هل نفد صبر القاهرة؟ تحفظ مصري على ورقة إثيوبية حول سد النهضة

أبدت مصر تحفظّها على ورقة تقدّمت بها إثيوبيا تضمّنت رؤيتها المتعلّقة بملء سدّ النهضة وتشغيله، خلال اليوم الثالث من التفاوض بين وزراء الري المصري والسوداني والاثيوبي حول السدّ.
وأوضح بيان نشره المتحدّث باسم وزارة الريّ المصرية، الخميس تحفظ مصر، والسودان، على الورقة الإثيوبيّة، لكونها تمثّل تراجعاً كاملاً عن المبادئ والقواعد التي سبق وأن توافقت عليها الدول الثلاث في المفاوضات التي جرت بمشاركة ورعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي.
وكان وزراء الري في الدول الثلاث قد استأنفوا يوم الثلاثاء وبمبادرة من السودان، مفاوضاتهم حول السد بعد أن توقفت لمدة ثلاثة أشهر، واتفقوا على مواصلة اجتماعاتهم ما عدا يومي الجمعة والأحد للتوصل إلى توافق.
وشددت مصر على ضرورة أن “تمتنع إثيوبيا عن اتّخاذ أي إجراءات أحادية لما يمثله هذا النهج الإثيوبي من تعقيد للموقف قد يؤدي إلى تأزيم الوضع في المنطقة برمتها”.
وفي 12 مايو/أيار، رفض السودان ومصر مقترحا إثيوبيا بتوقيع اتفاق جزئي للبدء بملء بحيرة السد، الذي تبنيه أديس أبابا على النيل الأزرق.
ويخشى كل من السودان ومصر من أن يحتجز الخزان، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية القصوى 74 مليار متر مكعب، إمدادات المياه الأساسية السنوية للنهر.
وكان قادة الدول الثلاث وقّعوا في مارس/آذار 2015 اتفاق مبادئ يلزمهم التوصل إلى توافق من خلال التعاون في ما يتعلق بالسد.
وتريد مصر من إثيوبيا أن تصادق على مسودة اتفاق انبثقت من المحادثات في وقت سابق من هذا العام بوساطة من وزارة الخزانة الأمريكية التي تدخلت بطلب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
لكن إثيوبيا تخطت الجولة الأخيرة من تلك المحادثات ولم تحضر إلى واشنطن للتوقيع على الاتفاق ونفت التوصل إلى أي اتفاق.
تواصل المفاوضات الاسفيرية لليوم الثالث على التوالي بين السودان ومصر واثيوبيا حول سد النهضة https://t.co/wKEWddTQdw#سونا #السودان pic.twitter.com/mep3BxShst
— SUDAN News Agency (SUNA) 🇸🇩 (@SUNA_AGENCY) June 11, 2020
هذا،وأعلن السودان، مساء الخميس، أن اليوم الثالث من المفاوضات الثلاثية مع مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، جرى” في أجواء سادها جدال محتدم حول العديد من القضايا الخلافية”.
وقال بيان صادر عن وزارة الري والموارد المائية بالسودان “بدأت الأطراف في مناقشة وثائق الاتفاق في أجواء سادها جدال محتدم حول العديد من القضايا الخلافية” وأشار إلى تأكيد السودان على ضرورة التوصل إلى اتفاق سريع ومقبول، قبل بدء إثيوبيا عملية الملء الأول للسد مطلع يوليو تموز المقبل.
وأضاف البيان” اتفقت الدول الثلاث في ختام الجلسة على تبادل الرأي حول القضايا الخلافية بما يمكن من تقريب وجهات النظر، وصولاً للتوافق بشأنها” ووفق البيان، سيتم استئناف التفاوض السبت المقبل.
وتحدثت الوكالة المصرية الرسمية عن “تحفظ القاهرة والخرطوم” بشأن ورقة إثيوبية تتضمن رؤية أديس أبابا، حول أسلوب ملء السد وتشغيلة، وهو ما لم يشر إليه بيان وزارة الري السودانية.
والخميس اعتبرت إثيوبيا، أن نهج مصر في محاولة اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي بخصوص ملف السد، “ليس مؤشرا إلى الشفافية وحسن النية في المفاوضات.
والأربعاء، أعلنت وزارة الري المصرية أن الاجتماع الثلاثي لمفاوضات “سد النهضة الإثيوبي” لم يكن “إيجابيا ولم يصل إلى نتائج”.

بعد نحو شهر، ربما تنفذ حكومة آبي أحمد في إثيوبيا، كليا أو جزئيا، تعهدها بملء منفرد لخزان للسد ، في يوليو/ تموز المقبل، وعينها على الداخل المتوتر بعد تأجيل انتخابات مفصلية كانت مقررة أواخر أغسطس/آب إلى أجل غير مسمى.
وبالملء المنفرد من دون اتفاق، يهدف آبي أحمد، الذي يواجه انتقادات داخلية لتأجيله الانتخابات، إلى كسب جولة لدى الرأي العام، وتحقيق انتصار معنوي وحشد مبكر للأصوات الانتخابية، من دون أن يلتفت إلى نتائج قبوله لمفاوضات فنية بدأت الثلاثاء، بعد توقف لأشهر.
وقال تقرير للأناضول “وفق معلومات نقلتها تقارير صحفية، يبدأ ملء حزان السد، بالتزامن مع بداية فيضان النيل الأزرق، على أن يستمر حتى نهاية فصل الشتاء، بإجمالي 4.9 مليار متر مكعب”. ثم يبدأ التشغيل التجريبي لإنتاج الكهرباء من السد، في مارس/آذار 2021، وذلك رغم مخاوف مصر من احتمال المساس بحصتها السنوية من مياه نهر النيل، البالغة 55.5 مليار متر مكعب.
ووفق مراقبين ترفع حكومة آبي أحمد شعار “الداخل أولا” وترمي بـ”الرفض الدائم” لتأجيل ملء السد لاختبار لشعبيتها، لكن هذه المرة خارجيا أمام إرادة مصرية تتمسك بتصعيد الإحراج الدولي لأديس أبابا، ضمن أوراق المواجهة الدبلوماسية.
فمخاطبة الداخل المتأزم، سواء بأزمات سياسية أو تداعيات “كورونا”، كانت واضحة في كلمة لرئيس الوزراء الإثيوبي، أمام برلمان بلاده في 8 يونيو/ حزيران الجاري.
وفي الاجتماع البرلماني، رفض آبي أحمد مطلب معارضيه بتشكيل حكومة انتقالية، بمجرد انتهاء ولايته في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، في ظل قرار اتُخذ في مارس/آذار بتأجيل الانتخابات.
ولم يترك آبي أحمد الاجتماع البرلماني يمر من دون الحديث عن السد، بالقول إن قرار ملء السد “لا رجعة فيه”، والتشديد على أن الهدف منه هو تنمية إثيوبيا من دون الإضرار بأحد.
وليس آبي أحمد فقط المتمسك بملء السد، فنائبه ديميك ميكونين، قال الأحد إن بناء السد مستمر، لبدء ملء المياه في الإطار الزمني المحدد له بموسم الأمطار هذا العام، بحسب الوكالة الإثيوبية الرسمية للأنباء.
وإزاء جمود الموقف الإثيوبي، يعلق البعض آمالا على الوساطة السودانية الجديدة في تفكيك التشدد الإثيوبي، مع قبول متحفظ من مصر لعودة المفاوضات وعن مخاوف بشأن حماية مصالحها المائية، فضلا عن ذهابها إلى مجلس الأمن بمذكرة عن أزمة السد.
ولم تخف الوساطة السودانية، وهي بمثابة الفرصة الأخيرة، أن جزءا أساسيا من عودة المفاوضات ينصب على بحث إعلان إثيوبيا ملء السد، بحسب تصريح لوزير الري السوداني، ياسر عباس، عقب استئناف المفاوضات الثلاثية، الثلاثاء.
ووفق نتائج أولية مع بدء الاجتماع، أعلنها عباس، ستكون اللقاءات يومية، حتى إعلان تقييم موعده الإثنين أو الثلاثاء المقبلين، وهو ما يكشف أن الخرطوم تحاول تحقيق اختراق، لكن سوابق تلك الاجتماعات “غير مبشرة”.
ولن يمثل حضور مراقبين من الاتحاد الأوربي وجنوب أفريقيا (الرئيسة الحالية للاتحاد الأفريقي) بجانب المراقب الثالث الأمريكي، لأول مرة، فرس رهان يساعد الوساطة السودانية على حل القضايا المعلقة بين القاهرة وأديس أبابا.
غير أن ذلك يبقى دليلا على اتساع دائرة الرقابة الدولية، بظهور أوربي يزاحم الرعاية الأمريكية، إذ إن أديس أبابا، وبعد جولات مفاوضات قادتها واشنطن والبنك الدولي في الأشهر الأخيرة، رفضت الذهاب للتوقيع على وثيقة للحلّ قبلتها مصر، بدعوى أنها لم تحز قبولا ونقاشا واسعا في إثيوبيا، قبل شهر من إعلان تأجيل الانتخابات، وبالتالي لن يكون التوافق الشعبي أو السياسي على الأقل حاضرا في ظل تداعيات تأجيل الاقتراع.
ولم يكن الرفض الإثيوبي والتحفظ السوداني على وثيقة واشنطن أمر متوقعا في ملف تدخلت فيه الولايات المتحدة، والتقطت عدسات الكاميرات ظهورا لافتا للرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، خلال بدء المباحثات التي تعثرت لاحقا.

وأعربت مصر عن مخاوف حقيقية وعقب اجتماع لمجلس الأمن القومي المصري رفيع المستوى، حذر من أن تصبح اللقاءات “أداة جديدة للمماطلة والتنصل من الالتزامات” في إشارة إلى انسحاب غير متوقع لأديس أبابا من مسار واشنطن.
ورفض المجلس بوضوح الملء المنفرد للسد أو الحديث الإثيوبي بشأنه، مؤكدا عودة القاهرة إلى المفاوضات لاستكشاف “مدى توفر الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق”.
هذه اللغة اعتبرها محمد نصر علام، وزير الري الأسبق بمصر، دليلا على أن صبر القاهرة كاد أن ينفد، وأن المشاركة وفق شروط جدول زمني محدد “فرصة أخيرة للسلام”، و”إرضاء للوسيط السوداني”.
وتتحرك القاهرة، عبر جولات محرجة لإثيوبيا خارجيا أمام الرأي الدولي، وضاغطة محليا، وظهر هذا بتوجه مصر، في مايو/أيار الماضي، بخطاب إلى مجلس الأمن بشأن ما اعتبرته “موقفا إثيوبيا متعنتا”.
وقبل الخوض في استئناف المفاوضات الثلاثية، أبلغت مصر كلا من روسيا وألمانيا وإيطاليا، قبولها العودة لطاولة المباحثات، شريطة عدم إقدام إثيوبيا على أي إجراءات أحادية بشأن السد، ومنها الملء، فضلا عن استمرار القاهرة في مشاورات دولية.
وكانت مصر، في أول اجتماع، منتبهة لنتائج الجولات السابقة، وحتى لا تعود لنقطة الصفر، طرحت أن تكون وثيقة واشنطن، التي وقعت عليها في فبراير/ شباط الماضي، مرجعية لبدء المفاوضات لبحث النقاط المعلقة فقط، بحسب وسائل إعلام مصرية.
وبحسب تقرير الأناضول ” فإن المنطقة تعاني تداعيات جائحة كورونا، ولن تتعافى قبل 2021 على أقل تقدير، وليس بوسعها تحمل مواجهات صدامية مباشرة مستبعدة عادة لدى الطرفين المصري والإثيوبي”.
وقد تلجأ القاهرة إلى طلب وقف بناء السد، عبر مجلس الأمن، قبل التوجه إلى معركة قضائية دولية، حال توجهت إثيوبيا إلى ملء السد من دون اتفاق.
وفي ظل تقلبات المنطقة، وأزمة كورونا، من الصعب التكهن بالمنتصر في جولة ملء السد، وفي ظل غياب توافق، تبدو سيناريوهات الموقف المصري أقرب إلى “قلب الطاولة” في ممرات المواجهات الدولية.