رويترز تكشف “الوثائق الحساسة” التي يطارد ابن سلمان بسببها مسؤول مخابرات سابق

كشف تقرير لوكالة رويترز عن السبب الذي يسعى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من أجله للضغط على مسؤول سابق في المخابرات ودفعه للعودة إلى السعودية من كندا حيث يعيش.
وقال التقرير إنه عندما شرع الأمير محمد بن سلمان في إحكام قبضته على السلطة خلال الأعوام القليلة الماضية اعتقل عددا من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والشخصيات المعارضة، لكن مسؤول المخابرات السابق سعد الجبري ظل يراوغه.
وأضاف التقرير أن الجبري ظل لفترة طويلة مساعدا للأمير محمد بن نايف الذي كان وليا للعهد وأطيح به من ولاية العهد في انقلاب قصر في 2017 ليصبح الأمير محمد حاكما فعليا للسعودية.
وتقول أسرة الجبري إن ولي العهد عمد في الشهور الأخيرة إلى زيادة الضغط على أقاربه بما في ذلك اعتقال ابنيه البالغين لمحاولة إرغامه على العودة إلى المملكة من منفاه في كندا.
ونقل التقرير عن “أربعة مصادر مطلعة على الأمر إن أنظار ولي العهد تنصب على وثائق متاحة للجبري تتضمن معلومات حساسة”.

وقال التقرير إن السلطات في الرياض اعتقلت الأمير محمد بن نايف واثنين آخرين من كبار أفراد الأسرة الحاكمة في مارس/ آذار الماضي في أحدث حلقة من سلسلة من الإجراءات الاستثنائية التي تهدف فيما يبدو إلى تعزيز نفوذ الأمير محمد بن سلمان داخل أسرة آل سعود الحاكمة والتخلص مما قد يبدو تهديدا لسلطته قبل أن يخلف الملك سلمان (85 عاما) سواء بوفاته أو بتنازله عن العرش.
ونقل التقرير عن “اثنين من المصادر المطلعة على الوضع وهما من السعوديين ممن لهم صلات بذوي الشأن أن عددا من كبار مسؤولي وزارة الداخلية اعتقلوا أيضا في مارس/آذار”.
وأضاف التقرير أن أسرة الجبري قالت إنه بعد أيام من اعتقال الأمير محمد بن نايف ألقت السلطات السعودية القبض على اثنين من أبناء الجبري هما عمر (21 عاما) وسارة (20 عاما) في مداهمة ساعة الفجر لبيت الأسرة في العاصمة الرياض.
وأعقب ذلك اعتقال شقيق مسؤول المخابرات السابق في أوائل مايو/ أيار الماضي. وأكد ثلاثة من المصادر المطلعة على الأمر احتجاز أقارب الجبري.
ونقل التقرير عن “المصادر الأربعة المطلعة إن ولي العهد يعتقد أن بإمكانه استخدام الوثائق الموجودة بحوزة الجبري ضد منافسيه الحاليين على العرش”، مضيفا أن المصادر ذكرت أن الأمير محمد بن سلمان “يخشى أيضا أن تتضمن هذه الوثائق معلومات إضافية قد تمسه هو ووالده الملك”.
وأضاف التقرير أن “مصدرين سعوديين مطلعين ومسؤول سابق في الأمن الإقليمي أوضحوا أن الوثائق تتضمن معلومات عن أرصدة وممتلكات الأمير محمد بن نايف في الخارج وهو ما قد يفيد الأمير محمد بن سلمان في الضغط على سلفه”.
ونقل التقرير عن أحد المصدرين السعوديين ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ودبلوماسي قولهم “إن هناك أيضا ملفات حساسة متاحة للجبري تتعلق بالمعاملات المالية لأفراد كبار في الأسرة الحاكمة من بينهم الملك سلمان وابنه ولي العهد”.
وقال الدبلوماسي إن بعض المعلومات يتعلق بصفقات أراض ومعاملات، لكنه اكتفى بالقول إنها تتعلق بالملك سلمان في الفترة التي كان فيها أميرا للرياض وهو منصب أمضى فيه قرابة أربعة عقود قبل ارتقاء العرش في عام 2015.
وقال أحد المصدرين السعوديين المطلعين إن ولي العهد يريد توجيه اتهامات إلى الأمير محمد بن نايف تتعلق بمزاعم فساد خلال الفترة التي كان الأمير يتولى فيها وزارة الداخلية.
وأضاف المصدر “يريدون الجبري منذ فترة طويلة باعتباره ذراع الأمير محمد بن نايف اليمنى”.

ولم تؤكد الحكومة السعودية احتجاز ابني الجبري أو شقيقه عبد الرحمن الجبري أو تعلق على هذا الأمر. وقالت رويترز إن مكتب التواصل الحكومي السعودي لم يرد على استفسارات من جانبها عن الاعتقالات أو أسبابها.
وقالت أسرة الجبري وأحد المصدرين السعوديين المطلعين إن السلطات السعودية اتهمت الجبري بالفساد لكنها لم تسهب في الحديث عن طبيعة الاتهامات. وتقول الأسرة إن هذه الاتهامات زائفة.
وأوضحت رويترز أن سعد الجبري امتنع عن التعليق من خلال ابنه.
ونقل التقرير عن مسؤول أمريكي أن واشنطن أثارت قضية احتجاز ابن الجبري وابنته مع القيادة السعودية، مشيرا إلى أن العديد من مسؤولي الحكومة الأمريكية عملوا مباشرة مع الجبري لفترة طويلة وإنه كان “شريكا قويا جدا جدا في مكافحة الإرهاب”.
وقال مسؤول أمريكي ثان في واشنطن إن الولايات المتحدة على اتصال بأسرة الجبري في كندا وإنها “تستكشف سبل المساعدة”، مضيفا “نحن نشعر بقلق عميق لتقارير احتجاز أولاد الجبري وندين بشدة أي اضطهاد قائم على الظلم لأفراد الأسرة مهما كانت الاتهامات الموجهة للجابري”.
وقالت سيرين خوري المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية إن كندا تشعر بالقلق أيضا لاحتجاز أولاد الجبري. ولم تخض في تفاصيل عما إذا كانت كندا تأخذ خطوات معينة.
وذكر التقرير أن سعد الجبري عمل على مدى ما يقرب من عقدين من الزمان عن كثب مع الأمير محمد بن نايف وساعد في إصلاح عمليات المخابرات ومكافحة الإرهاب وبناء علاقات وثيقة مع المسؤولين الغربيين.
وقال مسؤول الأمن الإقليمي السابق “كانت عنده كل الملفات عن كل شيء وعن كل واحد”. وأضاف أن الجبري كان ينسق العلاقات بين المخابرات السعودية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية.
وعندما تولى الملك سلمان العرش في يناير/ كانون الثاني 2015 عين الجبري في منصب وزير دولة. وأصبح الأمير محمد بن نايف وليا للعهد في أبريل/ نيسان 2015.
وقال خالد الجبري ابن سعد الجبري إن العلاقات في ذلك الوقت بين والده والأمير محمد بن سلمان “كانت طيبة فعلا في البداية”، لكنها سرعان ما ساءت وساهم في ذلك خصوم مقربون من الأمير محمد زعموا أن الجبري عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وقال التقرير إن أسرة الجبري تنفي بشدة صحة هذا الزعم.
وقال خالد الجبري، الذي يعيش الآن في كندا مع والده، إن والده علم بعد أربعة أشهر في أغسطس/ آب من عام 2015 بعزله من منصبه عن طريق التلفزيون السعودي.

وأصبح سعد الجبري مستشارا شخصيا للأمير محمد بن نايف وهو منصب ظل يشغله حتى الإطاحة بالأمير من منصبي ولي العهد ووزير الداخلية في يونيو/ حزيران 2017.
ووصف المصدران السعوديان المطلعان والدبلوماسي الجبري بأنه شديد الولاء للأمير محمد بن نايف.
وقال خالد لرويتر إن السلطات السعودية بذلت منذ انتقل سعد الجبري إلى كندا في 2017، محاولات متكررة لإغرائه بالعودة للمملكة سواء مباشرة أو عن طريق وسطاء.
وأضاف أن شقيقه وشقيقته منعا من مغادرة المملكة منذ أكثر من عامين قبل اعتقالهما وإن السلطات استجوبتهما أكثر من مرة للسؤال عن والدهما.
وقال خالد إن الأمير محمد بن سلمان قدم عرضا في 2017 لوالده للسماح لابنه وابنته بالسفر مقابل عودته.
وقالت الأسرة إنها لا تعلم مكان احتجاز الاثنين وعاجزة عن التواصل معهما. وقال خالد “كل مرة نسأل فيها أشخاصا في الداخل (بالسعودية) يقال لنا إن الأمير محمد بن سلمان يتولى أمر احتجازهما بنفسه ولا تتعب نفسك بالسؤال عن التفاصيل”.
وينقل التقرير عن خالد والدبلوماسي ومسؤول الأمن الإقليمي السابق ومصدر سابق بمخابرات غربية إن معرفة الجبري العميقة ببعض من أشد المعلومات حساسية في المملكة وكذلك شعبيته في الدوائر السياسية الغربية وبين بعض من قدامى مسؤولي الأمن في السعودية جعلتا منه هدفا.
وقال الدبلوماسي أيضا إن من الممكن أن يُعتبر الجبري مصدر تهديد للأمير محمد بن سلمان إذا فشل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في الفوز بفترة رئاسة ثانية، إذ دافع الرئيس ترمب عن العلاقات الاستراتيجية مع المملكة في مجالي الدفاع والطاقة خلال الضجة العالمية التي أثارها مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
وقالت الأسرة إنها طلبت المساعدة من أعضاء في الكونغرس الأمريكي. وقال مكتبا السناتور ماركو روبيو والسناتور باتريك ليهي إن عضوي مجلس الشيوخ تحدثا مع أسرة الجبري.
وقال تيم ريزر أحد كبار مساعدى السناتور الديمقراطي ليهي في شؤون السياسة الخارجية إن أعضاء في الكونغرس يشعرون بالقلق “من اختفاء الشابين بعد أن ألقت قوات الأمن السعودية القبض عليهما”.
وأضاف “يبدو أنهما مستخدمان كرهينتين لمحاولة إجبار والدهما على العودة إلى السعودية”. وقال إن مكتب السناتور ليهي يسعى للحصول على معلومات عن مكان وجودهما ويطالب بإطلاق سراحهما.
وقال التقرير إن ولي العهد السعودي أثار انتقادات لمحاولاته إسكات المعارضين وتهميش الخصوم. وتعرض الأمير محمد بن سلمان لانتقادات دولية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي في 2018 في قنصلية المملكة في مدينة إسطنبول.
وذكر التقرير أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قالت إن ولي العهد أمر بقتله.
ونفى الأمير محمد إصدار الأمر بقتل خاشقجي، لكنه قال إنه يتحمل في النهاية “المسؤولية الكاملة” باعتباره الحاكم الفعلي للمملكة.
ويقول مراقبون سعوديون ودبلوماسيون إن الأمير محمد ازداد قلقه على وضعه في الداخل والخارج في أعقاب مقتل خاشقجي.
وأبدى بعض أفراد الأسرة الحاكمة ونخبة قطاع الأعمال شعورا بالإحباط من قيادته في أعقاب أكبر هجوم تعرضت له منشآت البنية التحتية النفطية بالمملكة في سبتمبر/ أيلول الماضي.
كذلك يوجد استياء في الداخل حيث تضرر الاقتصاد بشدة من جائحة فيروس كورونا وأسعار النفط المنخفضة وهو ما أدى إلى فرض إجراءات تقشف.