت استراتيجيات دقيقة لإدارة النوم، والضوء، والغذاء، والراحة.

وينصح الأطباء بالآتي:

• تنظيم جدول النوم: الالتزام بروتين نوم ثابت قدر الإمكان، حتى في أيام الراحة.
• تهيئة بيئة نوم مثالية بعد الوردية الليلية: غرفة مظلمة، وهادئة، ودرجة حرارة معتدلة.
• الابتعاد عن الشاشات قبل النوم: تجنب استخدام الأجهزة الإلكترونية قبل النوم بساعة على الأقل، واستخدام قناع العين وسدادات الأذن لتحسين جودة النوم.
• الاهتمام بالتغذية: تناول وجبات خفيفة وصحية وتجنب الأكل الثقيل ليلًا، والابتعاد عن الكافيين قبل النوم بـ4 ساعات على الأقل.

أبرز المصادر:

• Heart attacks, diabetes, divorce: tackling the dangers faced by UK’s army of night workers
• NO SNOOZE, YOU LOSE Just three nights of bad sleep ‘can increase risk of heart attack or stroke’, scientists warn
• How night shift work can raise risk of diabetes, obesity
• 5 long-term health effects of shift work
• Night-shift work and prostate cancer: a two-stage dose-response meta-analysis for the correct risk definition