نقص مواد غذائية وأدوية وتأخير في الرواتب وإضراب آلاف الموظفين.. أزمة حادة تحاصر تونس

يعاني التونسيون من تأخير في دفع الرواتب ونقص من أدوية ومواد غذائية أساسية مثل الحبوب والسكر والزيت، في إشارة واضحة إلى أزمة للمالية العامة تلوح في الأفق بسرعة ويبدو من الصعب تفاديها في الأجل القصير، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
ففي حي التحرير بالعاصمة تونس، وقف أحمد بن سالم الذي يعمل سائق سيارة أجرة، منتظرا في طابور طويل خارج مخبز قلص أوقات العمل لفترة صباحية فقط، لأن الإمدادات من الطحين أصبحت محدودة أكثر مما كانت في السابق.
يقول أحمد لرويترز “هذه ليست رحلتي التسوقية الوحيدة الفاشلة.. طيلة أيام الشهر الماضي، كنت أتجول في كامل المنطقة بحثا عن السميد والزيت.. ذهبت لكل المتاجر الموجودة هنا ولكن دون أمل”.
وتستورد الحكومة وتدعم العديد من السلع الأساسية التي من شأنها تفجير أزمة اجتماعية حادة، وقد تُفاقم أيضا الأزمة السياسية بعد أن عزز الرئيس قيس سعيّد قبضته على أغلب السلطات.
وألقى سعيّد ومسؤولون حكوميون باللوم في تأخير صرف الرواتب والنقص من مواد غذائية على الإضرابات النقابية أو المضاربين في السوق أو حتى مؤامرة من قبل خصومه.
وقال سعيّد الشهر الماضي “بعد أزمة البنزين، الآن يحاولون تجويع الناس من خلال الأدوية والإمدادات الغذائية”، في إشارة إلى أن نقص المواد التموينية يقف وراءه بعض الخصوم.
لكن خبراء اقتصاديين يقولون إن هناك سببا أبسط بكثير: الموارد المالية لتونس تنفد والحكومة تكافح لدفع رواتب موظفي الدولة وفواتير المورّدين الأجانب، بينما توقفت المحادثات بشأن حزمة إنقاذ مالي مع صندوق النقد الدولي مرارا بسبب الاضطرابات السياسية في تونس، لكنها استؤنفت هذا الشهر.
ويُنظر إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على أنه ضروري لإطلاق مزيد من المساعدة الثنائية من الحلفاء الغربيين ودول الخليج بينما تحاول تونس تمويل عجزها المالي المتنامي وسداد ديونها.
وكان محافظ البنك المركزي مروان العباسي قد حذر العام الماضي من أن تونس تخاطر بأزمة حادة تقود إلى معدلات تضخم لا يمكن التحكم فيها مثلما حدث في فنزويلا.

وفي يناير/كانون الثاني، تأخرت رواتب المعلمين أكثر من أسبوع مما فجّر موجة غضب واسعة وأثار تساؤلات عن قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها.
وحذّر دبلوماسيون من أن مثل هذه التأخيرات قد تزداد شيوعا إذا لم يكن للحكومة قدرة على إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي في الربيع، وهو أمر يقولون إنه يبدو غير مرجح.

أزمة كبيرة
وقال الخبير الاقتصادي والمالي عز الدين سعيدان لرويترز “إذا لم تتوصل السلطات إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي فلن تكون قادرة على حشد القروض اللازمة ولن تكون قادرة على تغطية الإنفاق العام إلا بأسوأ الحلول مثل طباعة النقود”.
وأشار إلى أن ذلك قد يؤدي إلى انخفاض حاد في قيمة العملة وتضخم مرتفع للغاية ونضوب أسرع للموارد المالية المتبقية في تونس مما سيفاقم مشكلات التزود بمواد أساسية حيوية مثل الحبوب والأدوية.
ومنذ ديسمبر/كانون الأول، قال نقابيون في ميناء صفاقس إن العديد من شحنات الحبوب لم تفرغ حمولتها لأن الدولة لا تستطيع دفع ثمنها.
ميناء صفاقس: باخرتان محملتان بالقمح في انتظار التفريغ منذ أكثر من أسبوع… https://t.co/dr0aVSfapT
— البلاد نيوز (@leblednews) February 9, 2022
ويعاني ديوان الحبوب المملوك للدولة مشكلات مالية حادة مثل أغلب الشركات العامة في البلاد.
لكن وزيرة التجارة فضيلة الرابحي أرجعت التأخيرات إلى إضرابات نقابية وارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق العالمية وقالت إنه يوجد ما يكفي من الحبوب حتى مايو/أيار.
وعلى الرغم من أن الدولة لم ترفع أسعار الدقيق، فإن مخابز عديدة رفعت سعر الخبز بمقدار الربع على الأقل لأن أصحابها لا يستطيعون الحصول على ما يكفي من الدقيق المدعوم ويضطرون إلى استخدام أنواع أخرى من الدقيق الأعلى ثمنا.
وقال مجمع المخابز العصرية إن هناك نقصا مستمرا في الدقيق المدعوم منذ 3 أشهر، مما يهدد بتعطيل النشاط ودفع مئات المخابز إلى الإغلاق وينبئ بإحالة آلاف العمال إلى البطالة.
ونقص المواد الغذائية ليس الإشارة الوحيدة للأزمة المالية الخانقة في تونس، فالعديد من الأدوية لم تعد موجودة.
ويجري شراء العديد من الأدوية مركزيا، واختفت أدوية كثيرة مثل أدوية السكري وأمراض القلب من الصيدليات.
إضراب عن العمل
ودخل 37 ألف عامل وموظف بلدي تونسي، الإثنين، في إضراب لمدة يومين من أجل مطالب مالية واجتماعية.
وقال عبد الجبار بالطيب، عضو الجامعة العامة للبلديين التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر النقابات العمالية في البلاد) إن 37 ألف عامل وموظف بلدي دخلوا في إضراب لمدة يومين.
جميع موظفي وعملة البلديات في #تونس في إضراب اليوم وغداhttps://t.co/Pv2TfnyAI6
— Tunigate – بوابة تونس (@Tunigate) February 21, 2022
وأضاف في حديث مع الأناضول “كان الإضراب ناجحا 100 بالمئة.. نحن ننفذ الإضراب تطبيقا لمقررات هيئتنا الإدارية الصادرة الشهر الماضي، بعد تلكؤ وعدم استجابة رئاسة الحكومة وسلطة الإشراف لتنفيذ الاتفاقات المبرمة سابقا”.
وتابع “نطالب بقانون أساسي للبلديين وإعادة توظيف المتعاقدين حسب الشهادات العلمية الحاصلين عليها”.
وعن المطالب المالية قال بالطيب “نطالب بالترفيع في المنحة (علاوة مالية لم يحدد مقدارها) وهي ليست لها انعكاسات مالية كبيرة”.
احتجاج “القضاة التونسيين”
ودعت جمعية القضاة التونسيين (مستقلة)، الثلاثاء، إلى تأخير جلسات المحاكمة ساعة وحمل الشارة الحمراء بشكل دائم إلى حين استعادة السلطة القضائية لمكانتها الطبيعية.
وقالت الجمعية إنها “تدعو القضاة إلى تأخير الجلسات ساعة وحمل الشارة الحمراء (تُربط على معصم) بشكل دائم إلى حين استعادة السلطة القضائية لمكانتها الطبيعية بوصفها سلطة من سلطات الدولة واستعادة ضمانات استقلالها الهيكلية والوظيفية”.
ويرفض المجلس الأعلى للقضاء حله “في غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك”، ويتمسك بأنه “المؤسسة الدستورية الشرعية الوحيدة الممثلة للسلطة القضائية”.
ويمثل حل مجلس القضاء حلقة جديدة ضمن أزمة سياسية حادة تعانيها تونس منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين بدأ سعيّد فرض “إجراءات استثنائية” منها تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة.
وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية في تونس هذه الإجراءات، وتعدّها “انقلابا على الدستور”، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها “تصحيحا لمسار الثورة” التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي.