علاء صادق يكتب: تونس تشكر ماندى والجزائر تبحث عن محاربين


ليس صحيحا أن نطلق الاسم التقليدي لمنتخب الجزائر (محاربو الصحراء على هذا الجيل من اللاعبين)؛ فالفريق الأخضر لم يكن محاربا ولا حتى مهتما بالفوز حينما كان متعادلا، ولا بتعويض الهدف عندما تأخر في مطلع الشوط الثاني، ولا بالتعادل وتقليل الفارق حينما تأخر بهدفين. وهل يمكن لمن يطلق عليهم لقب المحاربين أن تستقبل شباكهم أربعة أهداف بانتظام بواقع هدفين عبر مباراتين ومن فريقين غير مرشحين على الإطلاق للمنافسة على اللقب؟
ولا يستحق الفريق الذى أمتع العالم مع مدربه البوسني السابق خاليلوزيتش أن يستمر فى نهائيات الأمم الأفريقية تحت قيادة مدرب بلجيكي يدعى جورج ليكينز لا يعرف شحن لاعبيه ولا اختيار أفضلهم، ولا تغيير أسوأهم ولا توزيعهم فى الملعب.
واليوم وبعد إهداره لخمس نقاط من أصل ستة فى مباراتين، واحتياج تونس للتعادل فقط مع زيمبابوى للتأهل لم يبق للجزائريين من أمل إلا حدوث معجزة، وما أندر المعجزات فى زمننا المعاصر سواء في الكرة أو غيرها.
وعلى الجانب الآخر، لا يبدو منتخب تونس منطقيا في التعامل مع نتائجه فى مباراتيه ضد السنغال والجزائر. وبعد إلقاء كل اللوم على الحظ بعد خسارتهم من السنغال بهدفين نظيفين فى أعقاب إهدار عدد كبير من الفرص السهلة، لم يعترف التونسيون بدور الحظ السعيد الذى منحهم هدف التقدم إثر اصطدام كرة يوسف المساكنى بقدم عيسى ماندى وتحولها إلى داخل المرمى، رغم أن الكرة أساسا كانت موجهة إلى داخل الملعب، ولا يمكن أن تذهب إلى الشباك، وتعددت الآراء حول الذكاء والخطط والبراعة والمهارة والدفاع والسرعة وكل العناصر التي تجاهلوها بعد هزيمتهم الأولي.
ولكن الحقيقة المؤكدة أن منتخب تونس لم يكن سيئا، ولا يستحق الخسارة أبدا في لقائه الأول ضد السنغال لولا الحظ العاثر، كما أنه لم يكن ممتازا ولا متفوقا على نظيره الجزائري في اللقاء الثاني ولولا الحظ السعيد وحارسه المتألق أيمن المثلوتى ما فاز. ولا بديل للتوانسة عن توجيه كل الشكر إلى مدافعي المنتخب الجزائري عيسى ماندى وفوزى غلام صاحبي الفضل في الهدفين الأول والثاني بكرم حاتمي زائد. ويتحمل ماندى كثيرا المسئولية فى الهدف الأول سواء للبطء الشديد فى الاتجاه نحو يوسف المساكنى المندفع من اليسار أو لوضع قدمه فى طريق الكرة وهو مواجه لمرماه فكان الاصطدام باهظ الثمن، أما فوزى غلام فكانت جريمته فى الهدف الثاني أكثر فداحة وإيلاما، ولا تحدث من ناشئ قليل الخبرة.
وعندما قفز عاليا وحيدا بلا ضغط أو مشاركة للكرة العالية على مسافة ثلاثين مترا من مرماه لم يكن مرغما على إعادة الكرة برأسه إلى حارسه ولم يكن لديه الحكمة في إدراك استحالة تلك الفكرة، ولذلك خرجت الكرة من رأسه ضعيفة ولحقها وهبى خيزرى وانفرد ونال ركلة الجزاء التي كانت تستوجب طردا حتميا لغلام، ولا أدرى سببا واحدا لتقاعس الحكم السيشيلي عن طرده، واعتقد أن تلك اللعبة ستكون سببا في طرد ذلك الحكم من المباريات الحاسمة في البطولة.
المحطة الأولي: بينما كان الجزائريون غير محظوظين بغياب حارسهم المصاب رايس مبلوحى نجم نجوم البطولة حتى الآن كم كان التونسيون محظوظين أن تمر ثلث الساعة الأول من اللقاء ومرماهم نظيفا بلا أى هدف، ولكن ما فعله الحارس أيمن المثلوتى كان استثنائيا بكل المقاييس، وجاء تصديه لكل التسديدات والألعاب الموجهة إلى مرماه نموذجيا خاصة كرة ياسين براهيمى من الركلة الحرة المواجهة لمنطقة الجزاء مباشرة ثم رأسية سليمانى الرهيبة من مسافة ثلاثة أمتار فقط، وبعدها تسديدة عدلان قديوره الصاروخية اللولبية، ولو اهتزت شباكه مرة أو مرتين ما لحقه أى لوم، وفى الدقيقة 25 اختتم الجزائريون محاولاتهم الجادة بهدية بديعة من إسلام سليمانى إلى رياض محرز المندفع فسدد بيمناه من داخل منطقة الجزاء مباشرة، ولكن الكرة كانت أضعف من أن تهز الشباك، وكشفت تلك اللعبة أن محرز ليس جاهزا فنيا وبدنيا وعصبيا للمباراة.
المحطة الثانية: توقف المد الجزائري الذى اجتاح منافسه التونسي وارتفع علم التكافؤ، وضاعت من العكايشي التونسي فرصتان فشل خلالهما فى لمس الكرة داخل منطقة المرمى، ويرد محرز بتسديدة يردها المثلوتى فى أفضل أيامه، ولا يستفيد المنتخب الجزائري بخمس ركلات حرة وركنية محيطة بمنطقة جزاء منافسه، وتردى مستوى التنفيذ في كل الركلات إلى أسوأ حال، ويخرج قديوره من الشوط بإنذار واحد رغم تكرار مخالفاته العنيفة بصورة تستوجب ثلاثة إنذارات على الأقل ولا يستبدله مدربه غير اليقظ، وانتهى الشوط الأول بالتعادل السلبي بفضل المثلوتى.
المحطة الثالثة: صدق أو لا تصدق ولكنه الحظ السعيد لطرف والتعيس للطرف الآخر.
أول كرة تونسية تذهب نحو المرمى الجزائري تحت العارضة وبين القائمين لا تأتي إلا في الدقيقة 49، ولا ينفذها لاعب تونسي بل بالخطأ من قدم المدافع الجزائري ماندى، والأغرب أنها تهز الشباك هدفا لتونس، وبعده أحكم الرباعي التونسي أمين بن عمر ونعيم السليطي وساسي والمساكنى قبضتهم على وسط الملعب وسط تسرع وفوضى من لاعبي الجزائر.
المحطة الرابعة: لم يكد المنتخب الجزائري يستعيد توازنه في منتصف الشوط وينظم صفوفه ويهاجم بتركيز ويحصل على أكثر من ركنية وركلة حرة حتى قتل مدافعه فوزى غلام طموحات زملائه وجمهوره بخطأ كارثي، وإثر هجمة جزائرية تواجد خلالها سبعة عشر لاعبا في منطقة الجزاء التونسية ارتدت الكرة إلى نصف ملعب الجزائر الخالي تماما من أى لاعب باستثناء حارس المرمى، ووصل لها غلام قبل الجميع وأهداها للتونسي خيزرى لينفرد وينال ركلة الجزاء التي نفذها السليطى وقتل المباراة.
المحطة الخامسة: حان وقت التغيير عند المدرب ليكينز الذى يستحق التغيير قبل اللاعبين؛ ولكن الوقت كان قد فات على الجزائريين، وفقد الأخضر إيقاعه وانضباطه وانتشاره وضاعت كراتهم تباعا، ولكن المدرب البولندي لتونس صمم على إعادتهم إلى المباراة بتغيير ولا أغرب وإخراج المتألق وهبي خيزرى أحسن لاعبي الفريق، وبالفعل تحولت الكفة تماما للجزائر وضاعت فرصة مؤكدة من سليمانى لتقليل الفارق ثم جاء خروج المثلوتى مصابا ليرهق أعصاب التوانسة، وبالفعل أحرز هاني للجزائر في مطلع الوقت بدل الضائع؛ ولكن رياض محرز تكفل بإضاعة آخر هجمتين للجزائر ليسدل الستار على مشاركته وفريقه في البطولة قبل الآوان.
النجم: أيمن المثلوتي حارس مرمى تونس صاحب الإنقاذات الثلاث الهائلة في مطلع اللقاء والنجم المستحوذ على الهواء في منطقة جزائه، والمخضرم في التحكم في إيقاع اللعب سواء بالتهدئة بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة عند فوران الجزائرييين أو بالإسراع عند هبوط منافسيه.
المخطئ: فوزى غلام ظهير أيسر نابولى الإيطالي ومنتخب الجزائر، وكان نقده لزملائه المدافعين بعد المباراة الأولي ضد زيمبابوى مسيئا للمجموعة فعاقبته الأقدار بأكبر الأخطاء لأى مدافع في البطولة حتى الأن، بل وأبقاه الحكم في الملعب بعد الكارثة مكتفيا بالإنذار بدلا من الطرد ليواصل غلام أخطاءه في يوم عسير.
التحكيم: السيشيلي برنارد كاميل كان دون مستوى المباراة في كثير من المواقف، ولعله أكثر من أطلق صفارته في مباراة كرة قدم في السنوات الأخيرة، ووضح أنه غير كفء في تقدير المخالفات على الجانبين وتأثر بالسقوط والصراخ والادعاءات والإشارات من اللاعبين، وهو الأمر الذى أوقف اللعب مرارا، وأزعج معظم لاعبي الفريقين لاسيما الجزائريين الذين طالبوا بركلة جزاء ضد عبد النور لمصلحة سليمانى وهم خاسرون بهدف واحد، وطالبوا بركلة ركنية واضحة في النهاية ولكن كاميل حولها إلى ركلة مرمى اختلقها بغرابة شديدة، ويبقي عدم طرد فوزى غلام في ركلة الجزاء التونسية كأكبر أخطاء الحكام في البطولة الأفريقية حتى الآن.