في ذكرى ميلاده.. كيف انتصر “الريحاني” لمعلمي مصر؟

“عيني بترف.. وراسي بتلف.. وعقلي فاضله دقيقة ويخف” من منا لا يتذكر تلك الأغنية الشهيرة التي جمعت بين العملاقين ليلي مراد ونجيب الريحاني في فيلم غزل البنات عام 1949، آخر أعمال الريحاني الذي يصادف اليوم ذكرى ميلاده.

ويحتفل محرك البحث العالمي الشهير “غوغل” اليوم بالذكرى الـ127 لميلاد الممثل الفكاهي المصري من أصل عراقي، نجيب الريحاني، والذي عُرف بشخصية “كشكش بيه” وأدوار الموظف البسيط في أفلامه وانحيازه للفقراء، وقد تفتحت عينا نجيب الريحاني على أحداث عظيمة كانت تمر بها مصر آنذاك حتى أن له مشاهد انتصرت لبعض الفئات وأبرزهم المعلمين وتغيرت قوانين بالفعل أنصفتهم وتسببت بزيادة رواتبهم بفضل سينما الريحاني.

معظم أعمال الريحاني كانت مسرحية، ولا يوجد منها نسخ مصورة كاملة، على عكس أفلامه التي يوجد منها 6 أفلام يعتبرهم بعض المهتمين بالسينما من أعمق ما قدم في السينما العربية من ناحية التركيبة السيكولوجية الساخرة المضحكة الباكية المتمثلة في الممثل نجيب الريحاني.

تزوج الريحاني من الراقصة السورية بديعة مصابني ثم تطلقا دون إنجاب، وتزوج من “لوسي دي فرناي” الألمانية بين عامي 1919– 1937 وانجب منها ابنته الوحيدة “جينا”.

 

اعتزل الريحاني المسرح عام 1946 بعد أن قدم مع بديع خيري صديق عمره وتوأمه في الفن 33 مسرحية، كما شارك في العديد من الأوبريتات، وقدم للسينما 10 أفلام تعتبر علامات في السينما رغم مرور أكثر من قرن عليها وهي: صاحب السعادة كشكش بيه، حوادث كشكش بيه، ياقوت أفندي، بسلامته عايز يتجوز، سلامة في خير، أبو حلموس، لعبة الست، سي عمر، أحمر شفايف، غزل البنات.

جاءت وفاة نجيب الريحاني صدمة للكثيرين فتوفى الريحاني في الثامن من يونيو عام 1949 بعد أن قدم آخر أعماله فيلم غزل البنات، حيث أصيب بمرض التيفويد الذي كان سبباً في وفاته.. لتفقد السينما العربية والمصرية واحداً من أفضل روادها ومبدعيها على الإطلاق.

واليوم في ذكرى ميلاد “كشكش بيه” نستعرض معكم أبرز مشاهد نجيب الريحاني بالسينما المصرية والتي عالجت مشكلات اجتماعية كثيرة، وكشفت عن الفساد الإداري والروتين في مصر وتغيرت بفضلها قوانين.

المشهد الأول ويعتبر من المشاهد الخالدة في السينما المصرية يعلق عليه النقاد حتى يومنا هذا، وهو مشهد المدرس الذي يخرج ما في جيبة أمام الباشا الذي اتهمه بسرقة عقد وإخفائه في منديله فيخرج الريحاني المنديل قائلا فيما يشبه الرثاء الذاتي “دة لو دخل العقد في المنديل من هنا لازم يطلع من هنا” في إشارة لفقرة المدقع الذي يجعل حتى منديله وجيبه مثقوبين.

 المشهد الثاني من فيلم غزل البنات أيضاً هذا المشهد الرائع والذي يوضح الفارق الشاسع بين الوظائف والطبقات الاجتماعية بشكل متناقض مع العقل والمنطق حيث أن راعي الكلب في منزل الباشا يتقاضى راتب 10 أضعاف راتب المعلم المسكين وكذلك راتب مقدم القهوة بالقصر، وفي هذا المشهد ينتصر الريحاني للمعلمين و يتسبب في زيادة رواتبهم بالفعل بعد عرض الفيلم.

مشهد ثالث من نفس الفيلم يوضح حال التعليم في مصر والتدهور الذي كان يسيطر على العملية التعليمية آنذاك، ومن أبرز الألفاظ التي قيلت داخل فصل المدرسة على لسان الطالبات في حصة القراءة تبرز أخطاء في المعاني نتيجة خطأ النطق والتشكيل مثل: الأسد يحتال، والأصل “يختال”، ولفظ أبلة بنطق يعني المُعلمة وهي في الأصل (أبله) يعني ساذج أو غبي.

أيضاً تملك الغيط من الأسد بمعنى أن الأسد يمتلك حقلاً مزروعاً وهي في الأصل تملّك الغيظ من الأسد أي أن الأسد مشتعل غيظاً، ثم لفظ ويلك ويلك بمعنى الثرثرة وهي في الأصل “ويلك” بمعنى الويل والوعيد، ثم تسأل طالبة أستاذها” “هوا الأسد بيتكلم يا أستاذ .. فيرد: وزارة المعارف عايزاه يتكلم يبقى بيتكلم،  ثم يٌختم المشهد بمقلب من الطالبات يسبب في رفد المعلم من وظيفته.

ومن فيلم أحمر شفايف يأتي مشهد يعبر عن توظيف الناس في وظائف في غير تخصصهم بفعل كثرة الإلحاح وهو أمر شائع مع الأسف حتى وقتنا هذا.

أما هذا المشهد من فيلم سي عمر فيكشف عن الفساد الإداري في مصر .. حيث يدور الحديث بين عم المالك ومدير أعمال ابن الأخ ليتفقا على كتابة أحد العقود ب3 في حين يتم التحصيل الفعلي بـ5 ثم يتفقان على توزيع حصة السمسرة، ويتم رفد الموظف ألمين حين اعتراضه على تلك السرقات.

ومن فيلم لعبة الست تأتي أفضل المشاهد الاجتماعية على الإطلاق وهو مشهد الطلاق الذي غير من نظرة المجتمع للعلاقة بين الزوجين وكان سبباً في عودة الزوجة إلى رشدها حينما ساومته بالمال على الطلاق، وفيه يقول: “لعبة .. اسمعي الكلام اللي هأقوله كويس.. أنا زمان لما اتجوزتك، حبيت فيكي القلب الطيب، النفس القنوعة، الود الخالص، البساطة، العيون اللي مليانة طهارة وحنو، مكنتش أبيعهم بالألولف ولا الملايين..”

ثم يكمل: “لكن القلب الحقود، النفس الجشعة، المظاهر الكدابة، الود المصطنع، العينين اللي ميتقريش فيهم إلا الغش والخداع، أبيعم رخيص، أبيعهم من غير مقابل واعتبر نفسي أنا الكسبان.. فاتنيتسا يا هانم انتي مش على ذمتي، روحي إنتي طالقة”.

ومن أشهر مشاهد الفساد الكوميدية في السينما المصرية على الإطلاق هذا المشهد الرائع مع العملاق عباس فارس، وفيه يظهر كيف كانت تتم السرقات من ناظر الوقف بغباء وبشكل مفضوح، فيقوم الموظف البسيط ساخراً بسرد عدة طرق وأساليب تجعل تلك السرقات غير مكشوفة واصفاً هؤلاء بـ”الحرامية الحمير” ويسرد المشهد بياض غرفة بمنزل إحدى الحارات تكلف أكثر من 92 جنيه وهو مبلغ كبير جداً آنذاك حتى يعلق الموظف ضاحكاً: “ليه انتوا بيضوتها بلبن زبادي، بمربى تفاح”.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان