مظاهرات الميدان.. الأمر للشعب المصري

كـأن ميدان التحرير ولد من جديد بنبض ثوري تغذيه دماء “شهداء” حكم على من قتلهم بالبراءة وعلى من أمر بقتلهم بالسجن المؤبد، رسالة من صديق قتيل سقط خلال الأيام الأولى لثورة يناير/كانون الثاني، هذا المشهد المهيب للميدان الذي امتلأ بعشرات آلاف المصريين الذين قالوا إنهم استعادوا شرعية ستفرض رئيس جمهورية من رحم الميدان.
التوافد على الميدان بدأ في اللحظات الأولى التي أعقبت صدور الحكم المؤبد على الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وبراءة نجلي مبارك وستة من كبار مساعدي العادلي، وأخذت الحشود بالتزايد بعد دعوة عدد من القوى السياسية والثورية مناصريها للنزول إلى الميدان حيث بدأت تتدفق مسيرات عبر مداخل التحرير المتعددة في نسخة منقحة من الأيام الأولى للثورة.
ويبدو أن منطوق الحكم على مبارك شكل إنعطافة دفعت بالمصريين إلى التوحد والعودة إلى التحرير وعن هذا الأمر يقول صلاح المصري إنه كان من المنطق تأجيل المحاكمة أو الحكم على مساعدي العادلي بأحكام مخففة، لكن وكالعادة فإن “غباء” الأنظمة يعجل بسقوطها، مستدلا بأنه لو أقال مبارك العادلي لما حصلت ثورة 25 يناير وبقي نظام مبارك “جاثما على صدورنا”.
وأوضح المصري أنه يشتم في هذه الأيام رائحة عبير الربيع المصري وثورة 25 يناير، مستبعدا أن يؤثر هذا الحراك على إجراء جولة الإعادة من انتخابات الرئاسة.
وأد المخطط
واللافت في الحشد عدم حصول أي إشكالات أمنية أو تضارب بين المتظاهرين الذين قدموا إلى الميدان شيبا وشبانا نساء وأطفالا للمطالبة بالعدل وعدم نسيان “حق الشهداء”.
وعن هذا المشهد الوحدوي يقول المحلل السياسي مصطفى زهران -الذي كان بين متظاهري ميدان التحرير- إن محاكمة مبارك كانت عاملا حاسما في انصهار جميع القوى السياسية والدينية في الميدان وسط انتفاء المسميات والمنصات التي كانت تساهم في الانقسام بين المصريين، وأضاف أن هذا المشهد وأد المخطط الذي كان يتربص بالشعب المصري عبر السعي لتقسيمه وشرزمته.
واعتبر زهران مظاهرات التحرير امتدادا لثورة يناير/كانون الثاني وأحد ارتدادات “زلزالها”، ورسالة إلى من يهمه الأمر أن الشعب ما زال هو المرجع والميدان هو الحكم، وأشار إلى أن مظاهرات التحرير ستصب في مصلحة مرشح جماعة الإخوان المسلمين محمد مرسي في انتخابات الإعادة التي ستجرى في موعدها في 16 و17 من الشهر الجاري.
وأكد أن الإخوان سيقبلون بمجلس رئاسي لأنهم أدركوا عدم نجاحهم بشكل كبير خلال الأشهر الماضية في عالم السياسة، وخصوصا عندما تلمسوا “خطر اقتراب المرشح أحمد شفيق من الفوز بالانتخابات”.
إرهاصة لا ثورة
من جهته رأى الصحفي صلاح الدين حسن أن ما يحدث هو “إرهاصة” ثورة ولا ترقى إلى ثورة ثانية، وأضاف أنها رسالة إلى المجلس العسكري والقوى السياسية على السواء مفادها أن هناك أزمة سياسية تمر بها البلاد ويجب الخروج منها بأسرع وقت ممكن.
وأوضح أن هذه الحشود تؤكد عدم رضاها عن مرشحي الرئاسة بنسختيها “الإخوانية المتمثلة بمرسي والنظام السابق المتمثل بشفيق” وأن الكتلة التصويتية الثورية التي أثبتت أنها الأكبر (نحو تسعة ملايين ناخب، الأصوات التي حصل عليها حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح)، وأشار إلى أن المظاهرات الحالية ستتضاءل رويدا رويدا، مؤكدا أن نجاح شفيق في الرئاسة سيفتح الباب أمام ثورة ثانية حقيقية.
وختم حسن بأن مصير الانتخابات يحدده زخم الحراك الشعبي والإخوان لأنهم إن رأوا كفة الانتخابات تميل إلى شفيق فإنهم سيضغطون في اتجاه بقاء المظاهرات “حامية” ويعملون على إفشال الخارطة السياسية التي وضعها المجلس العسكري برمتها، والعمل على تأسيس مجلس رئاسي مدني يحكم البلاد.
وخلص إلى أن معظم التيارات الليبرالية والقوى الثورية تقول من الممكن قيام ثورة ضد حكم شفيق، بخلاف حكم الإخوان الذين ينظرون إلى الحكم بفكرة التمكين والهيمنة والسيطرة وليس على أساس المداورة والتعددية في الحكم.