“حسابات خاطئة” لليونان.. هل تقرّب تركيا ومصر بشرق المتوسط؟

عُقدت الجولة الـ 12 من المفاوضات الفنية حول مسألة تعيين الحدود البحرية، على هامش المباحثات بين وزيري خارجية مصر واليونان، سامح شكري ونيكوس دندياس.
حيث تم مواصلة العمل بين الجانبين للتوصل إلى اتفاق يحقق مصالح البلدين الصديقين، بحسب بيان للخارجية المصرية.
جاء البيان عقب ساعات من توقعات إعلامية بإمكانية توقيع اتفاق بين القاهرة وأثينا؛ لتقليل فرص تركيا في الحصول على حقوقها بمنطقة شرق البحر المتوسط.
ومن دون أن يقدم دندياس سببا لعدم الاتفاق مع مصر، ذهب ليتحدث عن أن الاتفاق التركي- الليبي بشأن مناطق النفود البحرية، الموقع في نوفمبر/ تشرين ثان 2019، سيكون بلا أثر، حال تغيير الحكومة الليبية الحالية (المعترف بها دوليا). رغم أن خارجية مصر قالت، عقب وقت قصير من توقيع الاتفاق، إنه لا يمس مصالحها.
وبهذا التأجيل، يتأكد أن اليونان تجعل من فرص تقارب أنقرة والقاهرة أمرا ممكنا، رغم تعقيدات سياسية.

وفي معادلات المصالح والحقوق بمنطقة شرق المتوسط، ستكون تلك الأطراف البارزة الثلاثة (أنقرة والقاهرة وأثينا) أمام سيناريوهات أقربها للتحقق هو حدوث تقارب مصري- تركي، في ظل جمود يوناني، وذلك على النحو التالي:
أولا: اليونان.. حسابات خاطئة
وقعت اليونان في 2 يناير/كانون الثاني 2020 مع قبرص الرومية وإسرائيل اتفاقا لمد خط أنابيب شرق المتوسط (إيست ميد) تحت البحر بطول 1900 كلم، لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوربا، مع غياب مصر ذات العلاقات المتميزة مع تلك البلدان.
وتدرك اليونان أن إيست ميد، وفق تقارير، يمس مساعي وخطط ومشاريع القاهرة لتحويل مصر إلى منصة إقليمية لتصدير الغاز في شرق المتوسط في المدى البعيد، بجانب حديث مراقبين عن أنه سيواجه عوائق وتحفظات من تركيا وروسيا وإيطاليا، فضلا عن جدواه الاقتصادية الضعيفة ومخاطره الكبيرة.
ولم تضع أثينا مصالح القاهرة في الاعتبار، متعلقة بسردية أزمتها مع أنقرة، وبالتالي سيكون إيست ميد ملفا سياسيا أقرب منه اقتصاديا، ولن تكون اليونان رابحة فيه بشكل مجدٍ، في ظل تعقيدات شرق المتوسط.
فضلا عن أن عدم قدرة أثينا على حسم مفاوضاتها مع القاهرة، في جولتها الـ 12، يكشف عن تشبث اليونان بأطروحات غير قابلة للتنازل، وهو ما سيؤخر حسم أي اتفاق مع القاهرة، التي تبحث بلا شك عن مصالحها.
وثائق الجزيرة مباشر
ولا يغيب عن هذا النطاق، ما أوردته حصريا قناة الجزيرة مباشر، في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2019، من وثيقتين، لم تعلق عليهما القاهرة ولا أثينا، تتحدثان عن توصية مصرية برفض الطرح اليوناني لترسيم الحدود، لتمسكه بمواقف قد تؤدي لخسارة مصر مساحات من مياهها الاقتصادية، مع استمرار المفاوضات للتوافق والاستفادة من الموارد.
وتشير وثيقة إلى تقرير للخارجية المصرية، في 2017، يتحدث عن لجوء أثينا إلى مغالطات وادعاءات وأساليب ملتوية في المفاوضات عن تعمد استغلال التوافق السياسي بين البلدين لإحراج فريق التفاوض المصري.
وتبحث أثينا دائما عن انتصارات أحادية تعزز الجبهة الداخلية وتخصم نقاطا من حقوق تركيا على حساب مصر، وتقوى تحركاتها المستقبلية في أي مفاوضات.
ويبدو أن الأمر سيظل في إطار حسابات خاطئة، إلا إذا غيرت اليونان وجهتها، وهذا غير متوقع إلى وقت قريب.
ثانيا: مصر.. لا تخوض معركتين ومصالحها أولا
لن تغامر مصر بخوض معركة شرق المتوسط حاليا بحسم، لأمرين مهمين، الأول هو أنها لا تزال على جبهة معركة سد النهضة الإثيوبي، وقدمت طلبا إلى مجلس الأمن ليتدخل بشكل حاسم، خاصة وأن إثيوبيا مُصرة على الملء المنفرد للسد، الشهر المقبل، باتفاق أو بلا اتفاق.

فضلا عن أن مصالح مصر حاليا، لا تمَس بالاتفاق الليبي- التركي المزعج لليونان، وبالتالي لن تخوض معركة لصالح أثينا، كما أن سياسيات القاهرة الخارجية، في السنوات الأخيرة، تركز على تعظيم مصالحها، وبالتالي لن تقبل بخسارة في مفاوضاتها مع اليونان.
إن موقع مصر الجيو-استراتيجي يجعلها، مع اعتبار أن الوقت في صالحها، من أبرز المستفيدين من حقوقها بشرق المتوسط، ولن تقدم على اتفاق ترسيم حدود بحرية أو مناطق بحرية على نحو ما حدث مع قبرص الرومية، في 2014، وذلك لاعتبار أهم، هو أن موقف مصر التفاوضي مع اليونان أصبح أقوى بعد الاتفاق التركي- الليبي، وهو ما يجعل القاهرة أقرب إلى أنقرة وليس أثينا.
نعم الاتفاق التركي- الليبي رُفض مصريا بشكل رسمي، لكن لأسباب معروفة مرتبطة بالتحالف مع اليونان وقبرص الرومية، والخلاف السياسي مع أنقرة، لكن مصر لم تغلق الباب كاملا منذ أزمة 2013، إذ إن المسارات الاقتصادية لا تزال نشطة بين أنقرة والقاهرة.
وبافتراض أن مصر وتركيا لن تذهبا إلى اتفاق مكتوب بديلا عن اليوناني المحتمل، في ظل ما سبق ذكره، فإنه على الأقل سيبقى التقارب الصامت موجودا، في ظل قناعة مصر بأن الاتفاق التركي- الليبي ليس مضرا بمصالحها.
وسيمثل هذا الاتفاق أحد أدوات القاهرة للحفاظ على مكاسبها والضغط في أي جولة مفاوضات، كي تتراجع اليونان عن توسعاتها غير القانونية بشرق المتوسط، على حساب المصالح المصرية، خاصة وأن المعارضة المصرية في الخارج تردد أن النظام سيخسر مساحة من المياه الاقتصادية لصالح أثينا.
ولن تقطع مصر شعرة معاوية مع تركيا، ومصالحهما الاقتصادية، من أجل صراع أثينا مع أنقرة، ولن تتنازل عن مصالحها في شرق المتوسط، مع آمالها في التحول لمنصة إقليمية للغاز، خاصة مع تحرك منفرد لليونان وقبرص الرومية وإسرائيل بمشروع ايست ميد مسّا بمصالحها، وهو ما لم يفعله الاتفاق التركي- الليبي.
ثالثا: تركيا.. حق سيادي وباب مفاوضات لم يُغلق بعد
من المعروف أن تركيا هي المركز الإقليمي للطاقة في أوربا، بفضل موقعها الجغرافي بين الدول المصدرة للغاز في آسيا والسوق الأوربي، وامتلاكها شبكة واسعة من خطوط أنابيب الغاز الطبيعي.
وفي مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2019، بعد 4 أيام من توقيع الاتفاق بين أنقرة وطرابلس، جدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تأكيده على أن الاتفاق حول تحديد النفوذ البحري في البحر المتوسط مع ليبيا، هو حق سيادي للبلدين.
آنذاك، أعلن متحدث الخارجية التركية، حامي أقصوي، في بيان، أن تركيا دعت الأطراف (بلاد شرق المتوسط)، قبل توقيع الاتفاق، إلى مفاوضات للتوصل إلى تفاهم عادل، وأن تركيا لا تزال مستعدة للتفاوض.
وفيما تؤكد أنقرة أن باب التفاوض لم يُغلق في منطقة شرق المتوسط، يبدو أن قطار التفاهمات ربما يتحرك في أقرب فرصة ممكنة نحو تقارب مصري- تركي يتجاوز، بلغة المصالح، الحسابات الخاطئة لأثينا.