“الزوجات العازبات” حياة مئات الأسر تتحطم على صخرة معبر رفح


أربع سنوات مرّت على عودة “آلاء محمد” إلى بيت عائلتها، وهي ترتدي فستانها الأبيض، بعد انتهاء مراسم حفل زفافها مباشرة، في إحدى قاعات الأفراح في مدينة خانيونس، جنوبي قطاع غزة.
في تلك الليلة، زُفت “آلاء” التي تحفظت على كشف اسمها الحقيقي لاعتبارات اجتماعية، بمفردها. وارتدت فستانها الأبيض، من دون أن يجلس زوجها إلى جوارها، ويحضر معها ليلة عمرهما، إذ حال إغلاق السلطات المصرية معبر رفح البري دون وصول العروس “آلاء،28 عامًا” إلى بيت الزوجية في جاكرتا؛ حيث يقطن زوجها، كما حرم الزوج من مرافقة شريكة حياته في يوم الزفاف.
ويربط معبر رفح البري، قطاع غزة بمصر، وتغلقه السلطات المصرية بشكل شبه كامل، منذ تموز/يوليو 2013، لدواعٍ تصفها بـ”الأمنية” وتفتحه على فترات متباعدة لسفر بعض الحالات الإنسانية.
“آلاء” تروي حكايتها قائلة: “تقدم زوجي لخطبتي عام 2012، وقمنا بالإجراءات القانونية للزواج، ثم اضطر للسفر إلى عمله في دولة الإمارات، وانتقل بعدها إلى جاكرتا في إندونيسيا”.
وتضيف بصوت حزين: “كان من المفترض أن يعود في الوقت المحدد للزفاف، لكن الحصار كان عائقًا، ولم نستطع تأجيل العُرس، بعد التحضير لكافة تفاصيل ذلك اليوم، وهذا يعني أن نخسر التكاليف المادية أيضًا، وهو صعبٌ للغاية”.
ولم تكن فرحتها منقوصة يوم الزفاف فحسب، حيث امتد الأمر إلى مجمل حياتها لاحقا، وعن ذلك تقول: “أحمل لقب متزوجة، ولم أدخل بيت الزوجية إلى الآن”.
وتعيش “آلاء” ظروفًا نفسية صعبة، ومشاعر متقلّبة ومتناقضة، على حسب تعبيرها، مضيفة: ” قبل عام قدّمت استقالتي من عملي أملا في اللحاق بزوجي في أحد المرات التي فُتح فيها المعبر (معبر رفح) لكنني لم أسافر أيضًا، خسرت عملي كمديرة لإحدى رياض الأطفال، وما زلت أسيرة هنا”.
وكثيرًا ما تنظر بحزن، إلى حقائب ثيابها التي اشترتها منذ فترة طويلة من مهرها، “دون أن تسعد بارتدائها مرة واحدة” مضيفة بحسرة:” أظن أن موديلات تلك الثياب قد اندثرت”.
وتتلخص حياة “آلاء” في “الوحدة والاكتئاب” وفق قولها، مضيفة: “أعيش في عزلة تامة حتى عن أفراد أسرتي، وأسمع كلامًا جارحًا في بعض الأوقات، والبعض يدعوني لطلب الطلاق”.
وتعيش السيدة الفلسطينية في حالة قلق دائمًا، من أن يقدم زوجها على الزواج من أخرى، أو طلب الانفصال، كما حدث مع العديد من صديقاتها، حسب قولها.
وتحول أوضاع معبر رفح، وإغلاقه المستمر دون سفر 1500 زوجة إلى خارج القطاع، إلى أزواجهن، وفق تصريح نشره وكيل وزارة الداخلية في قطاع غزة “كامل ماضي” على صفحته على الفيس بوك، في وقت سابق، لتعيش هذه الزوجات وضعا جعلهن يحملن لقب “الزوجات العازبات”.
وأضاف “أبو ماضي” هؤلاء الزوجات مهدّدات بالطلاق في كثير من الأحيان، مشيرا إلى وجود فئات أخرى تنتظر فتح المعبر لمغادرة قطاع غزة، ومن بينهم: نحو 3 آلاف طالب، و8 آلاف من أصحاب الإقامات (الذين يخشون انتهاء مدة إقامتهم في الخارج دون التمكن من السفر)، و5 آلاف مريض، منهم حالات سرطان وحالات حرجة جدًا، و6 آلاف من أصحاب الجنسية المصرية.
“إسلام البربار” (30 عامًا) زوجة فلسطينية أخرى عالقة في قطاع غزة، عاشت برفقة زوجها في مصر لمدة شهر واحد فقط، ثم عادت إلى غزة لإنهاء أمور في عملها، ومن وقتها انضمت إلى فئة “الزوجات العازبات”.
وتضيف “إسلام”، مديرة إذاعة “صوت نساء غزة”: “تزوجت في منتصف يوليو/ تموز العام الماضي، وعدت إلى غزة في أغسطس/ آب من العام ذاته، لظرف هام، إلا أنني ما زلت محجوزة في القطاع إلى الآن”.
وتتابع: “أصبحت حياتي أنا وزوجي متوترة ومليئة بالضغوط، ونعيش في قلق ولا نعرف ماذا سيحدث، وحديثنا ينحصر دائما في المأساة التي نعيشها”.
وترى “إسلام” أن “ضريبة زواج الفلسطينيات من فلسطينيين يقيمون خارج قطاع غزة، قاسية جدًا ومؤلمة”.
وتواصل حديثها: “لو كنت حاملاً، كنت أصبحت أمًا الآن، لقد فقدت جنيني أثناء عودتي؛ بسبب تركنا على معبر رفح مدة 26 ساعة، قبل دخول القطاع، إنها معاناة وإهانة كبيرة لنا”.
وتشير إلى أنها حاولت السفر إلى زوجها عبر معبر “بيت حانون ـ إيريز حسب التسمية الإسرائيلية” الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، شمالي القطاع، إلا أنها لم تفلح في ذلك.
وفي غزة سبعة معابر، 6 منها مشتركة مع إسرائيل التي تغلق أربعة بشكل كامل منذ العام 2007، فيما تسمح للأفراد بالدخول والخروج إليها عبر معبر “بيت حانون” وتخصص معبر “كرم أبو سالم” كمعبر تجاري وحيد، بينما يعتبر معبر رفح الوحيد بين القطاع ومصر.
أما “أم أسامة”، التي اكتفت بكنيتها لأسباب اجتماعية، فهي محجوزة في قطاع غزة منذ ما يزيد على 9 أشهر، ولم تستطع العودة إلى زوجها في العاصمة الأردنية عمّان.
تقول “أم أسامة ـ 28 عامًا” ساردة مأساتها: “جئت إلى غزة من عمان ومعي طفلي أسامة (عام وتسعة أشهر) في أغسطس/آب العام الماضي، لإصدار جواز سفر فلسطيني، وإضافة ابني إلى بطاقتي الشخصية، وزيارة والدتي أيضًا”.
وكانت الزوجة تتوقع العودة لزوجها بعد مكوثها في القطاع 20 يومًا؛ حيث كانت تخطط للسفر أثناء فتح معبر رفح لإخراج الحجاج، إلا أنها لم تستطع أيضًا.
وتشعر “أم أسامة” بالألم كلما شاهدت طفلها يكبر أمام عينيها فقط، دون أن يراه والده.
ألم لا يلاحقها وحدها، بل يلاحق المئات من أقرانها التي تحطمت حياتهن الزوجية على صخرة معبر رفح.