الغش الإلكتروني.. الذكاء الاصطناعي يغزو قاعات الامتحانات ويربك أنظمة التعليم العربية

لم تكن الأنظمة التعليمية في الجامعات والمدارس العربية ينقصها ذلك التحدي الجديد الذي يرتدي ثوب التكنولوجيا الحديثة التي تتسارع أدواتها وتتنوع، وخصوصا تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وتسارع وزارات التعليم في البلدان العربية في موسم الامتحانات إلى علاج هاجس تعليمي وأخلاقي يتعلق بالغش، سعيا لكبح جماح استخدام التطبيقات الذكية في الغش من جانب بعض الطلبة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبالذكاء الاصطناعي.. اللحظات الأخيرة من حياة مواطن مصري ضحى بحياته لإنقاذ حي سكني (فيديو)
بتقنية الذكاء الاصطناعي.. تقرير يوثق أول اقتحام للأقصى بعد احتلال القدس عام 1967 (شاهد)
“iOS 26” وابتكارات ثورية.. أبل تكشف عن مفاجأة “الزجاج السائل” وذكاء اصطناعي يغير قواعد اللعبة
وبحسب مختصين في علوم التربية، فإن الغش عبر التطبيقات الذكية يخلق جيلا أقل وعيا وابتكارا وأقل أخلاقية، وقد تسهم الظاهرة في تفشي التواكل والاعتماد الكلي على التكنولوجيا، وإهمال مهارات التفكير والإبداع.
لكن خبراء تربية ومعلمين رأوا أن تلك الأدوات الذكية، مثل الذكاء الاصطناعي، هي سلاح ذو حدين.
ففي ظل الجهود المتنامية لمنع الغش عبر التطبيقات والأدوات الذكية، يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي نفسه في خدمة العملية التعليمية والتربوية.
ظاهرة الغش الإلكتروني
التطور الهائل والمتسارع في التكنولوجيا وظاهرة استخدامها في الغش في الامتحانات والتقييمات خلال العام الدراسي، يستلزم إلمام المعلمين بأحدث تقنيات الغش بالذكاء الاصطناعي وطرق اكتشافها، لمواجهة هذه الظاهرة.
وقد أجبر تفشي حالات الغش في الامتحانات باستخدام التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي مؤسسات التعليم، الخاصة أو الحكومية في مصر، على وضع قيود وضوابط في قاعات الامتحانات وعلى الطلبة الممتحنين أنفسهم، منها “منع إدخال الهواتف، ونشر كاميرات المراقبة في الصفوف”، لكن هل المعلمون مؤهلون لمواجهة هذه الظاهرة؟
رأى المعلم ربيع محمد، وهو مدرس لغة عربية بمدرسة ثانوية حكومية مصرية، أن المتهم الرئيسي في تفشي هذه الظاهرة ليس التطور والأدوات التكنولوجية، ولكن في مبدأ التعليم نفسه لدى الطلبة وأولياء الأمور، ونظرتهم إلى أهمية التعليم.

وأشار ربيع، في حديثه للجزيرة مباشر، إلى أن حالات عديدة ضُبطت في امتحانات العام الماضي لطلبة يستخدمون سماعات ذكية مزروعة داخل الأذن، بالإضافة إلى ساعات وأقلام ذكية على اتصال بالإنترنت، وبعض تلك الأدوات تتجاوز قيمتها أحيانا 5 آلاف جنيه (نحو 100 دولار).
لكن “الكارثة”، بحسب ربيع، هي أن “بعض أولياء الأمور هم من يشجعون أبناءهم على الاستعانة بتلك الأدوات في الغش”.
من جانبها، قالت الكاتبة المتخصصة في شؤون المرأة والتربية أسماء صقر للجزيرة مباشر “الأسرة والمؤسسة التعليمية لهما دور كبير في تشكيل الوعي للطالب بشأن الاستخدام الصحيح للتطبيقات الذكية لتنمية المهارات والمعرفة، بعيدا عن ثقافة الاستسهال”.
مواجهة الغش بالذكاء الاصطناعي
ظاهرة الغش في الامتحانات قديمة قدم الأنظمة التعليمية نفسها، وهي أيضا متطورة في أدواتها بتطور العلوم التكنولوجية، ويشير الواقع إلى ملامح أكثر تعقيدا في المستقبل لتلك الأدوات، يجعل الأساليب القديمة مثل قصاصات الأوراق (التي يطلقون عليها في مصر برشام)، والكتابة على الملابس والزي المدرسي أو على المساطر والمحايات والطاولات والمقاعد، تبدو ساذجة.
وقال اختصاصي الإعلام التربوي أحمد خلف للجزيرة مباشر “المدارس وحتى الجامعات تجتهد لمنع استخدام الذكاء الاصطناعي في الغش عبر التفتيش الذاتي للطلبة واستخدام أدوات الكشف الإلكتروني، ووجود مسؤولي أمن متخصصين، وخصوصا في امتحانات الثانوية العامة”.
وأشار خلف إلى وجود جهود حثيثة لوزارة التعليم في مصر لمواجهة تلك الظاهرة، تتمثل في دورات تدريبية لتمكين المعلمين من استخدام التطبيقات الذكية في العملية التعليمية، واكتشاف حالات الغش الإلكتروني، معترفا بوجود فجوة واضحة بين التعليم الخاص والحكومي بشأن تطوير أدوات المعلمين.
لكن ذلك قد لا يكون كافيا، بحسب اختصاصي الإعلام التربوي، للقضاء على الظاهرة التي تحتاج إلى توعية تربوية سليمة، وتطوير المناهج وأسلوب الامتحانات.

غياب تكافؤ الفرص
ويحرم الغش، سواء التقليدي أو باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، الطالب المجتهد من ثمرة تميزه عندما يحصل من يغش على العلامة الكاملة.
محمد سامح، وهو طالب بالثانوية العامة بمدرسة حكومية في مصر، قال إنه يواكب التطور في أدوات الذكاء الاصطناعي مثل الكثير من الطلبة في جيله، ويستخدم تطبيقات مثل “تشات جي بي تي” للتعامل مع بعض المسائل في مادة الرياضيات.
وقال محمد للجزيرة مباشر إنه لم يفكر مطلقا في استخدام التطبيقات الذكية في الامتحانات أو حتى في الاختبارات الشهرية، مضيفا أن الغش يولّد سلسلة من الفشل تستمر مع صاحبها فيتخرج طبيبا أو مهندسا غير كفء أخلاقيا ومهنيا.
في المقابل، رأى صديقه محمود أنور، وهو طالب يدرس الذكاء الاصطناعي في جامعة مصرية، أنه من السهل اكتشاف الغش عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي من خلال برامج وتطبيقات مثل “جي بي تي زيرو” و”أورجينالتي إيه آي” و”كوبي ليكس” وغيرها.
مواجهة حتمية
الضجيج بشأن الغش في الامتحانات والتطبيقات الذكية أصبح من الطقوس التي تتجدد مع كل موسم امتحانات في مصر، وهو امتداد لمجموعة ظهرت منذ سنوات أطلقت على نفسها “شاومينج” تمكنت من تسريب العديد من امتحانات الثانوية العامة، لكن وزارة التعليم بالتعاون مع أجهزة الأمن تمكنت من تعقب تلك المجموعة وتوقيفها.
ويعاني العديد من الأنظمة التعليمية في دول عربية أخرى ظاهرة الغش. ففي المغرب، تمكن أفراد المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة أكادير من تفكيك شبكة إجرامية ضالعة في تسهيل عمليات الغش في امتحانات “البكالوريا”، بحسب موقع “طنجة نيوز” الإخباري المغربي.
وفي تونس، تمكنت دورية من الحرس الوطني من تفكيك شبكة تنشط في مجال بيع أجهزة الاتصالات الإلكترونية التي يستغلها بعض الطلبة في عمليات الغش خلال الامتحانات الوطنية، بحسب وسائل إعلام محلية.