المسحراتي في دمشق.. تقليد راسخ يقاوم التطبيقات الذكية

مع اقتراب ساعات الفجر في أزقة دمشق القديمة، يعلو صوت الطبلة ممزوجًا بأهازيج مألوفة، توقظ الصائمين بحنان، وتعيد إحياء واحدة من أقدم العادات الرمضانية.. “المسحراتي”.

ورغم تطور الزمن وانتشار التكنولوجيا، لا يزال المسحراتي رمزًا حقيقيًا من رموز رمضان، خاصة في الأحياء العتيقة التي تأبى التخلي عن تراثها.

وفي دمشق، يشتهر المسحراتي بعباراته التي يرددها أثناء تجوله في الحارات القديمة، مثل: “يا نايم وحد الدايم”، و“قوموا على سحوركم، أجى رمضان يزوركم”، وبصوته العذب، يصاحبها إيقاع الطبلة التي تهتز لها جدران الحارات العريقة.

طقوس راسخة

المسحراتي محمود الصوان، المعروف بـ“أبو الهيجاء”، والبالغ من العمر 52 عامًا، يتنقل كل ليلة في أزقة القيمرية، الحي الدمشقي العريق، ويمارس هذه المهنة منذ أكثر من عقدين.

وقال الصوان: “أخرج قبل الفجر بساعتين تقريبًا، أجوب الحارات وأدق على الطبلة مع بعض الأهازيج والعبارات الجميلة الخاصة بالإيقاظ”.

وأكد أن لهذه المهنة طقوسًا لا يمكن أن تمحى مهما تطورت الوسائل الحديثة.

التكنولوجيا تهدد المسحراتي

ومع ظهور المنبهات الإلكترونية والتطبيقات الذكية، والذكاء الاصطناعي، تراجع دور المسحراتي في بعض المناطق الحديثة، لكن الصوان يؤكد أن “المسحراتي سيبقى مرتبطًا بشهر رمضان ارتباطًا وثيقًا، لأنه من العادات والتقاليد الراسخة”.

وبينما تقل أعداد “المسحراتية” في الأحياء السكنية الحديثة، لا تزال الحارات الدمشقية القديمة تحافظ على هذا الطقس بقوة، حيث لا تكتمل أجواء رمضان دون صوت المسحراتي وهو يجوب الشوارع تحت ضوء الفوانيس.

مضايقات أمنية

ورغم ارتباط هذه المهنة بشهر رمضان، فإن “المسحراتية” لم يكونوا بمنأى عن التعقيدات الأمنية في بعض الفترات، يروي الصوان أنه خلال 13 عامًا الأخيرة من عمله، ومنذ بدء الثورة، تعرض لمضايقات عديدة من قبل أمن نظام الأسد، حيث كانوا يوقفونه أثناء جولاته، يطلبون هويته، ويسألونه عن وجهته ومحتوى سلّته، خوفًا من أن يكون جزءًا من “خلايا نائمة”، ومع ذلك، بقي متمسكًا بمهنته، مؤكدًا أن “المسحراتي في دمشق القديمة لن يتوقف حتى بعد 100 عام، لأنه جزء من روح المدينة وتراثها”.

قدرات خاصة

المسحراتي في دمشق ليس مجرد شخص عادي يحمل طبلة، بل هناك شروط لاختيار من يشغل هذه المهنة، يوضح الصوان أن المسحراتي يجب أن يكون صاحب صوت جميل، وملتزمًا بعمله، حيث يتم اختياره من قبل لجنة الحي أو المختار، لضمان أن يكون مقبولًا بين الأهالي، أما أجره، يجمعه ليلة عيد الفطر من سكان الحي الذين كان مسؤولًا عن إيقاظهم طيلة الشهر الفضيل.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان