واشنطن بوست: ابن سلمان يمنع آلاف السعوديين من السفر ويخطط لمحاكمة بن نايف

نشر الصحفي الأمريكي ديفيد إغناتيوس مقالا في صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية ناقش فيه كيف يستخدم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان قرارات منع السفر ضد كل يعتبرهم تهديدا له.
وفي المقال الذي حمل عنوان “ولي العهد السعودي يستخدم منع السفر لتدعيم سلطته” استشهد الكاتب بمقولة لخالد الجابري طبيب القلب السعودي المقيم بكندا الذي قال، إن هذا الإجراء يماثل “احتجاز الرهائن ويستخدم أداة للحكم”.
ومُنع اثنان من أشقاء خالد الأصغر منه، عمر وسارة، وكلاهما في أوائل العشرينات، من السفر في يونيو/ حزيران 2017 بعد فترة وجيزة من تولي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، إذ أراد بن سلمان إجبار والدهم، وهو مسؤول مخابرات سعودي سابق يدعى سعد الجابري، على العودة إلى المملكة لمواجهة تهم بالفساد، يقول خالد إنها كاذبة.
ويشير الكاتب في مقاله إلى تحقيق يكشف أن ممارسة منع السفر إلى الخارج أوسع بكثير مما هو معترف به بشكل عام، فهو “جزء من نظام أكبر للقمع المنظم في المملكة” وفق الكاتب، حيث يستخدم ولي العهد السعودي هذا الإجراء وغيره، لتعزيز سلطته في وقت يتحرك فيه نحو ما يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أنه محاولة للاستيلاء على عرش المملكة من والده الملك سلمان، وربما يحدث هذا الأمر خلال العام الجاري، بحسب المسؤولين الأمريكيين.
ووفقًا لمحللين سعوديين وأمريكيين، فإن العدد الإجمالي للسعوديين الذين يخضعون للمنع من السفر ربما يصل إلى الآلاف. وفي العادة لا يعرف الممنوعون وضعهم حتى يذهبوا إلى المطار أو يحاولوا عبور إحدى النقاط الحدودية، حينها يتم إيقافهم ويقال لهم إن الخروج ممنوع بأمر من منظمة أمن الدولة، التي تعمل من خلال البلاط الملكي.
وفي العادة لا يوجد تفسير رسمي مكتوب، ويعتقد العديد من أفراد العائلات المحظورة، أن منع السفر ما هو إلا إجراء لإجبار منتقدي محمد بن سلمان أو من يعتقد أنهم يمثلون تهديدا له على العودة إلى المملكة.
وتبدأ قائمة السعوديين الممنوعين من السفر بأسرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، “الذي تسبب موته في عام 2015 في صراع على عرش المملكة مستمر حتى اليوم”، حسب ما يرى الكاتب.
ووفقًا لرجل أعمال غربي مطلع ومقرب من عائلة الملك عبد الله، مُنع 27 من أبناء وبنات الملك الراحل من السفر إلى الخارج منذ عام 2017، كما مُنع أيضا ما بين 52 و57 من الأحفاد و8 من أبناء الأحفاد من السفر.
وبحسب تقارير إخبارية منشورة، فإن أربعة من أبناء عبد الله البارزين وهم: “متعب” الرئيس السابق للحرس الوطني، و”مشعل” الحاكم السابق لمكة المكرمة، و”فيصل” الرئيس السابق لجمعية الهلال الأحمر السعودي، و”تركي” محافظ الرياض السابق، احتُجزوا جميعا في فندق ريتز كارلتون في الرياض في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 ضمن حملة ولي العهد السعودي على الفساد المزعوم.
وبحسب مصادر غربية وسعودية، فإنهم لا يزالون قيد الاعتقال أو الإقامة الجبرية، ولا يمكن لأسرهم مغادرة المملكة.
وينطبق حظر السفر أيضًا على زوجة وبنات محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي أطاح به محمد بن سلمان في يونيو/حزيران 2017. وزوجة محمد بن نايف، هي ريما بنت سلطان، ابنة ولي العهد السابق سلطان، سُمح لها بالسفر للخارج لفترة وجيزة في العام الماضي لتلقي العلاج، وفق مصادر سعودية وغربية، بينما مُنعت طفلتاها سارة ولؤلؤة من مغادرة المملكة.
بل إن بعض أفراد عائلة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لا يمكنهم السفر إلى الخارج أيضا، بحسب المصادر نفسها.
ونقل المقال عن مصادر خاصة قولها إن ولي العهد السعودي يقوم الآن بالإعداد لمحاكمة محمد بن نايف على خلفية تهم بالفساد، وفقا لاتهامات تزعم تبديده لأموال الأجهزة الأمنية عندما كان وزيرا للداخلية. وقال خالد الجابري إن السعوديين أطلقوا مزاعم مماثلة حول أبيه سعد الجابري، لكنه قال إن الانتربول رفض مثل هذه الاتهامات باعتبارها دوافع سياسية قبل عامين.
يشكل ما يقرب من 300 سعودي كانوا محتجزين في فندق ريتز كارلتون نسبة كبيرة من المجتمع “المحظور”. وكان من بين المعتقلين بعض أبرز رجال الأعمال في المملكة، مثل الأمير الوليد بن طلال، الذي يستثمر في عدة بنوك وفنادق حول العالم.
ورغم الإفراج عنه وعن معظم المحتجزين الآخرين بعد أن أجبروا على دفع نسبة مئوية من أصولهم المالية، فإنهم مُنعوا من السفر بحرية مع عائلاتهم، وفقًا لمصادر مختلفة.
وقال أحد المصادر من داخل إحدى العائلات المحظورة إن عدد المحتجزين السابقين في ريتز كارلتون وأفراد أسرهم الذين تم تقييد سفرهم يتراوح ما بين 2000 و2500 شخص، ولكن لا يمكن تأكيد هذا الرقم.
إلى جانب محتجزي الريتز كارلتون، قام ولي العهد السعودي أيضا باحتجاز 131 شخصية سياسية ودينية بارزة منذ سبتمبر/ أيلول 2017، بحسب قائمة جمعتها منظمة هيومن رايتس ووتش في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كما تعرضت عائلاتهم لحظر السفر.
ومن ضمن إحدى الحالات المبكرة التي أظهرت كيفية عمل النظام السعودي الحالي كانت في 10 سبتمبر/أيلول 2017، حين اعتُقل الداعية والمفكر الإسلامي سلمان العودة، فقام شقيقه خالد بنشر الخبر على الفور في تغريدة، ليتم اعتقال خالد بعدها بيومين، وكلاهما لا يزالان في السجن إلى الآن، وفقا لمراقبي حقوق الإنسان.
ومنذ ذلك الحين، مُنع 17 فرداً من عائلة العودة، بعضهم دون سن العاشرة، من السفر إلى الخارج، بحسب عبد الله العودة، الأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن. كان عبد الله خارج البلاد عندما سجن والده ورفض المطالبات السعودية بالعودة إلى المملكة.
يقول عبد الله العودة “(منع السفر) ممارسة منتشرة الآن في المملكة العربية السعودية، يستخدمونها لتهديد الأسر أو لتخويفهم أو لإسكاتهم”.
ومثال آخر على أسلوب الضغط هذا، هو حظر السفر الذي فرض عام 2017 على نجل الصحفي المغدور جمال خاشقجي، عندما مُنع ابنه الأكبر، صلاح، من مغادرة المملكة، وأُبلغ خاشقجي بأن ابنه سيكون حراً في المغادرة في حال عودة الصحفي المنشق إلى البلاد.
وقُتل خاشقجي، الذي قاوم هذا الترهيب، في القنصلية السعودية في إسطنبول في أكتوبر/ تشرين 2018، بناء على ما تعتقد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنها أوامر من ولي العهد السعودي.
ويمضي الكاتب في ذكر عدة أمثلة أخرى لهذا الأسلوب في الحكم، ثم يختتم مقاله قائلا إن احتجاز أفراد أبرياء من العائلة رهائن لابتزاز التعاون، هو ممارسة مميزة لمعظم الأنظمة الوحشية عبر التاريخ، ولكن مع تسارع آلة القمع السعودية، أصبحت تلك الممارسة جزءاً أصيلاً من نظام حكم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.