تجربة ووهان في احتواء كورونا تمنح أملا للعالم: ماذا فعلوا؟

تمكنت الصين من احتواء أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على أراضيها، وبدأت رحلة مساعدة الدول الأخرى
تمكنت الصين من احتواء أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) على أراضيها، وبدأت رحلة مساعدة الدول الأخرى

اعتبر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، الجمعة، أنّ تجربة مدينة ووهان الصينية في احتواء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) تمنح أملًا للعالم.

وقال غيبريسوس، في مؤتمر صحفي عقده عبر الإنترنت أمس الخميس، إن ووهان لم تعلن أية إصابة جديدة، للمرة الأولى منذ ظهور الوباء، وأنها بذلك تمنح أملاً لبقية العالم، عبر إظهارها أنّه حتى الوضع الأكثر خطورة قابل للتحول.

ولليوم الثاني على التوالي، لم تعلن ووهان، اليوم، أية إصابة جديدة مصدرها محلي، وذلك رغم أنّ حالات العدوى ذات المصدر الخارجي بلغت 39 حالة، وهو يعد رقمًا قياسيًا.

وعلى الرغم من أن الدراسات تُظهر أن فئة الشباب لا تواجه الخطر نفسه الذي يواجهه المسنون والذين يعانون من أمراض مزمنة، فإن غيبريسوس خاطبهم بقوله “لستم محصنين، فمن شأن هذا الفيروس أن يقود نحو البقاء في المستشفى لأسابيع، ويمكن أن يقتل”، مستطردًا “حتى لو لم تُصابوا، فإنّ تنقلاتكم من شأنها أن تمثّل مسألة حياة أو موت لشخص آخر”.

وفي سياق حديث المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عن الأمل القادم من ووهان، هل تصبح الصين نموذجًا يُحتذى في العمل ضد فيروس كورونا المستجد؟ فإن الصين نجحت،بعد بدايات متعثرة، في قلب مسار انتشار فيروس كورونا المستجد خلال بضعة أسابيع، ما مكنها –منذ أمس الخميس- من إعلان عدم تسجيل أية إصابة جديدة محليّة المنشأ، حسب الحصيلة الرسمية.

في هذه الأثناء، يواصل الوباء انتشاره في باقي العالم، وباتت حصيلته تفوق الحصيلة الصينية. يبدو أن التجربة الصينية غير قابلة للتطبيق في الدول الأخرى، وما زال يتحتم إثبات فاعليتها على المدى البعيد.

وفيما يلي عرض للوسائل التي استخدمتها الصين لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد.

1-    إغلاق مقاطعة بكاملها 

فرضت السلطات الصينية، في 23 من يناير/كانون ثانٍ الماضي، الحجر الصحي التام على مدينة ووهان، ثم وسعت الإجراء بشكل شبه كامل إلى مقاطعة هوباي، حيث ظهر الفيروس لأول مرة في ديسمبر/كانون الأول 2019، وبات أكثر من 50 مليون شخص منقطعين عن باقي العالم.

نجح الحجر في تأخير انتشار الفيروس إلى باقي البلاد لأربعة أيام، حسب دراسة نشرتها مجلة “ساينس” الأمريكية في 6 من آذار/مارس. أما بالنسبة إلى باقي العالم، فإن وقف الرحلات القادمة من ووهان أتاح تأخير انتشار الوباء ما بين أسبوعين وثلاثة أسابيع.

2-    الحدّ من المواصلات 

فرضت بكين منذ بدء الأزمة خفضًا كبيرًا في حركة القطارات والحافلات بين المناطق، بهدف تأخير عودة العمال من مناطق قضاء عطلة رأس السنة الصينية، وحظرت الرحلات المنظمة إلى الخارج.

3-    الحجر المنزلي 

دُعي السكان بإصرار في جميع أنحاء البلاد إلى لزوم منازلهم، وسهلت سياسة الإسكان المتبعة فرض هذا الإجراء، إذ يقيم مئات ملايين الصينيين في مساكن مغلقة، ويمكن للجان الأحياء الحد من حركة الخروج منها إلى أقصى حد، فضلًا عن إغلاق المدارس والجامعات والمواقع السياحية.

وأعلن أستاذ الطب في جامعة ملبورن، شارون لوين، لوكالة فرانس برس أن “الحجر المنزلي وسيلة مجدية؛ فبعد أسبوعين من إغلاق ووهان، ما يوازي بالضبط فترة حضانة (الفيروس) بدأت أعداد (الإصابات) تتراجع”.

4-    التسليم المنزلي 

واصل الصينيون خلال الحجر المنزلي طلب تسليمهم وجباتهم في منازلهم، وهي عادة انتشرت بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة. لم يعد يحق لعمال التسليم المنزلي الوصول إلى الشقة، بل كانوا يتركون الوجبة في غالب الأحيان عند باب المسكن، ونتيجة ذلك، قلما يتوجه الصينيون إلى السوبر ماركت.

5-    فحص الحرارة ووضع كمامات

خضع المواطنون الصينيون لفحص حرارتهم في اليوم الواحد مرات عدة عند مدخل الأبنية والمتاجر والأماكن العامة، وسرعان ما فُرض على الصينيين وضع كمامات، وبات ذلك إلزاميا في أماكن عديدة. 

وقال الأستاذ بمدرسة الصحة العامة في جامعة بيجين، شينغ شيجي، إن وضع الكمامة “قد يكون ضروريًا، وخصوصًا حين يكون هناك عدد كبير من حاملي الفيروس لا تظهر عليهم الأعراض، وقد ينقلون العدوى إلى آخرين”.

وخلال الأزمة، ارتفع الإنتاج اليومي الصيني للكمامات من طرز “إن 95” الأكثر فاعلية، من مئتي ألف كمامة إلى 1,6 مليون كمامة يوميًا، لكن من الصعب التثبت مما إذا كان الصينيون يبدلون الكمامات بشكل منتظم وإذا كانت تبقى مجدية.

6-    فحص كشف الإصابة

تعد منظمة الصحة العالمية إجراء فحوص لكشف الإصابة أمرا أساسيا، لكن الحكومة الصينية لم تعطِ أيّة معلومات حول عدد الأشخاص الخاضعين لهذه الفحوص. 

على سبيل المثال، تظهر الأرقام اليومية الصادرة عن بلدية ووهان أن نحو عشرين ألف شخص كانوا يخضعون للفحص يوميًا خلال فبراير/شباط، وهو وقت اشتداد الأزمة.

في حين، تراجع هذا العدد إلى النصف في الأيام الأخيرة، وفي منتصف فبراير، سجل عدد الإصابات زيادة حادة قدرها 15 ألف إصابة بعد توسيع الفحوص.

7-    تعبئة الفرق الطبية 

أرسِلت تعزيزات طبية لا تقل عن 42 ألف طبيب وعامل طبي إلى هوباي، حسب وكالة أنباء الصين الجديدة. وقال شينغ شيجي إن هذا “مهم وضروري في ظل انهيار النظام الصحي المحلي”.

وأصيب 3300 شخصًا من عناصر الطواقم الطبية في جميع أنحاء البلاد، وتوفي منهم 13 شخصا، حسب حصيلة وضعتها السلطات الصينية حتى مطلع مارس/آذار.

8-    مستشفيات ميدانية 

أنجزت السلطات الصينية خلال عشرة أيام بناء مستشفيين يتسعان لـ2300 سرير في ووهان، وسط حملة دعائية وطنية، وحولت المدينة مصانع وملاعب رياضية ومراكز مؤتمرات إلى 16 مستشفى ميدانيا.

9-    تعقيم الشوارع ووسائل النقل 

انتشرت صور تظهر شاحنات صهاريج ترش بعض المواد المطهرة في شوارع ووهان، لكن شينغ رأى أن عملية التعقيم هذه “قد لا تكون ضرورية؛ لأن لا أدلة تثبت فاعليتها”. في المقابل، فإن تعقيم الأماكن العامة المغلقة ووسائل النقل أمر “مهم وضروري”.

10-    حملات دعائية

وضع النظام الشيوعي كل وسائله الدعائية في خدمة المعركة ضد الفيروس؛ فوردت رسائل متعاقبة بلا توقف في وسائل الإعلام (بالخط العريض على اللافتات الكهربائية في الشوارع)، داعيةً السكان إلى احترام قواعد النظافة، والحد من خروجهم إلى أقصى ما يمكن، وتهوية منازلهم.

وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن العامل “الأساسي” تمثَّل في “إقناع الناس باعتماد العادات الضرورية”.

11-    رمز استجابة سريعة QR 

اعتمدت الصين برمجيات تسمح بمعرفة ما إذا كان مستخدم هاتف نقال مر في منطقة عالية المخاطر، أو استقل قطارا وجلس فيه قرب شخص حامل للفيروس. جرى تنزيل رمز استجابة سريعة بثلاثة ألوان أخضر وبرتقالي وأحمر على الهاتف الجوال لكل مواطن، وقد يطلب منه إبرازه للسلطات، واللون البرتقالي يعني الحجر الصحي لسبعة أيام، واللون الأحمر لأسبوعين.

12-    الحصيلة 

في نهاية المطاف، تمكنت الصين -عبر فحوص كشف الإصابة والحجر المنزلي وخفض حركة المواصلات- من تفادي تضاعف أعداد الإصابات بـ17 مرة، ما كان سيرفعها إلى حوالى ثمانية ملايين في نهاية فبراير/شباط، حسب دراسة ذكرتها مجلة “نيتشر”.

لكن معهد “إمبيريال كوليدج” في لندن أشار في دراسة نشرها في 16 من مارس/آذار إلى أنه لا يُعرف ما إذا كانت هذه التدابير قابلة للتطبيق على المدى البعيد أم لا، مشيرًا إلى “الكلفة الاجتماعية والاقتصادية الهائلة التي قد تكون لها وطأة كبيرة على الصحة”، لكنه تابع “نتوقع أن يرتفع انتقال العدوى بسرعة إذا تم التراخي في تطبيق هذه التدابير”.

ودعا المتحدث باسم منظمة الصحة العالمية إلى “البقاء متيقظين حتى لو أن عدد الإصابات الجديدة المعلن عنها يتراجع؛ لأنه ما زال مبكرا جدًا إعلان السيطرة على هذا الوباء”.

المصدر: الجزيرة مباشر + وكالات

إعلان