“اللغة العائلية” من كلمات فيلم “الكيف” إلى “البَكِي”.. كيف تصنع الأُسر قاموسها السري؟

ألقى تقرير لصحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية الضوء على ظاهرة لغوية واجتماعية مهمة، وهي ظاهرة يطلق عليها “اللغة العائلية”، أو (Familect)، وهو مصطلح يشير إلى الكلمات والعبارات الخاصة التي تبتكرها الأسر وتتناقلها عبر الأجيال، وتكون من أسباب الترابط الأسرى، وتسهم في الربط بين اللغة والهوية والانتماء العائلي.
الجزيرة مباشر تحدثت للدكتور محروس بُريِّك، أستاذ اللسانيات بجامعة قطر، عن هذه الظاهرة وقال إنها “موجودة في كل المجتمعات العربية وغير العربية”، مؤكدا أنها جزء من علم اللغة الاجتماعي وليست ظاهرة منعزلة.
اقرأ أيضا
list of 4 items- list 1 of 4ابتسامة وكرسي متحرك.. شياع السوداني يرافق والدته إلى صناديق الاقتراع (فيديو)
- list 2 of 4“لن أسامح هذا العالم”.. أب من غزة يروي كيف فقد طفله بسبب أنبوب مفقود (فيديو)
- list 3 of 4كيف يؤثر الطلاق في الأطفال نفسيا واجتماعيا؟
- list 4 of 4الجنود روّعوه وتركوه مرتعشا في الحمّام.. فتى فلسطيني مصاب بمتلازمة داون يفقد النطق (فيديو)
وأضاف: “يمكننا تعريف اللغة العائلية أو Familect بأنها تلك اللغة الخاصة التي يبتكرها فرد أو عدة أفراد ينتمون إلى أسرة أو عائلة واحدة، وذلك باستعمال كلمات أو عبارات مبتكرة لا تنتمي إلى المعجم ولا إلى اللغة الأم، وتستمد وجودها في الغالب من القصص الطريفة الخاصة المشتركة بين أفراد العائلة أو من زلات لسان الأطفال التي تتبناها الأسرة”.

اللسانيات الغربية والواقع العربي
وأشار بُريِّك إلى أن مصطلح “Familect” حديث نسبيا حيث ظهر في الدراسات الغربية عام 2009 في كتاب “Making Meanings, Creating Family” لعالمة اللسانيات سينثيا جوردون، وهو مختلف عن مصطلح “العائلة اللغوية” (Language family) الذي يدرس الفصائل اللغوية الكبرى مثل السامية والهندو-أوروبية.
وأكد بريك أن الظاهرة “لا تقتصر على المجتمعات الغربية”، بل هي موجودة في البيئات العربية “سواء في الأسرة أو بين مجموعات الأصدقاء أو أصحاب المهنة الواحدة”.
وأضاف: “يمكن توسيع مفهوم اللغة العائلية بحيث لا يقتصر على الأسرة بالمعنى الضيق، بل يشمل كل مجموعة منغلقة على نفسها مثل الأصدقاء أو الحرفيين أو حتى المجرمين، حيث يبتكرون كلمات وأساليب خاصة لا يفهمها غيرهم”.
قاموس العائلة
ولفت بُريِّك إلى أن الأطفال هم “اللاعب الرئيس” في ابتكار اللغة العائلية، حيث يتعثرون في نطق الكلمات أثناء تعلمهم الكلام فيخلقون ألفاظا مضحكة، تتبناها الأسرة وتتحول إلى “رمز داخلي”، وقال: “اللغة العائلية التي يبتكرها الأطفال هي انحراف عن لغة التواصل اليومي لكنه انحراف محبَّب”.
وأشار بريك إلى أن البالغين قد يشاركون أحيانا في هذا الابتكار من خلال التلاعب اللغوي أو المزاح، أو حتى لضرورات السرية داخل فئة معينة.

البيوت العربية والتراث
لتوضيح الظاهرة، قدّم الأكاديمي بجامعة قطر مثالا من خبرته الشخصية، قائلا: “سمعت في عائلة أعرفها إطلاقهم لفظة (البَكِي) على كل شيء مخيف للأطفال، وكان السبب أن أحد أطفال العائلة رأى عنكبوتا لأول مرة فأراد نطق كلمة (عنكبوت) فتعثر وقال (بَكِي بَكِي)، ومنذ ذلك الوقت تبنت العائلة الكلمة وظلت تستخدمها مع الأجيال الجديدة”.
وأكد بريك أن للتراث العربي نصيبا من هذه الظاهرة، مشيرا إلى كلمات مثل “الخنفشار” التي نشأت كلغة هرائية بين فئة محددة ثم اكتسبت دلالات جديدة، وحتى السينما العربية قدّمت أمثلة حيّة على “اللغة العائلية” في أفلام مثل “الكيف” التي تضم مصطلحات مبتكرة مثل “شكرمون” و”ترالوللي” وأفعال مثل “يحنّكش” و”يطعطع”، وهي لغة خاصة بمجموعة مغلقة على نفسها خارج القانون.

تصنع الهوية وتعزز الانتماء
ورأى بُريِّك أن أثر هذه الظاهرة يتجاوز حدود المزاح والطرافة ليصل إلى تقوية الروابط العائلية، قائلا: “اللغة العائلية تعد بمثابة إرث لفظي خاص يربط جيل الآباء بجيل الأبناء من خلال الذكريات المشتركة، وتمنح الأطفال الثقة بأن تصبح كلماتهم لغة معتمدة لدى العائلة”.
ويضيف أن هذه اللغة ليست مجرد مفردات بل “استدعاء لذكريات حميمية خاصة” تساعد على صنع الهوية الأسرية وتعزيز الانتماء.