مسبار فضائي يلامس الشمس ويكشف غموض نجمنا العملاق (شاهد)

تمكن مسبار فضائي تابع لوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) من اختراق الغلاف الجوي الجهنمي للشمس، بهدف اكتشاف مصدر الرياح الشمسية الغامضة، وحماية الأرض من مخاطرها المحتملة.
وتقذف الشمس عواصف من الرياح الشمسية متفاوتة السرعة تضرب كل ما يعترض طريقها في النظام الشمسي، ويمكن أن تلحق أضرارًا بالأقمار الصناعية حول الأرض.
وفي عام 2018 أعلنت ناسا إطلاق مركبة فضائية غير مأهولة باتجاه الشمس، لتحلّق على بعد نحو 21 مليون كيلومتر من سطح الشمس، في أول مهمة من نوعها للتحليق في الغلاف الجوي للشمس.
ووفق علماء من ناسا، فإن المسبار الشمسي (باركر) ذهب إلى حيث الحرارة المرتفعة بسرعة عالية تبلغ 692 ألف كيلومتر في الساعة، بما يعادل قطع المسافة بين مدينتي نيويورك وطوكيو في نحو دقيقة واحدة فقط.
واكتشفت أجهزة المسبار هياكل دقيقة للرياح الشمسية تتولد قرب الغلاف الضوئي، أو السطح الشمسي، والتقطت تفاصيل سريعة الزوال تختفي بمجرد هبوب الرياح من الهالة.
1st mission to 'touch' the sun discovers a mysterious source of solar wind https://t.co/7d6veqq7Mk
— Live Science (@LiveScience) June 9, 2023
والرياح الشمسية عبارة عن تيارات تتكون في الأغلب من أيونات الهيدروجين والهيليوم التي تتدفق باستمرار من الشمس إلى الفضاء.
وتنفجر الرياح الشمسية السريعة من حول الثقوب في الغلاف الجوي للشمس، ويمكن أن تسافر بسرعات قصوى تبلغ 800 كيلومتر في الثانية، بما يعادل ضعف السرعة القصوى للرياح البطيئة.
ولطالما تساءل علماء الفيزياء الشمسية عما يجعل أحد أنواع الرياح الشمسية أسرع بضعفين من الآخر، لكن يبدو أن المسبار “باركر” استطاع أن يجد الإجابة أخيرًا؛ فالتدفقات الأسرع تأتي من اندفاعات مفاجئة لتكسير الطاقة المنبعثة أثناء إعادة المحاذاة السريعة للمجالات المغناطيسية.
ونشر الباحثون النتائج التي توصلوا إليها في 7 يونيو/ حزيران الجاري في مجلة (نيتشر) المرموقة، وقال المؤلف المشارك للدراسة جيمس دريك، أستاذ الفيزياء بجامعة ماريلاند، “تحمل الرياح الكثير من المعلومات من الشمس إلى الأرض، لذا فإن فهم الآلية وراء الرياح الشمسية مهم لأسباب عملية على الأرض”.
وتابع “سيؤثر ذلك في قدرتنا على فهم كيفية إطلاق الشمس للطاقة ودفع العواصف المغناطيسية الأرضية، التي تشكل تهديدًا لشبكات اتصالاتنا”.
وتعدّ الرياح الشمسية جسيمات مشحونة بالطاقة تنطلق من الشمس وتنتشر في كل المجموعة الشمسية، وما إن تصل إلى أحد الكواكب (مثل الأرض) حتى تتفاعل مع غلافه المغناطيسي، وهذا هو ما يتسبب في ظاهرة الشفق القطبي، التي ترى عادة من المناطق القريبة من القطبين الشمالي والجنوبي.

لكنها تمتلك القدرة أيضًا على إتلاف شبكات الكهرباء وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية على سطح الأرض، وتهديد الأقمار الصناعية المدارية، وربما تعريض رواد الفضاء للخطر.
لذلك يسعى علماء الفيزياء الشمسية إلى معرفة المزيد عن البيئة المغناطيسية للشمس، وكيفية تكون الرياح الشمسية، لتحسين دقة التنبؤ بوقوعها وتجنب الأضرار. وكان أحد الأهداف الرئيسية لمسبار “باركر” اكتشاف مصدر الرياح الشمسية “البطيئة”، وكيف يتم تسريعها في الهالة الشمسية.
ومن المعروف أن الرياح الشمسية تتكون من جزيئات مشحونة -معظمها بروتونات ونواة الهيليوم- تتحرك بسرعة كبيرة على طول خطوط المجال المغناطيسي للشمس. كما أن هذه الرياح “السريعة” التي تتراوح سرعتها بين 500 و1000 كيلومتر في الثانية، تأتي من ثقوب كبيرة في الهالة الشمسية في القطبين الشمالي والجنوبي للشمس.
وعلى خلاف المهمات السابقة التي خصصت لدراسة الشمس، يعد المسبار “باركر” أول مسبار يقترب منها لدراستها عن كثب. لذلك علقت عليه الآمال العريضة لكشف العديد من الألغاز التي ظلت دون تفسير منذ عقود طويلة.
وتعد المهمة استثنائية من عدة جوانب، فإرسال مسبار ليدور قريبًا من الشمس والتحكم فيه يمثل تحديًا تقنيًّا كبيرًا. ولم يكن ذلك ممكنًا لولا الاستفادة من جملة من التكنولوجيات المتطورة التي مكّنت من حماية المسبار أثناء اقترابه من الشمس وتسييره بالطريقة المثلَى.
وشملت هذه التقنيات المتقدمة نظام حماية حراريًّا متينًا وخفيف الوزن، وألواحًا شمسية مبردة بالماء، ونظام تحكم ذاتيًّا قويًّا، إضافة إلى تجهيزات عالية الدقة.
وأطلقت ناسا على المسبار اسم “باركر” نسبة إلى عالم الفيزياء الفلكية “إيغوين باركر” الذي أدت أعماله في هذا المجال إلى ثورة في فهم العلماء للشمس.