إيكونوميست: سنة ضائعة في السعودية وخسائر فادحة لولي العهد

ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يواجه سلسة مشاكل متواصلة منذ اغتيال الصحفي السعودي، جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بتركيا 2018
ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان

قالت صحيفة “إيكونوميست” إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجد نفسه عالقًا في عدد من المشاكل الحيوية، وآخرها جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19).

وأضافت الصحيفة، الجمعة، أن العام 2020 بدأ واعدا للسعودية، لكنه انحرف كثيرًا مع انهيار أسعار النفط وانتشار جائحة فيروس كورونا.

وتحت عنوان “سنة ضائعة في السعودية”، قالت الصحيفة: “بدأ العام بداية جيدة للسعودية، وتنامى القطاع غير النفطي عقب توسع بطيء، وكان المسؤولون راغبين بجذب استثمارات جديدة”.

وأضافت الصحيفة “بدا كأن الحرب في اليمن خفتت وتيرتها، وتحرك العالم بعيدا عن جريمة قتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي وتقطيعه في قنصلية بلاده بتركيا في أكتوبر/تشرين الأول 2018. وبدأت المملكة التحضير لاستقبال قمة العشرين في نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أن الأمور لا تسير حسب الخطة، لا سيَّما في الفترة الأخيرة”.

يأتي ذلك بعد سجن ولي العهد محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي، عددًا من الأمراء البارزين وموظفي الخدمة المدنية في مارس/آذار، ثم بدأ حرب أسعار نفط مع روسيا، والتي خفّضت سعر برميل النفط إلى مستويات غير مسبوقة منذ عام 2003. لم تُغضب ذلك روسيا وحدها، بل أغضب الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة.

والآن، جاءت جائحة فيروس كورونا لتضيف فصلًا جديدًا في متاعب ابن سلمان، إذ تجمد الاقتصاد السعودي بعد ظهور الفيروس، ولا يريد أحد شراء النفط في الوضع الراهن.

وبعيدًا عن كونه مرحلة من الحملة الدبلوماسية الهجومية، واجتذاب المستثمرين؛ فقد تترك سنة 2020 السعودية في حفرة اقتصادية ودبلوماسية عميقة.

ففي وقت آخر، كان خبر اعتقال الأمير أحمد بن سلمان موضوع الساعة، واعتقلت الشرطة ولي العهد السابق ووزير الداخلية السابق، محمد بن نايف وعددا من موظفي الخدمة المدنية. 

تزامن ذلك مع اتهام سعوديين مقربين من الديوان الملكي للمعتقلين بالتآمر على ولي العهد، رغم عدم وجود ما يشي بالمؤامرة، خاصة أن بعض “المتآمرين” أُفرِج عنهم. ونظر آخرون للاعتقال على أنه تحذير آخر من بن سلمان الذي لا يتسامح مع المعارضة.

وظهرت شخصية ولي العهد المتهورة أكثر في المفاوضات مع روسيا حول تخفيض مستويات الإنتاج، عندما فشل تحالف أوبك+ بالتوصل إلى اتفاق، فضلًا عن تجاوز الأمير -على ما قيل- أخيه، وزير النفط، وأمر شركة أرامكو بزيادة الإنتاج.

ومع إغراق السوق بالنفط، تراجع سعر البرميل إلى أقل من 30 دولارا، ولا يزال مرشحا للهبوط. وتعبت السعودية من لعب دور المنتج المرجح للنفط، وتخفيض الإنتاج لحماية استقرار النفط، في وقت يرفض فيه الآخرون تنفيذ تلك الخطوة. يُضاف إلى ذلك أن ابن سلمان قلق على مستقبل النفط في عالم يحاول فطم نفسه عن عادة استهلاكه.

ولو استمرت الأسعار على مستوياتها المتدنية؛ فقد تضطر السعودية لتعويض نقص بالميزانية قيمته ملياري دولار في الأسبوع. وخفضت النفقات بنسبة 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) لتقليل النفقات وقت أزمة فيروس كورونا.

صدرت كذلك أوامر للوزارات بالتخطيط لتقليل النفقات، ولكن بشكل أعمق، وقالت شركات تعهدات البناء إن العقود الجديدة توقفت.

وفي العلن، مضى حلفاء السعودية في الخليج معها، إذ تعهدت شركة النفط الوطنية في الإمارات العربية المتحدة بزيادة الإنتاج بـ 3-4 ملايين برميل في اليوم، لكن المسؤولين الخليجيين عبّروا في أحاديث خاصة عن غضبهم من القرار، لِما سيفتحه من ثغرات في ميزانياتهم.

وحاولت الإمارات -دون نجاح- جمع السعوديين والروس، ولم تنجح الولايات المتحدة أيضا. وبعد أقل من سنة على تصريحات الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، الغاضبة من ارتفاع أسعار النفط، يريد الآن من “الكارتل” رفع الأسعار حتى لا تنهار صناعة النفط الصخري.

ويبدو أن السعوديين ليسوا في مزاج التنازل حتى مع تدمير فيروس كورونا للطلب العالمي على النفط، وتحركت السعودية بسرعة أكثر من الدول الأخرى لاحتواء الفيروس، وفي منتصف مارس/آذار  الماضي سجلت 100 إصابة بالفيروس، وقررت وقف الرحلات الدولية، مع تعليق زيارات العمرة إلى مكة، وحجر صحي لآلاف من العائدين في فنادق راقية على حساب الدولة.

ويبدو أن التحرك السريع أثمر فلم تسجل إلا 1.885 حالة، ومع ذلك فالتداعيات الاقتصادية ستكون خطيرة؛ لأن جهود التحول من الاقتصاد النفطي تعتمد على الاستهلاك الخاص، وقد أدت الأزمة إلى توقف أكثر من 426 ألف عامل سعودي في قطاع التجزئة عن العمل.

وبدأت المملكة في سبتمبر/أيلول الماضي، إصدار تأشيرات سياحية على أمل جذب مئات الآلاف من السياح هذا العام، وهناك قلة ستأتي، وربما توقف الاستثمار.

وأجبر الفيروس السعودية على إلغاء أهم موسم في التقويم السنوي؛ موسم الحج، الذي يبدأ نهاية يوليو/تموز المقبل.

والعام الماضي، شارك في موسم الحج 2.5 مليون حاج، لكن من المستبعد بلوغ هذا العدد مع انتشار فيروس كورونا، ولذلك طالب وزير الحج السعودي، محمد طاهر بن صالح، في 31 من مارس/آذار الماضي، المسلمين بالتريث قبل التحضير للحج هذا العام.

وأصدرت مؤسسة تدعمها الحكومة قائمة بالسنوات التي تعطّل فيها الحج بسبب الحرب وهجمات العصابات والأمراض، وتكلفة تعطيل الحج ستكون باهظة؛ لأن مكة تعد المساهم الأكبر في الناتج القومي العام بعد النفط.

أما قمة مجموعة العشرين، فلم تنسِّق المجموعة -وبعد 3 أسابيع من إعلان منظمة الصحة العالمية عن اعتبار فيروس كورونا جائحة عالمية- بين أعضائها بخصوص القمة، وستتخاصم أكبر دولتين في المجموعة (الصين والولايات المتحدة) حول من تسبب بانتشار الفيروس.

وحتى مجموعة الدول السبع الكبار، والتي تعتبر أقوى ومتماسكة أكثر، لم تستطع الاتفاق على بيان مشترك بعد إصرار أمريكا على استخدام عبارة “فيروس ووهان” في البيان الختامي، والذي ترفضه الصين جملة وتفصيلا. 

ووفق إيكونوميست، ربما شاب خروج الأمير من العزلة خلافات أخرى خاصة إن عاد الفيروس هادرا من جديد في الخريف حسبما يتوقع علماء الأوبئة، وعندها لن تعقد القمة في قصر مذهب بل عبر الكاميرا (زووم).

المصدر : إيكونوميست + الجزيرة مباشر

إعلان