بلغ عددهم 37 مليون سائح.. اليابان تُعاني من “فرط السياحة”

في الوقت الذي تسعى فيه دول كثيرة إلى استعادة نشاطها السياحي بعد جائحة كورونا، تواجه اليابان واقعًا مختلفا، بعد أن سجّلت أرقامًا قياسية في عدد الزوار، مما أثار قلق السكان المحليين، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
ازدحام غير مسبوق
وبحسب التقرير فقد شهدت اليابان عام 2024 طفرة غير مسبوقة في عدد السياح، إذ استقبلت نحو 37 مليون زائر أنفقوا أكثر من 8 تريليونات ين (ما يزيد على 53 مليار دولار أمريكي)، في أعلى رقم تسجله البلاد في تاريخها.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4شاهد: مقتنيات توت عنخ آمون تُعرض أول مرة في المتحف المصري الكبير
- list 2 of 4مصر تفتح أبواب التاريخ.. شاهد أبرز لقطات افتتاح المتحف المصري الكبير (فيديو)
- list 3 of 4وسائل إعلام مصرية: حريق في مركب سياحي بمدينة إسنا جنوبي الأقصر (فيديو)
- list 4 of 4ما السبب الذي سهّل سرقة متحف اللوفر؟ مديرة المتحف تكشف التفاصيل
ولم تتوقف الموجة عند ذلك الحد؛ فخلال النصف الأول من هذا العام وحده، تجاوز عدد الوافدين 20 مليون شخص، مما يؤشر إلى استمرار الزخم السياحي بلا تباطؤ.
ولم يعد الازدحام حكرا على طوكيو أو كيوتو، بل امتد إلى المدن الساحلية الصغيرة مثل كاماكورا، التي لا يتجاوز عدد سكانها 170 ألف نسمة، لكنها تستقبل يوميا أكثر من 44 ألف زائر، لتصبح إحدى أكثر مدن اليابان اكتظاظا بالسياح.

سخط السكان
في كيوتو، أصبحت بعض الشوارع التاريخية مزدحمة إلى حدٍّ لم يعد يُحتمل، إذ يقول أحد السكان المحليين: “كل يوم يبدو كأنه مهرجان، لم نعد نستطيع أن نعيش حياتنا بسلام”.
ويضيف سائق أجرة: “عندما يأتي اليابانيون إلى كيوتو، يشعرون وكأنهم في بلد أجنبي، لكثرة السياح”.
وكشف استطلاع رأي عالمي أن نحو نصف سكان المناطق السياحية اليابانية يشعرون بتأثير مباشر لما يُعرف بـ”فرط السياحة”، سواء من حيث الازدحام أو التلوث أو تغيّر نمط الحياة المحلي.
ورغم هذا الاستياء المتصاعد، تُعدّ السياحة شريانا حيويا للاقتصاد الياباني، إذ تمثّل أكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي وتوفّر ما يقارب 9% من فرص العمل.
ويرى أستاذ الجغرافيا في جامعة ريوتسو كيزي، كازوكي فوكوي، أن تراجع عدد السكان يجعل السياحة الدولية ضرورة لتعويض النقص في العمالة والاستهلاك المحلي، مؤكدًا أن “السياح الأجانب أصبحوا مصدر إنعاش اقتصادي للمدن الصغيرة التي تراجع فيها حضور الزوار المحليين”.
لكن هذا الازدهار السريع كشف هشاشة البنية التحتية في بعض المناطق. ففي مدينة فوجي، على بُعد نحو 200 كيلومتر من كيوتو، اشتكى السكان من ازدحام الجسور المؤدية إلى مشاهد جبل فوجي بعد أن تحوّلت إلى مواقع تصوير شهيرة على الإنترنت.
صدام الثقافات
تُبرز هذه الأزمة أيضًا الفجوة الثقافية بين السائحين واليابانيين، فالمجتمع الياباني يقوم على أعراف دقيقة واحترام صارم للمساحات العامة، وكثير من السياح يجهل تلك التفاصيل.
فحمل الحقائب الكبيرة داخل وسائل النقل، أو التحدث بصوت مرتفع، يُعدّ سلوكًا فظًّا في الثقافة اليابانية.
ويقول أحد الأكاديميين: “في اليابان، من غير المقبول سحب حقيبة بعجلات في مكان مغلق، لأن ذلك يشبه الدخول بالأحذية إلى الداخل، وهو تصرف غير لائق”.
وفي مدينة كيوتو، اضطرت السلطات إلى وضع لافتات تحظر التصوير في حيّ «غيون» التاريخي، بعد ملاحقة الزوار للفتيات اللواتي يرتدين زيّ الغيشا التقليدي.
الحكومة بين القلق والطموح
على الرغم من الشكاوى المتصاعدة، تواصل الحكومة تمسّكها بهدفها بجذب 60 مليون سائح سنويا بحلول عام 2030، معتبرة أن السياحة أداة رئيسية لتعويض شيخوخة السكان والركود الاقتصادي.
لكن مسؤولين، من بينهم رئيس الوزراء فوميو كيشيدا، أبدوا قلقا من ظاهرة “فرط السياحة”، محذرين من أنها قد تُضعف جودة التجربة السياحية وتؤثر في حياة السكان المحليين.
ويحذّر محللون من أن استمرار هذا النهج قد يهدد تماسك المجتمع المحلي ويحوّل المدن التاريخية إلى مواقع مزدحمة تفقد روحها وثقافتها الأصيلة.
ربما تكون اليابان بحاجة إلى سياحة أكثر وعيا وإنسانية، لا تقتصر على التقاط الصور، بل تحترم المكان وسكانه، قبل أن يتحول النجاح إلى عبء دائم على الوطن وأهله.