لماذا جُعلت الهجرة النبوية بداية التقويم الإسلامي؟ وما سر اختيار المحرم أول شهور العام؟

كانت هجرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة في شهر ربيع الأول، لكن الصحابة رضي الله عنهم اتفقوا على بدء العام الهجري بشهر المحرم.
الحكمة من جعل الهجرة النبوية بداية التقويم الإسلامي
الهجرة حدث عظيم في تاريخ الأمة الإسلامية، وقد استحقت أن تكون بداية للتقويم الإسلامي؛ لأنها:
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأفضل الأدعية النبوية لقضاء الدين وتفريج الهم مع أدلة صحيحة من السنة
علاج الغضب.. أفضل الأذكار والأدعية من السنة لضبط النفس وكظم الغيظ
الوقاية من الحسد والعين والسحر.. أذكار نبوية ورُقية شرعية للحماية اليومية
- كانت البداية الحقيقية لإقامة بنيان الدولة الإسلامية، بعد مرحلة الضعف والاضطهاد في مكة.
- لما مثلته من معانٍ سامية ورفيعة؛ جسّدت أسمى معاني التضحية والثبات على الدين، حيث ترك الصحابة أوطانهم وأموالهم وأهليهم نصرةً للعقيدة، لذلك مدحهم الله تعالى فقال: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (سورة الحشر: الآية 8).
وقد اتفق المسلمون بعد المشاورة على جعل ابتداء التأريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المحرم، وذلك لأن أول شهور العرب المحرم، فجعلوا السنة الأولى سنة الهجرة، وجعلوا أولها المحرم كما هو المعروف عندهم، وقد سُمّي المحرّم لأن العرب قبل الإسلام كانوا يحرّمون القتال فيه.

مَن وضع التقويم الهجري؟
رغم اعتماد العرب قبل الإسلام على شهور السنة القمرية، فإنهم لم يعتمدوا تقويما خاصا بهم يؤرخون به أحداثهم وتاريخهم، وإنما اعتمدوا في تأريخهم على بعض الأحداث التاريخية المعروفة عندهم، مثل: عام الفيل، وهو العام الذي ولِدَ فيه النبي ﷺ، وحرب الفجار، وإعادة بناء الكعبة في عهد عبد المطلب جد النبي ﷺ، وغير ذلك من الأحداث الهامة.
ولم يزل التأريخ كذلك في عهد النبي ﷺ، وعهد أبي بكر، رضي الله عنه، إلى أن وَلِي عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه الخلافة، فجمع الصحابة واتفقوا على جعل الهجرة بداية للتقويم الإسلامي.
فعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: “جمع عمر الناس فسألهم: مِنْ أي يوم يُكتبُ التاريخ؟ فقال علي بن أبي طالب: منْ يوم هاجر رسول الله ﷺ وترك أرض الشرك، ففعله عمر رضي الله عنه” رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.
وروى البخاري عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: “ما عَدُّوا من مَبْعَثِ النبي ﷺ ولا من وفاته، ما عدوا إلا من مَقْدَمِهِ المدينة (الهجرة النبوية)”، رواه البخاري.

ما سبب بدء العام الهجري بشهر المحرم؟
دخل رسول الله ﷺ المدينة مهاجرا في شهر ربيع الأول، فقد روى الحافظ البيهقي عن أبي البَدَّاح بن عاصم بن عدي، عن أبيه، قال: “قدِم رسول الله ﷺ المدينة يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، فأقام بالمدينة عشر سنين”.
قال ابن حجر في فتح الباري: “وذكروا في سبب عمل عمر التاريخ أشياء منها أن أبا موسى كتب إلى عمر: إنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ، فجمع عمر الناس، فقال بعضهم: أرِّخ بالمبعث، وبعضهم: أرِّخ بالهجرة، فقال عمر: الهجرة فرقت بين الحق والباطل فأرِّخوا بها، وذلك سنة سبع عشرة. فلما اتفقوا قال بعضهم: ابدؤوا برمضان، فقال عمر: بل بالمحرم فإنه منصرف الناس من حجهم، فاتفقوا عليه”.
وعن اختيار المُحَرَّم لبداية التاريخ، قال الحافظ السخاوي في فتح المغيث: “لكونه شهر الله، وفيه يُكسى البيت، ويُضرب الوَرِق، وفيه يوم تاب فيه قوم فتيب عليهم”.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية: “اتفق الصحابة رضي الله عنهم في سنة ست عشرة -وقيل سنة سبع عشرة- في الدولة العُمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة”. وقال ابن الجوزي: “ولم يؤرِّخوا بالبعث لأن في وقته خلافًا، ولا من وفاته لما في تذكره من التألم، ولا من وقت قدومه المدينة، وإنما جعلوه من أول المحرَّم لأن ابتداء العزم على الهجرة كان فيه، إذِ البيعة كانت في ذي الحجة وهي مقدمة لها وأول هلال هل بعدها المحرَّم، ولأنه منصرف الناس من حجهم فناسب جعله مبتدأ”.
وقال ابن حجر معلقًا على هذا الكلام: “وهذا أقوى ما وقفت عليه من مناسبة الابتداء بالمحرم”.