من “الجيل الأعظم” إلى “بيتا” ما سر تسمية الأجيال؟

مع ميلاد أول فرد من جيل “بيتا” في بدايات عام 2025، تبدأ حقبة جديدة من الأجيال التي ستستمر حتى منتصف القرن الحادي والعشرين.
هذا الجيل الوليد سيشهد في حياته اندماجًا كاملًا للذكاء الاصطناعي والأتمتة في مجالات الحياة اليومية، بما في ذلك التعليم وأماكن العمل والرعاية الصحية والترفيه، ومن المتوقع أن يرافق جيل بيتا الأجيال المستقبلية مثل جاما (2040-2054) ودلتا (2055-2069) في بناء عالم جديد.
تشكيل الأجيال
وفقًا لمركز الحركية الجيلية (CGK)، ومقره أوستن بولاية تكساس الأمريكية، تتأثر الأجيال بثلاثة عوامل رئيسية، وهي: التربية، والتكنولوجيا، والاقتصاد.
فعلى سبيل المثال، كان جيل زد (1996-2009) أول جيل نشأ مع انتشار الهواتف الذكية والإنترنت، بينما شهد جيل ألفا (2010-2024) طفرة التكنولوجيا الذكية، أما جيل بيتا، فسيعيش في عصرٍ تكون فيه التقنيات المتقدمة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية، حيث يندمج الذكاء الاصطناعي مع الأتمتة.
وفقًا للبروفيسور إلوود كارلسون، الأستاذ بجامعة ولاية فلوريدا، في دراسته الصادرة بعنوان “الأجيال الأمريكية في القرن العشرين” فإن أفراد كل جيل يعيشون في أوقات فريدة من نوعها بحكم تاريخ ميلادهم، إذ تتشكل هذه الأوقات من خلال أحداث تاريخية غير متوقعة، ومناخات سياسية متغيرة، وظروف اجتماعية واقتصادية متطورة أو متراجعة.
وتحتاج الشركات والمؤسسات والحكومات والأفراد إلى إدراك وفهم مثل هذه الفروقات بين الأجيال لتحليل سلوكيات المستهلكين، وفهم التحولات الاجتماعية والاقتصادية.
تقسيم الأجيال
تختلف التقسيمات بين الأجيال حسب الأعوام والأسماء، فبعض الخبراء يقسّمون الأجيال كل 15 عامًا، وآخرون يقسمونها كل 20 عامًا.
كما تختلف الأسماء بالأحداث التي تميز كل جيل، لكن جيل “طفرة المواليد”، وهو الجيل الذي ولد عقب الحرب العالمية الثانية (من 1946 إلى 1964)، له اسم متفق عليه بين جميع التقسيمات، لأنه اعتُمد من قبل مكتب الإحصاء الأمريكي، وهي أول مرة تتدخل فيها جهة حكومية وتصف جيلًا.
لا يوجد إجماع على تسميات معينة، لكن التسميات الأكثر شيوعًا تقسّم الأجيال من الأحدث إلى الأقدم إلى:
- جيل بيتا: 2025-2039.
- جيل ألفا: 2010-2024.
- جيل (iGen) (Z): 1996-2009.
- جيل الألفية (Y): 1977-1995.
- جيل إكس (X):
- طفرة المواليد: 1946-1964.
- الجيل الصامت: 1928-1945.
- الجيل الأعظم: 1901-1928.
- جيل الأوقات الصعبة – الجيل الضائع: 1890-1900.
سر تسمية الأجيال
يقول مؤرخون إن تسمية الأجيال بدأت في القرن العشرين، ووصفت الكاتبة الأمريكية جيرترود شتاين المولودين في مطلع القرن العشرين بـ”الجيل الضائع”، وهم الذين خدموا في الحرب العالمية الأولى وشعروا بفقدان الهدف.
وكتبت شتاين في مقدمة رواية إرنست همنغواي “الشمس تشرق أيضًا” التي نُشرت عام 1926: “أنتم جميعًا جيل ضائع”.
لكن الفضل في تحديد وتسميات الأجيال في القرن العشرين بالولايات المتحدة يُعزى غالبًا إلى المنظرين نيل هاو وويليام شتراوس، من خلال دراستهما “الأجيال” التي نُشرت عام 1991 والتي أطلقا فيها على الجيل الذي خاض الحرب العالمية الثانية اسم “جيل جي آي” (Government Issue). لكن اسم “الجيل الأعظم” شاع بعد إصدار توم بروكاو كتابًا يحمل نفس الاسم.
أما الكاتب الكندي دوغلاس كوبلاند، فيُنسب إليه تسمية جيل إكس من خلال كتابه “جيل إكس: حكايات لثقافة متسارعة”، الذي نُشر عام 1991، ثم استمر النمط الأبجدي حتي جيل زد.
وصاغ الباحث في علم الاجتماع مارك ماكريندل مصطلح جيل ألفا، وهو أول جيل يُرمز له بحرف يوناني، والسبب وراء تسميتهم بجيل ألفا هو أنهم يمثلون بداية لشيء جديد، ففي العام الذي ولدوا فيه (2010)، أُطلق تطبيق إنستغرام، وأصبح جهاز آيباد متاحًا.
الاختلافات الجغرافية تؤثر في خصائص الأجيال
رغم انتشار هذه التسميات عالميًا بفضل الهيمنة الثقافية والإعلامية الأمريكية، فإنها لا تعكس دائمًا واقع الأجيال في مناطق أخرى، ففي جنوب إفريقيا، مثلا، يُطلق على المولودين بعد انتهاء نظام الفصل العنصري عام 1994 اسم “جيل الحرية”، أما في رومانيا، فيُعرف الذين ولدوا بعد انهيار الشيوعية عام 1989 بـ”جيل الثورة”.
وبحسب مركز ماكريندل البحثي في أستراليا فإن سنوات ميلاد الجيل وخصائصه تختلف حسب المنطقة الجغرافية، كما أن صفات جيل في منطقة جغرافية معينة قد لا تناسب منطقة أخرى.
وهذا ما يؤكده مركز الدراسات الحركية بين الأجيال الذي أوضح أن الشاب من جيل الألفية، المتأثر بالبطالة في أثينا عاصمة اليونان، قد تختلف سلوكياته خلال نفس الوقت عن الشاب من جيل الألفية في مدينة أوستن بولاية تكساس الأمريكية، حيث الاقتصاد جيد وسوق العمل لا بأس به.
وفي منطقتنا العربية، فإن تحديات مثل الحروب، والفقر، والبطالة، وتأخر التكنولوجيا، والتعليم غير المتكافئ، تجعل سلوكيات الأجيال العربية مغايرة لتلك التي يعيشها نظراؤهم في الغرب.
كما أن بوسعنا أن نُطلق تسميات خاصة على أجيالنا من صميم واقعنا وتاريخنا العربي، بل إننا نستعمل بعضها بالفعل في حياتنا اليومية.
التسمية العربية للأجيال
بدلا من اسم جيل “طفرة المواليد” الأمريكي، يمكننا أن نسمي جيل المولودين بين عامي 1946 و1964 بجيل “النكبة” باعتباره جيلا عايش آثار التهجير القسري في فلسطين، وحضر قيام إسرائيل.
كما يمكننا تغيير اسم جيل X: (1965-1976) إلى جيل “النكسة”، حسبما يطلق البعض على الجيل الذي عايش صدمة الهزيمة العربية عام 1967، وانعكاساتها على المجتمع العربي.
كذلك يمكن إطلاق اسم جيل الصحوة (1981-1996) على جيل Y بسبب ما شهده هذا الجيل من الصحوة الإسلامية منذ مطلع الثمانينيات، مع صعود التيارات الإسلامية وتأثير الإعلام الفضائي.
أما جيل زد (1997-2012) الذي شهد الثورات الشعبية والاحتجاجات في المنطقة العربية فيمكن تسميته “جيل الربيع العربي”، كما أن اسم “جيل الأزمات” يعبر عن جيل ألفا (2013-2025) الذي وُلد في عصر الحروب في سوريا واليمن وليبيا، وشهد تفشي جائحة كورونا.
ورغم وجود صفات مشتركة بين الأجيال عالميًا، فإن بيئتنا العربية تحتاج إلى تسميات تناسب خصوصيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، لأن الأجيال الجديدة قد تتعرض للتنميط أو التبسيط المفرط.
فأبناء جيل الألفية أو جيل طفرة المواليد ليسوا متماثلين كما يؤكد مركز بيو للأبحاث، كما أن أهل الجنوب العالمي ليسوا متماثلين، وكذلك فإن كل الكاثوليك أو كل الأمريكيين السود ليسوا متماثلين.
ويمكن القول إن الأسماء التي تُطلق على الأجيال عالميًا قد لا تعكس بشكل دقيق واقعنا العربي، ما يجعل من المهم تطوير تسميات مستمدة من تاريخنا وثقافتنا.