“الأتوبيس الترددي” في مصر.. تطوير حضاري أم عبء جديد على المواطنين؟

منذ بداية يونيو/حزيران الجاري، تغيرت خريطة التنقل اليومية لآلاف المصريين، بعد إطلاق مشروع “الأتوبيس الترددي” على الطريق الدائري في القاهرة الكبرى، كأحدث محاولات الحكومة لتطوير منظومة النقل العام.
لكن، وبينما تصفه وزارة النقل بأنه “نقلة حضارية صديقة للبيئة”، يراه كثيرون من المواطنين خطوة أربكت حياتهم اليومية، ورفعت من أعبائهم المالية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsحصيلة جديدة لفيضانات تكساس.. 109 قتلى و161 في عداد المفقودين
أمراض سوء التغذية تتزايد.. مصريون يوثقون كيف اكتسح الغلاء موائدهم
غضب في “أوتاراخند”.. عائلة مسلمة تتعرض للاعتداء في شمال الهند بسبب حادث بسيط
سائقو “الميكروباص” على الهامش
علي الجمال، أحد سائقي “الميكروباص” في القاهرة، وجد نفسه مضطرا إلى الابتعاد عن الطريق الدائري، بعد تخصيص مسارات حصرية للأتوبيس الجديد، وهو ما جعله ومعه آلاف السائقين يبحثون عن طرق فرعية بديلة قد تستغرق وقتا أطول لتجميع الركاب. يقول الجمال للجزيرة مباشر “أصبحت مضطرا للانتظار ساعات طويلة، بحثا عن الركاب. مصدر رزقي بات مهددا”.
الأمر نفسه أكده رجب حربي، وهو مندوب توصيل سلع، قائلا إن “الأتوبيس” الترددي “سبَّب ارتباكا كبيرا”، مضيفا بلهجة ساخرة “الميكروباص الآن هو أتوبيس الشعب”، في إشارة إلى ارتفاع تعرفة النقل العام الرسمي مقارنة بـ”الميكروباص”.
حلول بديلة غير آمنة
بلال حسن، المحاسب بإحدى شركات السياحة الخاصة، أشار إلى أن تكلفة الركوب في “الأتوبيس” الجديد تصل إلى 35 جنيها (نحو 0.7 دولار)، أي أكثر من ضعف ما كان يدفعه لـ”الميكروباص” في المسافة نفسها. ويقول “الأتوبيس الترددي وسيلة حضارية، لكن السعر مرتفع بالنسبة لدخل أغلب المصريين”.
وأمام تقليص أعداد “الميكروباصات” من الطريق الدائري، اضطر الكثير من المواطنين إلى الاعتماد على “التوكتوك” أو سيارات صغيرة غير مرخصة تُعرف باسم “التمناية”، مما زاد من حدة العشوائية المرورية في الشوارع الجانبية.
الحكومة تدافع
في المقابل، دافع هاني عمار -المستشار بوزارة النقل- عن المشروع، واصفا “الأتوبيس” الترددي بأنه “خيار حضاري وصديق للبيئة”، هدفه “تخفيف الزحام وتحقيق سيولة مرورية وربط شرق القاهرة بغربها حتى العاصمة الإدارية الجديدة”.
وأوضح عمار أن المشروع هو جزء من خطة شاملة تتضمن ربط “الأتوبيس” الترددي بـ”مترو” الأنفاق والقطار الكهربائي الخفيف، لتسهيل التنقل بين مختلف مناطق القاهرة الكبرى.
وأشار إلى أن الحكومة أنفقت أكثر من تريليوني جنيه (نحو 40 مليار دولار) على تطوير النقل والطرق، مضيفا أنه يجري تنفيذ مشروع قومي جديد لتوسيع شبكة الطرق بإجمالي 7 آلاف كيلومتر.
أزمة يومية للأسرة المصرية
لكن على الجانب الآخر، يعاني المواطنون ارتفاعا متواصلا في تكاليف النقل، فقد سجلت أسعار المواصلات زيادة بنسبة 33.7% خلال إبريل/نيسان الماضي مقارنة بالشهر نفسه من العام السابق، إلى جانب زيادة شهرية بلغت 7.5% عن مارس/آذار، بحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
هذا الارتفاع جاء في ظل قرارات حكومية متكررة برفع أسعار الوقود، كان آخرها في إبريل الماضي، عندما زادت أسعار “البنزين والسولار” بقيمة جنيهين للتر الواحد، وهو ما ضاعف من أعباء المصريين اليومية.
صفاء حامد، ربة منزل من القليوبية، تقول إن زوجها يتغيب أحيانا عن عمله الإداري بسبب عدم قدرته على تحمُّل تكلفة الانتقال اليومي، وأكدت أن “بند المواصلات أصبح يستنزف جزءا كبيرا من دخل الأسرة”.

توصيات بإعادة النظر في الأولويات
من جانبه، يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان الدكتور وليد عبد الفتاح أن المشكلة تجاوزت حدود الازدحام والضغط المروري إلى أزمة اقتصادية واجتماعية حقيقية، قائلا “الأسر أصبحت تعيش ضغطا نفسيا مستمرا. تكاليف المواصلات تقضم الميزانيات، وتؤثر في القدرة على الإنتاج”.
محمد إيهاب، السائق بإحدى شركات النقل الذكي، يرى أن الحل يكمن في تطوير حقيقي للبنية التحتية للطرق، مشيرا إلى أن المليارات التي أُنفقت على “المونوريل” والقطار الكهربائي و”الأتوبيس” الترددي لا تعكس حتى الآن واقعا يلبي احتياجات المواطن البسيط.
واختتم حديثه قائلا “المصري يريد وسيلة نقل نظيفة وآمنة، لكن أيضا بسعر يستطيع دفعه”.