شاهد: حكاية شهيد “أغاظ” الاحتلال بكرسيه المتحرك

في 14 مايو/أيار عام 2008، كاد الشاب الفلسطيني فادي أبو صلاح (30عامًا)، أن يفقد حياته، بعد تعرضه لقصف جوي إسرائيلي، نجا منه بأعجوبة، لكنه فقد طرفيه السفليين بالكامل.

وفي نفس اليوم، لكن بعد 10 سنوات كاملة، (14 مايو/أيار 2018) تعرض المقعد الفلسطيني، لرصاصة من قناص إسرائيلي في صدره، خلال مشاركته في مسيرات العودة الكُبرى على حدود غزة، أودت بحياته على الفور.

وقال “فادي” الأب لخمسة أطفال، في آخر مقابلة معه وزوجته بأحد الخيام المقامة قرب الحدود شرقي محافظة خان يونس جنوبي قطاع غزة؛ قبل أسابيع من استشهاده “إن إعاقته لن تثنيه عن المشاركة في المسيرات، “حتى تحرير الأرض وكسر الحصار عن القطاع”.

وعند زيارة منزل “فادي” بعد استشهاده لم يكن موجودًا، لكن دراجته المتحركة بقيت كأثر شاهد على الجريمة التي ارتكبت بحقه مرتين.

وقتل جيش الاحتلال الإسرائيلي “فادي” بعيار ناري اخترق صدره، أثناء وجوده مع المتظاهرين السلميين شرقي بلدة عبسان الجديدة شرقي خان يونس مساء الإثنين، وجرى تشييعه في ذات الساعة التي أصيب بها، وسط حزن وصدمة لزوجته وذويه.

زوجة الشهيد، آمنة أبو صلاح “30 عامًا” أُصيبت بالصدمة، ولم تصدق ما الذي حلّ بزوجها، فلم تكن تتصور أن يقدم جيش الاحتلال على إعدام رجل معاق مقعد، يعتلي كرسي متحرك (دراجة خاصة)، ولا يشكل أدنى خطر عليه.

تعانق “آمنة”، أطفالها وتبكي بحرقة؛ قائلة “كأنه كان يعرف… أوصاني على الأطفال وخرج، وعاد محمولًا على الأكتاف”.

وأشارت إلى أنها وزوجها وأطفالها، يشاركون في مسيرات العودة بشكل شبه يومي منذ انطلاقها نهاية شهر مارس/آذار الماضي.

وقالت “كنت أشارك مع زوجي وأطفالي باستمرار في مسيرات العودة، ولا يكاد يمر يوم إلا ونكون في مخيم العودة، وتعرضنا للاختناق بالغاز، واستهدف جيش الاحتلال دراجته التي تقله إلى هناك بقنابل الغاز أكثر من مرة”.

وأشارت الزوجة المكلومة إلى أن مشاركة زوجها المقعد “فادي” في مسيرات العودة رغم فقدانه طرفيه بالكامل، كان بهدف “إغاظة الاحتلال، والتأكيد على مدى تمسكنا بأرضنا ووطننا وقدسنا، ورسالة للعدو بأن أرواحنا فداء للمسجد الأقصى”.

وأضافت “ليلة الإثنين، لم ينم بتاتًا على غير العادة، وبقي على الهاتف طوال الليل يطالع الأخبار، ويراقب ويتابع بتوتر التحضيرات لمليونية العودة، وارتشف كوبًا من الشاي، وخرج مبكرًا لمخيم العودة، وأوصاني على الأطفال”.

وأضافت “كنت بالمنزل مع أطفالي، وعند موعد الغداء اتصل عليّ، وأخبرني أنه لن يتمكن من الحضور (..) بعدها بقليل اتصل عليّ شقيقه وأخبرني باستشهاده”.

وأكملت باكية “لم أصدق وخرجت مسرعة للمستشفى ولم يفدني أحد بمصيره، حتى رأيت شقيقه الآخر يقود دراجته الفارغة، فانهرت بالبكاء وأيقنت أنه استُشهد”.

وتساءلت وهي تبكي بُحرقة “لم يكن فادي يُشكل خطرًا على الاحتلال، وهو ظاهر لهم بنصف جسد؛ فلماذا تم قتله وحرمانه من أطفاله؟!”.

وأكملت “ألم يكتفي الاحتلال بقصفه وبتر قدميه؟! أي رحمة وضمير عند هؤلاء الوحوش؟”.

ولفادي عشق مع كرسيه المتحرك، الذي صممه على شكل دراجة، كي تتلاءم مع احتياجاته، وتمكنه من اصطحاب أسرته. ووضعت عائلته الدراجة، أمام سرادق “العزاء”.

وتزوج فادي عام 2010، وأنجب خمسة أطفال أكبرهم سنًا التوأم زياد وياسر (ثماني سنوات)، وأصغرهم ليان (سنة واحدة).

وتقول زوجته، إنه كان ذو همة عالية، رغم إعاقته، إذ كان يمارس حياته بشكل طبيعي، ويقضي حاجاته بنفسه.

ويعتبر الشهيد “فادي” الشقيق الأكبر لستة أشقاء، وكان يُعيل أسرته ذات الدخل المحدود قبل أن يتعرض لفقدان طرفيه السفليين.

وقالت والدته انتصار أبو صلاح “47عامًا”، لوكالة “نحن نقطن في بلدة عبسان الحدودية، والتي تتعرض للقصف والاجتياحات الإسرائيلية”.

وأضافت أن “فادي” تعرض لقصف إسرائيلي بصاروخ واحد من طائرة بدون طيار بجوار المنزل.

وأكملت “حينما أصيب عام 2008 كنا نعتقد أنه استشهد، لكنه نجا بفضل الله، وفقد طرفيه السفليين”.

وأضافت “في عام 2010، قررت أن أزوجه، وعاش مع زوجته 8 سنوات، ويمارس حياته بشكلها الطبيعي، حتى ارتقي شهيدًا، وترك ذكرى جميلة وهي أطفاله الخمسة الذين خففوا من هول فاجعة استشهاده عليّ”.

لكن اقتراب شهر رمضان، يثير الأسى والحزن في نفس والدته لأنه كان معتادًا على تناول طعام الإفطار معها.

وتابع الأم باكية “اعتدت أن يكون فادي بيننا على مائدة الإفطار في رمضان، وها هو يأتي الشهر الفضيل وهو ليس بيننا!؛ لا أعلم كيف سيكون ذلك هذا العام؛ فمن المؤكد أنه صعب وقاسٍ، فلم أصدق بعد ما حدث، ولم أتصور كيف يتم استهداف مقعد!”.

ومما يحزن الأم أكثر معرفتها مدى تعلّق أطفاله به، وحبهم الكبير له. وتختم قائلة “لا نعرف كيف سنجيب على أسئلتهم الآن، حين يسألون عن والدهم، ولماذا لم يعد يأخذهم في النزهة اليومية على دراجته؟”.

وسبق لجيش الاحتلال الإسرائيلي أن أعدم فلسطينيًا معاقًا هو إبراهيم أبو ثريا قرب السياج الحدودي في حادثة تكاد تتطابق تفاصيلها مع قصة فادي أبو صلاح الذي كان يحتج على نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة.

فأبو ثريا، الذي قتله جيش الاحتلال في 15 ديسمبر/كانون أول الماضي، برصاصة أطلقها قناص على رأسه مباشرة، قرب السياج الحدودي شرق مدينة غزة كان يحتج على قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترمب باعتبار مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل.

وسبق أن فقد أبو ثريا طرفيه السفليين في غارة إسرائيلية وقعت كذلك في ذات العام الذي أصيب فيه “أبو صلاح”، وهو 2008.

المصدر : الأناضول

إعلان