شاهد: شهادات حية لناجين من مجزرة الكيماوي بدوما السورية

قصص مروعة، وشهادات حية عن الموت والفقد، يرويها الناجون من القصف الكيميائي الذي استهدف مدينة دوما السورية في غوطة دمشق الشرقية على يد النظام.
مساء السابع من أبريل/نيسان الجاري، تاريخ سيظل يحفره الألم في ذاكرة أولئك الذين خسروا عوائلهم وجيرانهم في هجوم دوما الكيميائي الذي أسفر عن مقتل 78 مدنيًا وإصابة المئات، بحسب مصادر طبية محلية.
يروي “أبو خالد” وهو من أبناء مدينة دوما تفاصيل المأساة التي فقد خلالها طفلته ذات السنة والثمانية أشهر قائلًا “بدء النظام السوري والطيران الروسي بقصف المدنيين عصر الجمعة بكل أنواع الأسلحة من هيلكوبتر وراجمات صواريخ واستخدم النابالم والفوسفور حتى اليوم التالي، وحين لم يجد نتيجة ولم تسلم المدينة له، قصفها بالمواد الكيميائية والكلور”.
وأضاف “أبو خالد” الذي تعرض وعائلته للقصف الكيميائي قبل تهجيرهم من مدينتهم إلى الشمال السوري بساعات “استنشقنا رائحة ولكن لم نستطع أن نميزها من كثرة رائحة البارود والمتفجرات التي قصفنا بها النظام، ولم نعرف أنها مواد كيميائية إلا بعد أن أخبرنا عناصر الدفاع المدني أنها مواد سامة، وطلب من كافة المدنيين وضع قطعة قماش مبللة بالماء والخل للتخفيف من تسرب الرائحة إلى الجسم”.
وتابع وقد اغرورقت عيناه بالدموع وتهدج صوته “لم نكن نعلم أن المواد التي قصفنا بها النظام هي مواد كيميائية، لذا استنشقت ابنتي ذات السنة والثمانية أشهر غاز الكلور، ما أدى لوفاتها بالاختناق”.
وأردف “لم أستطع أن أدفن ابنتي، فحين بدأت أول دفعة تهجير ووصلت الباصات كنا فقط نفكر أن ننجوا بأنفسنا، لذا تركتها في الأرض دون أن أتمكن من دفنها”.
وأكد “أبو خالد”، أن عدد العائلات التي استُهدفت بالقصف الكيميائي تجاوزت 200 عائلة، لافتًا إلى أنه “مع وصول القوافل (التي أقلتهم خارج دوما)، لم نعد نعرف العدد الحقيقي للأشخاص الذين قصفهم النظام، فالجميع كان يريد الخروج من المدينة”.
ولا يزال “أبو خالد” يعاني من ترسبات المواد الكيميائية هو وأطفاله، فهو يشعر باختناق وتجمع للمواد المخاطية في حلقه، وبالرغم من أنه تناول علبتين من الأدوية بعد وصوله الى المنطقة الشمالية من سوريا، إلا أنه لم يشف بشكل كامل.
رعب تحت الأرض
“علي مرجان” شاب في مقتبل العمر، يروي أيضًا اللحظات الصعبة التي عاشها وأسرته حين بدأت المجزرة، قائلًا “كنا نجلس في الملاجئ تحت الأرض، واشتد القصف علينا في الأربعة والعشرين ساعة الأخيرة، ثم بدأنا نشم رائحة الكلور، وبدأت الناس تصرخ”.
وتابع مرجان، الذي انتقل للعيش في مخيم البل في ريف حلب الشمالي بالقرب من الحدود السورية- التركية، أنه بعد تهجير النظام السوري وحلفائه لهم من دوما “بدأ إخوتي الخمسة بالسعال وسقطوا أرضًا، حاولنا أن نسعفهم ليستعيدوا وعيهم برش الماء على وجوههم، أما أختي الصغرى فحاولت نزع ملابسها من شدة الاختناق”.
وأضاف مسلطًا الضوء عما حدث داخل الملاجئ التي ضمت وقتها مئات المدنيين “قصف النظام السوري منطقة مدنية، فالجبهات بعيدة عنا، وبدأت الناس تسعل وتحمر أعينها وتخرج من أفواهها مواد غريبة، بينما كان هناك أشخاص معنا يسقطون ومن ثم يحاولون التغلب على ضعفهم لكنهم كانوا يسقطون من جديد”.
وبحسب مرجان “لم يتمكن عناصر الدفاع المدني من الوصول إلى الملاجئ بسرعة لإسعاف المصابين، لشدة القصف الذي تتعرض له المدينة، ولم يتمكن الكثيرون من الخروج من تلك الملاجئ، حتى الجرحى في الشوارع كانوا ممددين ولم نتمكن من إسعافهم”.
قرآن تحت الكيماوي
بدورها، قالت والدة علي مرجان “من شدة القصف الذي شنه النظام السوري علينا خلال اليومين الأخيرين قبل ضربة الكيميائي، لم نستطع أن نخرج (من الملجأ) ولا أن نؤمن الطعام لأطفالنا”.
وتابعت “فجأة شعرنا أن هناك رائحة قوية، لم ندرك ماهي في بداية الأمر، ثم شاهدت أولادي وهم يختنقون، أحدهم لديه إصابة في رئته، ويحتاج إلى عملية جراحية، الأمر الذي زاد من ضيق تنفسه بعد الضربة، فيما حاولت ابنتي نزع ملابسها، ولم يكن بيدي شيء لأقدمه لهم سوى تلاوة القرآن”.
واستطردت “طلب منا الدفاع المدني أن نبدل ملابسنا، إلا أننا لم نستطع أن نبدل ملابس أطفالنا، فملابسهم كانت مغسولة وهي منشورة في الهواء وقد تعرضت هي أيضًا للمواد الكيميائية”.
والأربعاء 25 أبريل/نيسان، أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أن خبراءها المحققين في الهجوم الكيميائي في دوما السورية قاموا بزيارة ثانية إلى المدينة.
وأكدت المنظمة في بيان صحفي أنه “سيتم تسليم العينات المذكورة إلى مخبر للمنظمة في مدينة “رايسفايك” الهولندية”.
وفي 14 أبريل/ نيسان الجاري، وصلت بعثة تقصي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى العاصمة السورية للبدء بالتحقق من استخدام مواد سامة في دوما بريف دمشق.
وكانت دول غربية ومصادر محلية اتهمت النظام السوري بشن هجوم كيميائي على بلدة دوما، في 7 أبريل/نيسان الجاري؛ ما أسفر عن مقتل 78 مدنيًا وإصابة المئات.
وردًا على هذا الهجوم، شنت واشنطن وباريس ولندن، فجر 14 أبريل ضربة ثلاثية على أهداف عسكرية وكيماوية تابعة للنظام السوري.