السعودية تنفق مليارات الدولارات في الخارج رغم الأزمة الاقتصادية

استحوذ صندوق الاستثمارات العامة السعودي على حصص بقيمة نحو ثمانية مليار دولار في شركات عالمية ضخمة، من بوينغ إلى فيسبوك، في فورة إنفاق تتزامن مع إجراءات تقشف صارمة داخل المملكة.
وبتأثير من صدمة انخفاض أسعار النفط بالإضافة إلى أزمة فيروس كورونا المستجد، قرّرت الحكومة السعودية رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المئة وإيقاف بدل غلاء المعيشة، وذلك في إطار مسعى لتخفيف عجز الميزانية.
وتخالف هذه الإجراءات الصارمة عرفا اجتماعيا معتمدا منذ عقود كان ينعم المواطنون بموجبه بإعانات وإعفاءات من الضرائب، تقدمها الدولة مستخدمة عائداتها الكبيرة من الثروة النفطية.
وبينما تواجه المملكة أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود، يثير دفع المليارات للاستحواذ على أصول خارجية تساؤلات.
ويبرز صندوق الاستثمارات العامة كواحد من أبرز مقتنصي الفرص في العالم، مع إنفاق المليارات لشراء حصص في شركات كبرى أمريكية وأوربية.
وقال مدير الصندوق ياسر الرميان في أبريل/نيسان الماضي “أنت لا تريد أن تضيع أزمة”، مشيرا الى أن الصندوق يقوم باقتناص فرص استثمارية بسبب الركود الناجم عن أزمة فيروس كورونا المستجد.
وقام الصندوق في الربع الأول من عام 2020 بالاستحواذ على حصص في شركات متعددة بقيمة 7,7 مليار دولار من بينها بوينغ ووالت ديزني وستاربكس وماريوت وسيتي غروب.
وقام أيضا بشراء حصص في شركات طاقة عملاقة مثل رويال داتش شل وتوتال، في خطوة تتناقض مع خطة تنويع الاقتصاد المرتهن للنفط، كما اشترى حصصا في فيسبوك أيضا.
ويعد الصندوق السعودي أيضا الطرف الأبرز في صفقة الاستحواذ على نادي نيوكاسل يونايتد الإنكليزي لكرة القدم التي تقدّر قيمتها بنحو 300 مليون جنيه استرليني (372 مليون دولار)، بينما تبدو الصفقة في خطر بسبب اتهامات موجهة إلى السلطات السعودية بالوقوف خلف قناة “بي آوت كيو” التي قرصنت بث العديد من البطولات الرياضية.

وترى كارين يونغ من معهد “أميركان إنتربرايز” إن “الشركات سعيدة برؤية الطلب على أسهمها وارتفاع أسعار قيمة الأسهم”.
واستدركت يونغ قائلة إن “الأهم هو التفكير في كيفية رؤية المواطنين السعوديين لإنفاق سلة مدخراتهم الوطنية الجماعية في أسواق الأسهم العالمية في مرحلة عنوانها أزمة اقتصادية وطنية”.
ويتساءل أصحاب متاجر في الرياض همسا عن سبب عدم استخدام هذه الاستثمارات الضخمة لدعم الأعمال الصغيرة والمتوسطة التي تعاني بسبب جائحة كوفيد-19.
ويقول موظف حكومي سعودي يعمل في وظيفة إضافية في تطبيق لاستئجار سيارات الأجرة “نادي كرة قدم، ترفيه ومشاريع ضخمة، تبديد المال على كل هذا أمر غير ضروري في وقت تقشف حاد”.
ويُستبعد أن تطمئن هذه الاستثمارات الشباب السعودي الذين يتخوفون من إمكانية عدم حصولهم على عمل مع نسبة بطالة عالية بين الشباب.
وكتب خالد السليمان في مقال في صحيفة “عكاظ” السعودية “يشعر المواطن بالقلق من أن الضغط على مستوى معيشته سيكون أطول أمدا من فترة الأزمة الراهنة”، متوقعا أن يكون تأثير زيادة الضريبة المضافة “على القدرة الشرائية في المجتمع” كبيرا.
وشهدت قيمة احتياطي السعودي بالعملات الأجنبية التي يديرها المصرف المركزي هبوطا في مارس/آذار وأبريل/نيسان الماضيين مع إعلان الحكومة تحويل 40 مليار دولار إلى صندوق الاستثمارات.
ويتوقع محللون أن يتم استنفاد الاحتياطات التي هبطت لتصبح نحو 450 مليار دولار في شهر أبريل/نيسان، في تراجع قدره 50 مليار دولار عن العام الماضي، لتمويل العجز المتزايد في الميزانية.

وقام ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بتحويل صندوق الاستثمارات إلى عجلة استثمارات بارزة لتطوير مشاريع ضخمة بهدف تنويع الاقتصاد.
ووصف صندوق الاستثمارات السعودي نفسه في بيان بأنه “مستثمر صبور مع أفق طويل الأمد”.
ويرى الخبير السعودي علي الشهابي أن “صندوق الاستثمارات يقوم برهانات كبرى على أسهم قليلة”.
وبحسب الشهابي، فإنه مع مرور الوقت، سيتضح إن كانت هذه الاستثمارات في محلها.
وواجه الصندوق، بحسب تقارير، صعوبات في السابق لجذب شركة رحلات بحرية إلى البحر الأحمر حيث تسعى المملكة إلى تطوير مشروع سياحي ضخم بالإضافة إلى مشروع منطقة “نيوم” بقيمة 500 مليار دولار.
ويستبعد الباحث في معهد الخليج العربي في واشنطن روبرت موغيلنيكي أن يسفر العديد من هذه الاستثمارات “عن عائدات كبيرة على المدى القصير”.
وأثار الاستثمار في فيسبوك مخاوف متعلقة بالخصوصية لدى منظمات غير حكومية أمريكية بعد اتهام موظفين في “تويتر” العام الماضي بالتجسس لصالح السعودية.
وقال مدير في مركز السياسة الدولية في واشنطن بن فريمان “أنا قلق بشكل خاص من شراء الأسهم الكثيرة في فيسبوك نظرًا إلى أنه من المعروف أنه كان لدى السعوديين جواسيس في تويتر للتجسس على المعارضين السعوديين”.
وتساءل “هل ستقوم الشركة بإزالة حملة معلومات مضللة يديرها أحد مالكي الأسهم؟”.
ولم ترد شركة فيسبوك على طلب التعليق.