سد النهضة .. التاريخ والخلاف وسيناريوهات النهاية

ما بين عام يرحل .. وعام آخر يطل تدور عجلة الحياة  .. وفيما يلملم عام 2015 أوراقه استعدادا للرحيل ، تبقى بعض الملفات عالقة في حياة الأمم والشعوب ، فالقضايا لاتنتهي بانتهاء العام  .. ولعل الملف الأخطر  هو ما يتعلق بحياة الشعوب .. فهل هناك أهم من الماء لحياة شعب ؟؟ .. وسد النهضة .. ملف  أفريقي عالق.. ونزاع قد يتفجر بلا إنذار ..

تاريخ سد النهضة

منذ ولادة فكرة بناء سد النهضة الإثيوبي في عام 1964 ، مرت عملية البناء بعدة مراحل شهدت فيها تهديدات ببناء السد مرة، والعدول عن تلك الفكرة مرات أخرى؛ فعندما حددت إثيوبيا 26 موقعًا لإنشاء السدود أهمها سد “الألفية أو الحدود” والذي سمي فيما بعد بسد “النهضة” أثبتت الدراسات وقتها وجود عقبة رئيسية  تشير إلى أن  التربة في  إثيوبيا غير صالحة لإنشاء السدود وأن إنشاء السد سيشكل تهديدا مائيا على مصر – إلا أن الصداقة الوثيقة التي كانت تربط – وقتها – بين الرئيس المصري جمال عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي، ولكن سرعان ما انقلبت العلاقة للنقيض بعد بناء مصر “السد العالي” على النيل دون استشارة إثيوبيا التي هددت بإنشاء سد إثيوبيا في ذاك الوقت.

ثم جاء الخلاف الثاني بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات والرئيس منجستو، حيث أعلن السادات عن مشروع تحويل جزء من مياه النيل لري 35 ألف فدّان في سيناء وهو ما رفضته إثيوبيا وهددت بإنشاء السد وتحويل مجرى النهر عن مصر، فاعتبر السادات أن مياه النيل خط أحمر ولوح بأن مصر مستعدة لخوض حرب بسبب المياه وأنه  “سيدمر السد بمجرد إنشائه”، وفي عهد الرئيس المخلوع مبارك شهدت العلاقات بين مصر وإثيوبيا بشكل خاص والدول الأفريقية على وجه العموم قطيعةً على إثر تعرّض الرئيس مبارك لمحاولة اغتيال أثناء حضوره القمة الأفريقية في أديس أبابا، فأجمعت دول حوض النيل على بناء السد وزيادة حصصها المائية من النيل واقتدت دول الحوض بإثيوبيا وبدأت بإنشاء سدود لها على النيل؛ فخرج وزير الدفاع المصري – وقتها – المشير المصري محمد عبد الحليم أبو غزالة معلنًا أنَّ “القوات المسلحة المصرية والجيش المصري سيوجّهان ضربة لأي مشاريع تضر بمصالح مصر في دول حوض النيل”، وهو ما وضع صيغة إلغاء بطعم التأجيل لهذه المشروعات .

 أما في عهد الرئيس مرسي شهدت أزمة السد أوجها بحكم توقف عهد التهديد والوعيد بإنشاء السد وبداية بناء السد بالفعل وصدر موقف وحيد في ذلك الوقت بهذا الخصوص كان في الاجتماع مع قادة الأحزاب بحضور الرئيس مرسي خرج بنتيجة أنَّ السد لن يكون له أي تأثير على توليد مصر للكهرباء وأن هناك حلولًا أكيدة لتلك الأزمة مع الجانب الإثيوبي، علمًا أن السد تم البناء فيه بالفعل، حتى جاء السيسي الذي حاول فتح صفحة جديدة في هذه القضية فيما يخص العلاقات بين إثيوبيا ومصر من خلال لقاء القمة الذي جمعه مع رئيس الوزراء الإثيوبي على هامش القمة الأفريقية في شهر أغسطس من هذا العام.

سد النهضة و مخاطره على مصر

يوجد على طول مجرى نهر النيل 7 سدود، إلا أن سد النهضة يعد أكبرها على الإطلاق حيث يبلغ ارتفاعه 145 مترًا وطوله حوالي 18 مترًا، وتقدر تكلفة إنشائه بحوالي 5 مليارات دولار، يقطع السد مجرى النيل الأزرق – أكبر فروع النيل – حيث تبلغ سعتة التخزينية 74 مليار متر مكعب أي حوالي مرة ونصف من إجمالي سعة النيل الأزرق من المياه سنويًا، وتقدر القدرة المائية للسد على توليد الكهرباء بحوالي 6000- 7000 ميغاوات أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الطاقة الكهربائية المولّدة من محطة سد أسوان الكهرومائية.

 

تتركز الأخطار المحدقة بمصر جراء بناء السد بعوامل فنية ينحصر أبرزها فيما يلي: 

– انخفاض حصة مصر في مياه النيل 12 مليار متر مكعب سنويًا من أصل 55 مليار. 

– انخفاض الكهرباء المولّدة من السد العالي وخزان أسوان بحوالي 20-40  بالمئة   ما سيعمق أزمة الطاقة   في مصر 

– انخفاض في نصيب المواطن المصري من المياه والذي ينخفض فعليا عن المستويات العالمية بأكثر من الثلث حاليا ، حيث يصل نصيب الفرد من الماء 650 مترا مكعبا سنويًا مقابل المعدل العالمي البالغ 1000 متر مكعب للفرد.

–  بوار حوالي 200 ألف فدّان من الأراضي الزراعية وتشريد الفلاحين الذين يعملون في هذه الأراضي.

–  فقد نحو ربع الإنتاج الزراعي وزيادة الفجوة الغذائية في مصر.

–  في حالة انهيار سد النهضة فإن نتائج ذلك ستكون كارثية على مصر والسودان وعلى السد العالي بشكل        خاص

–  تأثر الملاحة والسياحة على نهر النيل بشكل سلبي.

 الخلاف الحالي على المشروع

الخلاف المصري الإثيوبي يأتي في إطار الرؤية المصرية   في استمرار أديس أبابا تستمر في بناء السد بوتيرة أسرع من الدراسات الفنية المتعلقة به، لاسيما في ظل خلافات المكاتب الرئيسية (الفرنسية والهولندية) المعنية بالدراسات، فمن ناحية إثيوبيا عيّنت مكتبا فرنسيًا لدراسة حيثيات المشروع – وهو ما ترى مصر أن قراراته يشوبها الانحياز للجانب الأثيوبي في ظل المصالح التي تربط باريس بأديس أبابا في مجالات الكهرباء، في حين أنَّ المكتب الهولندي يتبنى وجهة نظر علمية ترفض الدراسات التي يرى أنها تفتقد الموضوعية والدقة.

أما إثيوبيا فهي تحاول وضع مصر تحت الأمر الواقع من خلال إنهاء البناء بسرعة حيث تعمد إلى إدارة الملف بشكل منفرد دون النظر لنتيجة الدراسات الصادرة من الطرف المصري بشأن حدوث أي ضرر بحصة مصر المائية في حال الاستمرار ببناء السد، كما تستغل إثيوبيا الظروف التي تمر بها مصر في ظل تقلب الأوضاع السياسية وعدم رضا دول العالم على أداء حكومة السيسي والأزمات التي تواجه الاقتصاد المصري بالعموم ما يقوّض الموقف المصري ويضعه بين سنداني الوفاء بالالتزامات الداخلية ومواجهة الخطر الإستراتيجي الخارجي القادم من إثيوبيا.

ثوابت مصر في الحوار مع اثيوبيا

نظرا لأهمية النتائج التي ستترتب على إتمام إثيوبيا لسد النهضة فقد حددت مصر جملة من الأسس الثابتة التي أشارت عدة مرات إلى أنه لا يمكن التنازل عنها أمام إثيوبيا في المفاوضات الدائرة بينهما وهي

-الحفاظ على حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل والمقدّرة بـ 55.5 مليار متر مكعب.
– ألا يُستخدم السد في أي أغراض غير تنموية أو اقتصادية.
– ألا تؤثر فترة ملئ حوض خلف السد على مصر وانسياب المياه إليها.

هذه الثوابت يرى خبراء أنه على الرغم من تواضعها إلا أنها قد تصل بالموقف بين مصر واثيوبيا في نهاية المفاوضات في حال عدم التوصل لتفاهمات ترضي الطرفين إلى نقطة ” لي العنق”  يقودها الجانب الإثيوبي على مصر ، حيث يصر الجانب الإثيوبي على استكمال بناء السد، مؤكدا استعداده لمواجهة كافة الاحتمالات والتبعات بما فيها المواجهة العسكرية – وفقا لتصريحات عدة لمسئولين من اديس ابابا –   لما يعنيه السد من تعزيز مكانتها الإقليمية في إنتاج الطاقة الكهرومائية، والتي بدأت فعليا في الإتيان بثمارها بعدما ارتفع حجم الصادرات الكهربائية لإثيوبيا لكل من السودان وجيبوتي وكينيا وجنوب السودان من ألفي ميغا وات إلى عشرة آلاف ميغا وات، فيما لا تملك مصر مرونة كافية في المفاوضات ، إلا أنها على الرغم من ذلك ترى أن “قضية المياه بالنسبة لمصر هي قضية وجود” وأنه  لا يمكن إغفال عنصر الوقت في التعامل “بجدية” مع قضية سد النهضة وهذا ما يؤكد  أن جوهر الأزمة القائمة بين البلدين بالدرجة الأولى هي “سياسية ذات أبعاد استراتيجية”

سيناريوهات النهاية

ملف المفاوضات بين مصر واثيوبيا خلف اجتماع تلاه اجتماعات رأى الخبراء أنهم أشبه بـ “حوار الطرشان”، حيث أضحى القرار السائد في المفاوضات هو قرار بتأجيل المفاوضات من أجل التفاوض، أو أن عدم تسويتها فيه قصد يقوم على أساس التأجيل حتى الانتهاء من بناء السد، فما إن يشهد الملف انفراجًا في المفاوضات حتى تعود الأزمة إلى البداية وكأن اجتماعًا لم يعقد وشيئًا لم يكن، والثابت في كل الاجتماعات أن بناء سد النهضة وغيره من السدود الإثيوبية يسير على قدم وساق كما هو مخطط له وفي أحيان أخرى أسرع من المخطط، حيث تم إنهاء أكثر من 40% من إجمالي البناء المقرر إنهاؤه بحلول عام 2017.

وتبعًا لما سبق فإن فشل المفاوضات في الجولة الجديدة المقررة في نهاية ديسمبر سيضع مصر في جملة خيارات ستضطر لاعتماد أحدها، حددها الخبراء  في ثلاثة سيناريوهات لقراءة مستقبل المفاوضات بشأن سد النهضة الإثيوبي

أولها – سحب اعتراف القاهرة به وتدويل القضية

والثاني – اعتماد خطة طريق جديدة والاستمرار في المفاوضات على أساسها.

الثالث –  اللجوء إلى عمل عسكري  بين الجانبين كحل أخير. 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان