مقابر رقمية.. ماذا يحدث لبيانات الإنسان على مواقع التواصل الاجتماعي بعد موته؟

التكنولوجيا الرقمية فتحت المجال أمام ما يسمى "الخلود الرقمي" (غيتي)

أظهر تقرير حديث أن نحو ثلث الفرنسيين صادفوا محتوى نشره أقارب أو أصدقاء توفوا، مما يكشف عن ظاهرة رقمية متنامية تدعى “المقابر الرقمية”.

ونقلت أسبوعية “لونوفيل أوبسرفاتور” عن رئيسة اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات، ماري لور دونيس، خلال مؤتمر حول بيانات المتوفين عُقد في 15 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قولها: “آثارنا الرقمية لا تنطفئ بموتنا”.

وأصدرت اللجنة دراسة لمختبر الابتكار الرقمي بعنوان “بياناتنا بعد رحيلنا”، ركزت على الاستخدامات المتعلقة بالبيانات بعد الوفاة.

وأوضحت الدراسة أن الموضوع يكتسب أهمية متزايدة، خاصة أن اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (RGPD) لا تشمل بيانات المتوفين، رغم أن قانون الجمهورية الرقمية لعام 2016 أتاح للأفراد إمكانية ترك تعليمات حول كيفية الاحتفاظ أو حذف أو مشاركة بياناتهم بعد الوفاة.

مقابر رقمية

تشير الدراسة إلى تصريح العالمة السيميائية، فاني جورج، التي قالت إن الإنترنت أصبح مكانًا يُدفن فيه الموتى رمزيا واجتماعيا، وأضافت أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت مثل موقع “سيمتري” في الولايات المتحدة أو ما يُعرف بالمقبرة الرقمية، إذ وفرت مقابر رقمية تتضمن صفحات للمتوفين تحتوي على صور وفيديوهات وتعليقات من المعزين.

ومع ظهور صفحات فيسبوك تذكارية عام 2009، أصبح بالإمكان تحويل حسابات المتوفين إلى صفحات تذكارية، مما أتاح مشاركة الذكريات مع العائلة والأصدقاء وحتى مع أشخاص لم يكن لهم ارتباط مباشر بالمتوفى، لا سيما في حالة الشخصيات العامة والمشاهير.

لكن هذا الحضور الرقمي الدائم لا يخلو من التعقيد، تقول المجلة الفرنسية، إذ يمكن أن يثير مشاعر الحزن أو القلق لدى بعض الأقارب، خاصة عندما يواجهون المحتوى الرقمي للمتوفى بشكل مستمر، كما في حالة أمّ تجد صعوبة في رؤية حساب طفلها المتوفى على فيسبوك.

(غيتي)

الخلود الرقمي

يشير مسؤول الدراسات المستقبلية في اللجنة الوطنية للمعلومات والحريات، ريجي شاتولييه، إلى أن التكنولوجيا الرقمية فتحت المجال أمام ما يسمى “الخلود الرقمي”، من خلال ما يُعرف بالوكلاء الرقميين أو “ديدبوتس” (deadbots)، وهي برامج محادثة تحاكي أشخاصا متوفين.

وتوجد شركات ناشئة مثل “هير آفتر إي آي” (HereAfter.AI) في كاليفورنيا، تطور مساعدا صوتيا يسمح بالتواصل مع نسخة رقمية من شخص متوف، مُدربة مسبقًا على التفاعل مع المستخدم أثناء حياته.

وتقدم شركات أخرى خدمات مشابهة، مثل “ريبليكا” و”ميموري” في كوريا الجنوبية، التي تدمج الصور والفيديوهات لتقليد تعابير الوجه وحركات الجسم وصوت الشخص المتوفى، لتصبح إمكانية التواصل معه عبر مكالمات الفيديو واقعية.

آراء الفرنسيين حول بياناتهم بعد الوفاة

أظهر استطلاع أجراه مختبر “لينك” للابتكار الرقمي التابع للجنة الوطنية للمعلومات والحريات في فرنسا، أن 30% من المشاركين تفاعلوا مع حسابات أشخاص متوفين.

ومن بين هؤلاء، قام 16% بحفظ الصور والفيديوهات، و11% أرادوا إغلاق الحسابات، و9% فرزوا المحتوى على الإنترنت، و9% نشروا محتوى من الحساب.

أما بالنسبة لرغبات الأفراد حول بياناتهم بعد الوفاة، فقد عبر 78% منهم عن رغبتهم في إزالة جزء أو كل المحتوى، إذ أراد 52% أن يُمحى كل شيء، و26% أن يتم فرز المحتوى على الأقل.

وأظهرت الدراسة أن المسنّين أكثر ميلا لحذف المحتوى كله بنسبة 66% مقارنة بالمعدل العام.

المسنّون أكثر ميلا لحذف المحتوى كله بنسبة 66% مقارنة بالمعدل العام

ورأى نصف المشاركين أن إدارة هذه البيانات يجب أن تكون من مسؤولية الأقارب أو الورثة، و14% فضلوا توكيل المهمة لطرف موثوق به، واعتبر 13% أن المنصة المستضيفة هي المسؤولة.

وفي الوقت نفسه، قال 22% من المشاركين إنهم يفضلون القيام بذلك بأنفسهم قبل الوفاة.

الخيال الرقمي والذكريات

أشارت دراسة أخرى أجريت بالتعاون مع “لينك”، إلى أن العلاقة بين الرقمنة والحداد والذاكرة تفتح أسئلة فكرية وفلسفية واسعة.

ويستكشف المشروع العديد من التجارب الخيالية في الأفلام والمسلسلات وألعاب الفيديو حول ذكريات الأشخاص المتوفين، واستكشاف الماضي الرقمي.

وتشمل هذه المشاريع تحليلًا للأفلام مثل “إشراقة أبدية لعقل نظيف” لمخرجه ميشيل غوندري، وتطبيق “ريبليكا” لإعادة التواصل مع المتوفين، إضافة إلى محاكاة الشخصيات في سلسلة أفلام الفضاء “عالم حرب النجوم”، وصفحات التذكير على منصات فيسبوك و”لينكد إن”.

كما تم تطوير 4 قصص قصيرة خيالية تتناول أسئلة حول ماذا يحدث عندما تتعطل أجهزة حفظ الذكريات، أو يبتلع شبح رقمي بيانات أكثر من اللازم، أو ما مصير الروح عند انتقالها إلى عالم رقمي، وكيف سيتذكر المستقبل عالمنا المتصل اليوم.

تؤكد هذه الأمثلة، كما تقول المجلة الفرنسية، أن حياتنا اليومية أصبحت متشابكة بعمق مع العالم الرقمي، وأن آثارنا لا تزول بسهولة، لتفتح الباب أمام نقاشات واسعة حول القوانين والأخلاقيات والذاكرة الإنسانية في عصرٍ أصبح فيه الموت نفسه موضوعًا رقميًّا لا ينطفئ.

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان