فورين بوليسي: الحرب وصلت عقر دار الأسد.. هل باتت سلطته مهددة؟

كتبت الصحفية أنشال فوهرا مقالا في مجلة فورين بوليسي بشأن الشقاق داخل أسرة الرئيس السوري بشار الأسد، الذي صمد إلى الآن بفضل الدعم الخارجي، لكن الصراع داخل الأسرة ربما يطيح به.
ففي الشهر الماضي، حدث أمر غير متصور- على حد وصف الكاتبة- حين تحدى رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد وواحد من أغنى أفراد الأسرة، قرار الرئيس بتغريمه 230 مليون دولار من الضرائب المتأخرة، ليزيل بذلك القشرة الهشة للتضامن الأسري.
ومنذ ذلك الحين، شكك عدد من أقارب الأسد علنا في كفاءة حكومة بشار، موجهين نقدهم إليه بطريقة غير مباشرة. ويبدو أن نقد مخلوف هو نقطة انعطاف لنظام بشار؛ فإذا خسر بشار ولاء أسرته وأبناء طائفته الآخرين، فمن الإنصاف أن تتساءل ما إذا كان يستطيع الاستمرار في السلطة، بحسب المقال.
مخلوف كون ثروته بفضل علاقته بالنظام
وبينما يبدو أن مخلوف فسّر فرض الضرائب بأثر رجعي على أنه استفزاز، ربما نظر إليها بشار على أنها معاملة بالمثل. إذ تقدر ثروة مخلوف اليوم بخمسة مليارات دولار، وهي ثروة لم يكن يحصل عليها إلا لأن شركاته التي تضم “سيراتيل” – أكبر شركة اتصالات في البلاد – تحظى بمباركة النظام.
والآن وبعد أن غرقت الدولة السورية في لُجَج الأزمة؛ بسبب العقوبات الاقتصادية، إذ انخفضت الليرة السورية من 50 ليرة مقابل الدولار في عام 2011 إلى أكثر من ثلاثة آلاف ليرة مقابل الدولار في عام 2020، فيما يُعتقد أن 90 في المئة من الشعب يعيشون في فقر مدقع؛ فإن البلاد بحاجة إلى مساعدة مخلوف للبقاء واقفة على قدميها، غير أن هذا الأساس المنطقي أثبت أنه غير مقنع لمخلوف.
وفي مايو/أيار، نشر مخلوف عدة مقاطع فيديو مرتجلة على الإنترنت، والتي رغم إغراقها في المجاملات، إلا أنها حذرت بشار من أنه يخاطر بخسارة الشريحة الواسعة من العلويين – بمن فيهم رجال الميليشيا – الذين يدفع لهم رجل الأعمال رواتبهم.
تضيف الكاتبة: واستغل مخلوف التوترات العرقية القديمة، في معرض إشارته إلى أن الخطأ يقع على كاهل زوجة الرئيس السنية أسماء، التي ألمح إلى أنها تحاول سرقة أموال العلويين، وبهذا ألقى بشكوك على مدى التزام بشار تجاه جماعته الطائفية.

منافسو بشار يأملون أن يضعفه مخلوف
أشاع هذا الخلاف الأمل بين منافسي بشار داخل النظام، فهم يأملون أن يضعفه مخلوف بصورة لا يمكن إصلاحها بين العلويين، ويفتح المجال لتحدي دوره على قمة النظام، وذلك رغم أنه من المسلم به أن بشار سوف يقاوم بشكل عنيف أي معارضة مباشرة من داخل أسرته.
وفي الواقع، كان هناك نمط ثابت. فريبال الأسد، وهو ابن عم الرئيس، البالغ من العمر 45 عاما، ونجل عمه رفعت، هو واحد من أولئك الذين يشعرون بالسخط على بشار. وفي عام 1991، شتمه بشار بأقذع الشتائم، خارج فندق شيراتون في دمشق، وتحولت المشاجرة إلى شيء قبيح.
ولشعوره بالخوف، حجز والد ريبال لنجله على رحلة جوية وطلب منه المغادرة. وفي المطار، أطلق ضباط الحرس الجمهوري الذين كانوا يحملون البنادق طلقات ولزموا المكان لساعتين ونصف لاعتقال ريبال.
واعتقل ريبال ولكن أطلق سراحه بعد أن هدد رفعت الأسد بأنه سيقاتل في كل شارع في دمشق “إذا ما مست شعرة في جسد نجله”.
ويعيش ريبال الآن في إسبانيا في منفى فرضه على نفسه، وكان في منزله أثناء الإغلاق عندما وصل إليه نص رسالة مع مقطع الفيديو الأول لمخلوف، ووصفه بأنه “حيلة تهديدية” وقال إنه ضحك عندما شاهده للمرة الأولى.
وأضاف ريبال “أنا أعرف رامي شخصيا، وهو جبان. لا يمكن أن يقف ضد النظام. هو لا شيء بدون بشار.
يمكن أن تفقد حياتك من أجل أشياء أقل، ناهيك عن أن تتحدى بشار في وسائل التواصل الاجتماعي مجرد استعراض. بشار يستخدم رامي لكي يقول للروس إنه سيخسر الدعم بين العلويين وإن ذلك سيؤثر على مصالحهم في المنطقة الساحلية حيث يحتفظ الروس بقاعدتهم البحرية ومطارهم”.
مهاجمة منزل رفعت لضمان عدم وجود منافسة لتولي بشار السلطة
وروى ريبال الأحداث التي وقعت في 20 أكتوبر /تشرين الأول عام 1999، عندما تعرض منزل أسرته على الشاطيء في اللاذقية للهجوم على يد جنود النظام لضمان انتقال السلطة لبشار وليس لرفعت والد ريبال.
وتابع ريبال قائلا “كان عمي حافظ مريضا، وكانت الخلافة مسألة وقت. أراد النظام أن ينقل السلطة إلى بشار والتأكد من أنه لا توجد معارضة لصعوده، وأنهم سيسحقون أي شخص يعارض ذلك. وهذا هو السبب في أنهم هاجموا منزلنا ومؤيدينا”.
وأعلن العديد من أبناء رفعت ولاءهم لبشار، واستمروا في العيش في سوريا، ولكنهم ما زالوا يُعَبِّرون سرًا عن مظالم. أحدهم يدعى دريد الأسد وكان معروفا بأنه يلتزم بقواعد النظام ويشيد ببشار، حتى وقت قريب.
وفي تغريدة تطفح بالمرارة في 7 مايو/ أيار، بعد أن نشر مخلوف فيديوهاته، طلب دريد من بشار أن يلتقي بمئات الأقارب الذين يشتركون معه في اسمه الأخير، ولكنهم لا يستمتعون بحياتهم مثلما يستمتع هو بالامتيازات المكرسة له.
وقال دريد في تغريدته “إنهم يقولون إن سوريا تحكمها أسرة الأسد. لدي مطلب. هناك 100 إلى 200 عضو من الأسرة لم يلتقوا بك أبدا، ويريدون أن يروك. بعضهم شب على الطوق، ورزقوا بأطفال، ولكنهم لم يروك إلا في التلفزيون”.

الطائفة غاضبة من بشار
تنقل فورين بوليسي عن بسام باراباندي، وهو دبلوماسي سوري سابق يقيم الآن في الولايات المتحدة، قوله: إن شجاعة دريد الجديدة لها دافع خارجي. وأضاف “مثل تلك الصفاقة لم يكن يجرى التسامح معها أبدا. دريد يتحدى بشار الآن علنا لكي يقدم والده، رفعت الأسد، كبديل. لو لم يشعر دريد بأن الطائفة غاضبة من بشار، ما جرؤ على قول ذلك”.
وتعلق الكاتبة قائلة: يكمن الدافع وراء معارضة ريبال ودريد جزئيا في مطالبة أسرتهم بالسلطة السياسية. ولكن أعضاء الأسرة الآخرين، بمن فيهم ابن العم الجنرال عدنان الأسد يشعرون بأنهم استُبعدوا من أعمال الأسرة، وحُرموا من الثروة التي جلبتها لأمثال مخلوف.
عدنان أدار ميليشيا وقاتل إلى جانب حافظ الأسد ضد الإخوان المسلمين في عام 1982 فيما أصبح يعرف باسم “مذبحة حماة”، التي قتل فيها الآلاف من الإخوان والمدنيين. ولكن في خطاب كتبه إلى مخلوف مؤخرا، أشار إلى أنه لم يحصل على التعويض الكافي لولائه.
المنسيون في الأسرة يعانون شظف العيش
وبينما عارض عدنان قطب الأعمال بسبب إطلاقه الاستغاثة، ووصفه بأنه “الحوت الأزرق (الأكبر) بين حيتان الأموال”، إلا انه صور نفسه على أنه الضحية الحقيقية لنظام فاسد، ووجه انتقادات حريصة لابن عمه الرئيس في خطاب قائلا “أنا أبيع أملاكي للوفاء باحتياجات أسرتي، ذلك أن مرتبي يبلغ نحو 50 دولارا بعد 42 سنة من الخدمة العسكرية”.
بدا الخطاب مثل قصيدة تملٌّقٍ تتناثر في سطورها قائمة من الشكاوى عن كيفية إقدام النظام على استغلاله مرارا، على حد وصف الكاتبة في مقالها.
وفي أكتوبر/ تشرين أول، أوردت وسائل الإعلام العربية تحديًا أكثر علنية لحكومة بشار أطلقته عمته بهيجة. كان نجلها غيدق يقاتل إلى جانب بشار في دير الزور أثناء الانتفاضة، غير أنه قتل بعد ذلك في اللاذقية في اشتباكات مع جندي للنظام جاء لاعتقاله بسبب اتهامات جنائية غامضة. وتعهدت أسرة غيدق بالانتقام في منشور على فيسبوك، لكن حذفوا المنشور بعد ذلك خوفا من التداعيات.
مؤيدو بشار يتساءلون هل كان الأمر يستحق التضحية
ومع انهيار الاقتصاد، بدأ مؤيدو الأسد العاديين يتساءلون عما إذا كانت تضحياتهم تستحق العناء. إذ دفع الموالون دمهم لاستمرار بشار، وفقدوا مئات وآلاف الرجال أثناء الحرب. وفي النهاية، توقعوا أن يحصدوا بعض الأرباح المادية: مثل المزيد من الوظائف والترقيات أو المعاملة التفضيلية في عقود الأعمال التي تمنحها الحكومة.
وبدلا من ذلك، تركتهم الحكومة المفلسة أكثر فقرا وجوعا. وقال الدبلوماسي السوري السابق باراباندي عن ذلك: إن العلويين يشعرون بالذهول من الملحمة الدائرة بين مخلوف وبشار.
وأضاف “يفكرون في أنهم فقدوا الكثير ولم يحصلوا على أي مكافأة في النهاية. إنهم يشعرون بالسخط الشديد عندما يرون هذين القريبين يتصارعان على المليارات كما يتصارع الرجل العادي من أجل قروش”.
وذكر العديد من خبراء الشؤون السورية لمجلة فورين بوليسي أن بشار الأسد يخسر دعمه بين العلويين دون شك، ولكنهم أيضا يقولون إن النظام يواصل السيطرة على البلد بقبضة حديدية ومن السابق لأوانه التعويل على نقاط ضعف بشار.
وليس سرا أن ريبال ودريد كانا يرغبان أن يخلف والدهما رفعت، وليس بشار، حافظ الأسد. ولكن ماضي الرجل العجوز تشوبه مزاعم بالمشاركة في مذبحة حماة، والآن هو في الثانية والثمانين من العمر، أي من المتأخر جدا بالنسبة له أن يخوض طريقا من الدماء متوجها إلى دمشق.
غير أن ريبال شاب ويعترف بأنه يريد أن يكون له دور نشط في السياسية السورية. وقال لمجلة فورين بوليسي “أنا أريد بالطبع، ولكن كمعارضة وليس كجزء من أي حكومة في هذه المرحلة”.