ضغوط نفسية قاتلة.. متلازمة “القلب المكسور” هل تأخذ طريقها إلى الشارع المصري؟

تزايدت الضغوط النفسية بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع مستوى المعيشة (رويترز)

لم يتوقف عصام محمود الشهير بـ”شطة” في أوساط مشجعي نادي الأهلي لكرة القدم عن حضور المباريات لمؤازرة فريقه رغم مروره بضغوط نفسية تفاقمت بعد وفاة اللاعب أحمد رفعت، وما رافقها من ملابسات كشفت عن أزمة نفسية ربما لم تقف عند حدود مدرجات جماهير اللعبة.

يكشف “شطة” للجزيرة مباشر، عن أن شعوره بالمرارة امتد إلى باقي الجماهير، ويقول “مدرجات الأمس غير مدرجات اليوم التي أصبحت بلا روح وربما يختلف الأمر غدًا”.

كما يرى “شطة” وهو موظف بأحد البنوك الحكومية أن “الأزمة التي تعرض لها أحمد رفعت لاعب نادي (مودرن سبورت) هي جزء من حالة عامة”.

ولا يزال الشارع المصري يعيش على وقع صدمة وفاة رفعت البالغ من العمر 31 عامًا، خاصة على صعيد الضغوط التي كشف عنها اللاعب قبل وفاته عندما صرّح في لقاء تلفزيوني بأنه تعرض لضغوط نفسية وعصبية قبل 3 أسابيع، وهو الأمر الذي وصفه استشاري الطب النفسي سيد عمارة بـ”متلازمة القلب المكسور”.

ويوضح عمارة للجزيرة مباشر قائلًا إن “تلك المتلازمة القاتلة تأتي بعد مشكلات نفسية كبيرة تؤدي بطبيعتها إلى جلطات القلب”.

وعلى صفحته الشخصية في “فيسبوك” يعلّق مدير معهد القلب السابق الدكتور جمال شعبان قائلًا “هي قصة قصيرة حزينة.. لاعب في ريعان الشباب يتعرض لضغوط عصبية وهموم كبيرة ويسقط في الملعب بسبب جلطة حادة في الشريان التاجي”.

كما جاءت ملابسات وفاة الفنان تامر ضيائي، لتصب في اتجاه ضغوط نفسية عقب مشاجرة مع أحد عناصر الأمن بمستشفى للأورام حسب شهود عيان، وأضافوا أن ضيائي مات في ظروف مشابهة لتلك التي تعرض لها اللاعب أحمد رفعت، وذكروا أنه تعرض لاضطهاد في وظيفته بعد نقله من عمله كأمين عام بكلية الصيدلة في جامعة القاهرة.

في هذا السياق لا تخلو الصحف المحلية من حوادث شبه يومية عن حالات من العنف الاجتماعي أو انتحار رب أسرة أو عاطل عن العمل أو طالب جامعي، أو زوج يهشم رأس زوجته بسبب خلافات حول النفقات المعيشية.

تعددت الحوادث والسبب واحد على ما يبدو وهو الضغوط النفسية و”القلوب المنكسرة”، كما يرى عمارة الذي يقول إنه بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتراجع مستوى المعيشة.

ولا يرى الاختصاصي النفسي، سيد عمارة، فرقًا كبيرًا بين وفاة اللاعب أحمد رفعت وانتحار كمال الدسوقي رب الأسرة الذي ألقى بنفسه أمام عجلات “المترو”.

كما امتلأت صفحات الحوادث بقصة بائعة النعناع التي أنهت حياتها تحت وطأة الفقر، وعلى الفور جددت وزارة النقل التأكيد أن قضبان “المترو” ليست جهة انتحار، وفي محاولة منها للحد من ظاهرة الانتحار وضعت وزارة النقل سياجًا حديديًا حول قضبان “المترو”، ووجهت عناصر الأمن لرفع درجة المراقبة داخل المحطات مع منع التصوير.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية فإن ما يقرب من مليون شخص يموتون سنويًا بسبب الانتحار، وإن 86% منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.

العدالة نموذجًا

ويتحدث المحامي سيد غريب، للجزيرة مباشر، عما يسميها “غياب العدالة” مشيرًا بحكم عمله في العديد من المحاكم لسنوات طويلة إلى حالات من الإحباط بسبب عدم تمكن الكثيرين من الحصول على حقوقهم القضائية، ويقول أيضًا إن العدالة حتى لو تحققت فإنها تأخذ وقتًا طويلًا بما يمثل حالة من حالات الظلم الواضح، ويضيف “هذا فيما يخص قضايا جنائية والوضع أكثر تعقيدًا مع السياسيين”.

وفي مؤشر على تزايد التوتر الاجتماعي الذي يرجع في جانب منه لأسباب اقتصادية سجلت مصر متوسط عدد حالات الطلاق في الشهر 22.5 ألف حالة عام 2022، وفي اليوم 739 حالة، وفي الساعة 31 حالة، وحالة طلاق كل 117 ثانية، أي في أقل من دقيقتين.

ويؤكد المدافعون عن حقوق الإنسان أن مصر تحتل المرتبة 136 من أصل 142 في مؤشر سيادة القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمية.

ظروف معيشية ضاغطة

كما يتراجع مستوى الأجور إلى أدنى المستويات بما يفاقم معاناة المواطن ليصل إلى متوسط الأجر الشهري إلى ما يعادل 117.85 دولارًا حسب تقديرات البنك الدولي الذي يقول أيضًا إن مصر تشهد أصعب أزمة اقتصادية منذ عقود في ظل ارتفاع التضخم، وتدني قيمة الجنيه وتراكم الديون.

وخسر الجنيه المصري أكثر من 57% من قيمته مقابل الدولار منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022.

وتقول هاجر سعد (طبيبة أسنان) للجزيرة مباشر إن راتبها في هيئة التأمين الصحي لا يتجاوز 6 آلاف جنيه (الدولار يعادل 48 جنيهًا تقريبًا طبقًا للسعر الرسمي)، وتشير إلى أن عيادتها الخاصة لم تعد تعمل بسبب تراجع عدد المترددين عليها نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي جعلت معظم المصريين يعتبر علاج الأسنان يخرج من قائمة الأولويات.

وتشير الطبيبة إلى أنها تعاني في توفير النفقات الشهرية رغم أن زوجها يعمل مهندسًا بإحدى الشركات الخاصة، لكن سباق الأسعار يتفوق، وتوضح بأن معركة توفير النفقات اليومية والشهرية تتسع باستمرار، مشيرة إلى أنها اضطرت مؤخرًا للتخلي عن سيارتها الخاصة ولجأت إلى المواصلات العامة ضغطًا للإنفاق الذي بات محل خلافات أسرية متجددة.

وأمام معهد الأورام في قلب القاهرة، تنتظر أم سيد، على كرسي متحرك لساعات طويلة حتى يأتي دورها في الدخول بحثًا عن علاج شبه مجاني تقول إنه لم يعد متوفرًا، وتلخص مأساتها في رد مقتضب على سؤال الجزيرة مباشر قائلة “الإحباط هيقتلني”.

كما يقول سلامة صبحي (عامل طباعة) إنه يأمل أن ينتهي اليأس “ويموت هنا على باب معهد الأورام”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان