مسؤول بحركة النهضة التونسية: كتل برلمانيّة مقربة من الإمارات تعرقل البرلمان بشكل ممنهج

تطرّق عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة المكلف بالإعلام محمد خليل البرعومي في حوار مع الجزيرة لآخر التطوّرات في الساحة التونسيّة.
كما تحدث البرعومي عن خلفيات استهداف رئيس البرلمان ورئيس الحركة راشد الغنوشي من قبل وسائل إعلام محليّة وعربيّة وطبيعة العلاقة بين الرئاسات الثلاث في تونس، وفيما يلي نص الحوار:
هناك مؤاخذات عديدة على رئيس البرلمان التونسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي بعد اتصاله بفايز السرّاج رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، إثر سيطرة قوّاتها على قاعدة الوطية، ووجّه له نقد شديد على اعتبار أن تصرّفه هو تدخّل في صلاحيات رئيس الجمهوريّة، ما تعليقكم؟
الاتصال جاء متناسقا مع الأدوار السياسيّة التي يقوم بها رئيس البرلمان إن كان فيما له علاقة بالشأن الداخلي أو الخارجي، فلا تدخّل في صلاحيات رئيس الجمهوريّة، ومكالمة راشد الغنوشي مع السرّاج كانت في إطار الممكن سياسيّا.
كل ما أثير حول الموضوع هو محاولة لصناعة أزمة بين رئيس البرلمان ورئيس الدولة، مستغلّين لبس في تأويل النص الدستوري، الشيء الذي تسبّب في خلق ضبابيّة في المشهد أحيانا، والبرلمان سيناقش مسألة الدبلوماسيّة البرلمانيّة في جلسة عامّة قريبا، لأنّ الوضع يتطلّب دبلوماسيّة تونسيّة نشطة وفعّالة.
ومن أعراف الدول العريقة في ديمقراطيتها أن تكون هناك دبلوماسيّة برلمانيّة، وهذه النقطة تجعلنا نتفهّم أن دولا عربيّة لا تعرف الديمقراطيّة ولا تمثيليّة برلمانيّة نزيهة وحرّة ومستقلّة، تنزعج وتجيش منابرها الإعلاميّة وذبابها الالكتروني لتشويه السيد راشد الغنّوشي.
كما أن التطوّرات التي تشهدها ليبيا لها انعكاسات مباشرة على الوضع المحلّي في تونس، وما يقع في ليبيا مسألة حيويّة واستراتيجية بالنسبة لتونس، والسيد رئيس البرلمان هو رئيس مؤسسة شرعيّة تواصل مع رئيس مؤسسة شرعيّة في دولة شقيقة وجارة.
كذلك لا يجب أن نغفل أنّ هناك تطوّرات إقليميّة أثّرت بشكل مباشر في الأزمة الليبيّة، وبالتالي ستتأثر قطعا تونس بها، فأي استشراف للمآلات يستدعي استباقا للأحداث لا انتظارها، وهو جوهر ما يقوم به الغنوشي.
وما يربط تونس بليبيا أعمق وأوسع وأشمل من أن تحدّه ترتيبات أو تفصيلات تشوّش على دور تونس في دعم الحل السياسي وخيار الشرعيّة الدوليّة في ليبيا، وما يقوم به السيد راشد الغنوشي كرئيس للبرلمان هي عمليّة إمداد فعّالة للدبلوماسية التونسيّة وللساهرين على السياسة الخارجيّة لتونس..
إضافة إلى العلاقات القويّة والتاريخيّة للغنوشي مع جل الأطراف الليبيّة قبل أن يصبح رئيسا للبرلمان وهو يقدّم هذه العلاقات وما يحظى به من ثقة واحترام عند الأشقّاء الليبيين خدمة لتونس ولدبلوماسيّتها، كما يؤكّد دائما على الحل السياسي ومدنيّة الدولة.

ذكرتم مؤخّرا أنّ راشد الغنّوشي مستهدف بحملة لتشويهه، في حين يرى خصومكم أنّ الغنّوشي ارتكب عددا من الأخطاء هي التي ألّبت جزءا من الرأي العام ضدّه؟
في المدّة الأخيرة عملت جهات خارجيّة وداخليّة بشكل منظّم على تغذيّة حملة تشويه تستهدف ضرب رئيس مجلس النواب الشعب ورئيس حزب حركه النهضة راشد الغنوشي وقياديين في الحركة..
وتجنّدت وسائل إعلام عربيّة، مصرية وإماراتية خاصّة، لبث أخبار زائفة وملفّقة تمس من شخص رئيس البرلمان، وتحرّكت بالتزامن وبشكل منسّق منابر إعلاميّة وصفحات تواصل اجتماعي في تونس لتنخرط في نفس الحملة مستخدمة نفس الأسلوب وبشكل تصاعدي.
وهذا يدفعنا للتأكيد على أنّ ما يتعرّض له السيد راشد الغنّوشي هي حملة منظّمة تديرها غرفة عمليات واحدة مستعملة نفس المضمون ونفس الشكل ونفس المفردات وحتّى نفس النص، وقد لمسنا وعاينّا ذلك من خلال متابعتنا لمحتوى هذه الحملة.
تساؤلات كثيرة بشأن ثروة راشد الغنّوشي أثيرت في وسائل الإعلام، كيف تردون؟
سبق للأستاذ راشد أنّ صرّح بممتلكاته لدى المصالح المعنيّة في مناسبتين، واحدة كرئيس حزب، والأخرى كبرلماني ورئيس لمجلس النوّاب، وكل ممتلكاته هي في العلن وتحت دائرة الضوء وتعاملاته الماليّة كرئيس حزب شفافة وفي كنف القانون، ولم يردنا من أي جهة رسميّة في تونس اتهام في الذمّة الماليّة لأي قيادي في الحزب، أو شبهة حول تمويل الحركة ومصادرها الماليّة.
الثروة الحقيقيّة والموجودة فعلا للأستاذ راشد الغنّوشي هي رصيد خمسين سنة من العمل السياسي والنضال من أجل الحريّات والديمقراطيّة ومواجهة القمع، خمسين سنة من المعرفة والتنظير والبحث والكتابة، ثروة من العلاقات الدوليّة المبنيّة على تقدير قيمة الأستاذ الفكريّة ورجاحة عقله السياسي، ممّا جعله يحظى باحترام حكومات ورجال دولة وشخصيات سياسيّة كبيرة في العالم، ويتحوّل لشخصيّة جامعة توافقيّة، شخصيّة عابرة للحدود وللمواقع وللمناصب منذ عشرات السنين.
لماذا يتمّ استهداف راشد الغنّوشي دون غيره من الشخصيات السياسيّة؟
الأستاذ راشد هو رئيس البرلمان، واستهدافه هو ضرب المؤسّسة الدستوريّة التي تجسّد حالة راقية من الممارسة الديمقراطيّة، وضرب لنسق تصاعدي تشهده التجربة التونسيّة في تثبيت سنّة التداول على السلطة عبر الصندوق.
ونعيب على البعض من النخب السياسيّة وحتّى الممثّلة في الحكومة أن تنجرّ وراء هذه الحملة بدافع خصومة سياسيّة، وتحتدّ في خصومتها لتصل للعنف اللفظي، ويتبع ذلك دعوة من بعض الأطراف اللا مسؤولة إلى الخروج للشارع واسقاط الجمهوريّة الثانية.
كما انخرطت كتل برلمانيّة في عمليّة عرقلة ممنهجة لعمل البرلمان واستنزاف مجهود النوّاب وتعطيل مناقشة مشاريع القوانين والمصادقة عليها، وهو دور تمادت فيه للأقصى عبير موسى رئيسة كتلة الحزب الدستوري الحر، والتي تعلن عداءها لرئيس البرلمان، وهي التي تربطها علاقات جيّدة مع أطراف في الإمارات داعمة لخياراتها وبأشكال مختلفة.
وهناك أطراف إقليميّة تسعى لضرب مسار الانتقال الديمقراطي في تونس، لأنّه ببساطة الديمقراطيّة تقلقهم جدا، فأن تكون في بلد عربي تفكر فيه بحرية وتعبّر وتبدع وتخوض الجدل السياسي علنا، وتشكّل الأحزاب وتنتمي لها، وتناقش خيارات الدولة في الفضاء العام، فهذا واقع لم يستوعبوه بعد للأسف.
هذا المناخ السياسي يزعج، وهذا السقف العالي من الحرية يربك أنظمة كشفت منذ اللحظات الأولى للثورة في تونس سنة 2011 أنها مصطفّة مع خصوم وأعداء الواقع الجديد في بلدنا، ولكنّنا نجحنا في تجاوز نتائج هذا الاصطفاف وسننجح في تجاوزه هذه المرّة كذلك بإذن الله.