القصة كاملة.. تحقيق للجزيرة يتتبع خيوط ادعاء قطع رؤوس 40 طفلا إسرائيليا قرب غزة (فيديو)
شكّلت الادعاءات التي تحدثت عن “قطع رؤوس 40 طفلًا” إسرائيليًا خلال الهجمات التي نفّذتها كتائب القسام على المدن والمستوطنات الإسرائيلية القريبة من غزة في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول، شهادة صارخة على انتشار المعلومات والروايات التي لم يتم التحقق منها التي بدورها تؤجج نيران الحرب، وتؤدي إلى عواقب وخيمة على المدى الطويل.
وتتبعت وكالة “سند” للرصد والتحقق الإخباري في شبكة الجزيرة خيوط الادعاءات ومصادر الرواية التي دفعت بانتشار هذه الأخبار دون التحقق منها، لتشكيل جبهة رأي عام عالمي ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، ولتبرير الهجمات الإسرائيلية غير المسبوقة ضدهم.
واستند تحقيق “سند” على سلسلة محاور رئيسة، وتتمثل بتتبع القصة من بدايتها، وتحليل شبكة الترويج للمعلومات على مستوى عالمي، وحقيقة دور الذكاء الاصطناعي، وكذلك رأي الطب الشرعي والمختصين بصور الأطفال القتلى التي بثتها الحكومة الإسرائيلية، إلى جانب التحقيقات والشهادات والمعطيات منذ اللحظة الأولى لانتشار المعلومة.
وبدأت مزاعم المذبحة بحق الأطفال في “كيبوتس” كفار عزة قرب الحدود مع قطاع غزة من الصحفية الإسرائيلية نيكول زيديك التي تعمل في قناة (i24) الإسرائيلية ومقرها تل أبيب، التي سردت الادعاءات على الهواء مباشرة في “كيبوتس” كفار عزة، لتتحول هذه المعلومة إلى ضجة رقمية هائلة على مستوى العالم، على الرغم من عدم وجود أي تأكيد رسمي إسرائيلي، إلا هذه الرواية وجدت جمهورًا كبيرًا وخاصة بين الدوائر اليمينية الغربية.
Israel exposes gruesome scenes in Kibbutz Kfar Aza, including scored burned alive and babies beheaded
'All of us left our families and we took the green clothes, we took the weapon and we went, because we have one enemy' Deputy commander, IDF unit 71 David Ben Zion says pic.twitter.com/jgGrVmRMqY
— i24NEWS English (@i24NEWS_EN) October 11, 2023
ومع الانتشار الكبير للادعاءات حول قطع رؤوس الأطفال في كفار عزة، قال مجموعة صحفيين كانوا في “الكيبوتس” الإسرائيلي نفسه، وفي التوقيت ذاته لوجود مراسلة القناة الإسرائيلية التي تحدثت حول الموضوع، إنهم لم يجدوا أي دليل على هذه “الادعاءات الشنيعة” رغم إجرائهم للكثير من المقابلات مع الجنود والمسؤولين هناك.
وقال الصحفيان صموئيل فوري وأورين زيف اللذان كانا في “كيبوتس” كفار عزة، إنهما لم يسمعا من شهود العيان أو الجنود، روايات متعلقة بذبح أطفال إسرائيليين.
Mise au point : j'étais hier à Kfar Aza. Personne ne m'a parlé de décapitations, encore moins d'enfants décapités, encore moins de 40 enfants décapités.
— Samuel Forey (@SamForey) October 11, 2023
وتعزز التناقضات بين التقارير المتداولة من القناة الإسرائيلية والنتائج الميدانية وشهادات الصحفيين، التحدي المتمثل في التحقق من المعلومات في خضم النزاع، حيث إن المعلومات المضللة قد تصعّد الأعمال العدائية وتبررها بشكل كبير ضد المدنيين في غزة.
ويكشف تحقيق موقع (The Grayzone) الأمريكي، أن الادعاء بأن أفراد المقاومة يقطعون رؤوس الأطفال الإسرائيليين، قد نُشر من جندي إسرائيلي يُدعى ديفيد بن صهيون، الذي تم تعريفه على أنه زعيم استيطاني متطرف في المقابلة مع قناة “i24” الإسرائيلية.
The source of the 40 beheaded babies deception is a fanatical Israeli settler leader who called to “wipe out” a Palestinian village and seeks to destroy the al-Aqsa compound to turn an apocalyptic prophecy into reality. https://t.co/6aYXUJ58fW
Via @MaxBlumenthal and…
— Dan Cohen (@dancohen3000) October 12, 2023
وتراجعت وسائل إعلام وصحفيون عن تقاريرهم الأولية بشأن الموضوع أو تحفظوا عليها بعد أن تعذر إثبات الحقائق، مثل الصحفية بيل ترو من “الإندبندنت”، وقناة “CNN” الأمريكية، بالإضافة إلى البيت الأبيض الذي تراجع عن التصريح الذي أدلى به الرئيس بايدن عندما ادعى أنه شاهد صورًا لـ”إرهابيين” يقطعون رؤوس أطفال في إسرائيل، لكن إدارة بايدن تراجعت لاحقًا عن هذا الادعاء قائلة إنه كان يشير إلى تقارير إسرائيلية وليس المشاهدة الشخصية للصور.
تحليل شبكي معمق
وأجرت وكالة سند تحليلًا موسعًا لتداول الرواية والمعلومات المتعلقة بها على منصة “إكس” بشكل حصري، وشمل هذا التحليل أكثر من (30 ألف) تفاعل من حوالي (25 ألف) حساب على “إكس” في غضون 4 ساعات من نشر التغريدة الأولى، ليكشف التحليل عن شبكة المعلومات الخاطئة، كما سلط الضوء على لاعبين رئيسيين في الترويج للادعاء دون التحقق منه عبر الفجوة الرقمية.
سلط التحليل الضوء على لاعبين رئيسيين في الترويج للادعاء دون التحقق منه عبر الفجوة الرقمية (سند)
وبرزت الولايات المتحدة كمركز رئيس للتفاعلات في الساعات الأولى، مما يعكس حجم تأثير الإعلام الإسرائيلي الناطق باللغة الإنجليزية، تليها مباشرة الهند وإسرائيل والمملكة المتحدة، وفي وسط هذه الشبكة يقبع حساب (@HenMazzig) الذي استطاع من خلال نشاطه الحصول على أكثر من 3 ملايين مشاهدة في الساعات الأولى من التغريدة، وهو ناشط إسرائيلي من (LGBT) من أصول عراقية، ويظهر بانتظام على قنوات بريطانية، وحتى اللحظة لا يزال يقوم بنشر المعلومات الخاطئة.
وتمت تصفية البيانات لأعلى 100 حساب من ناحية التفاعل في الشبكة حيث حصد كل منها على أكثر من 50 ألف تفاعل، دون أن تشمل هذه التفاعلات على أي شكل من أشكال التحقق من المعلومات المتعلقة بقطع رؤوس الأطفال، وقُدمت هذه الادعاءات على أنها حقيقية وهو ما أدى إلى تغذية رواية خالية من الأدلة المثبتة.
وعلى الرغم من أن غالبية التغريدات الواسعة الانتشار قد تم فضحها في الردود عبر حسابات متحقق منها عبر “إكس”، إلا أنه من المثير للدهشة أن هذه التغريدات لم تتلق أي “ملاحظات مجتمعية”، وهو ما يؤكد أن فريق إدارة المحتوى في “إكس” تعمد تجنب إضافتها، لتحذير الجمهور من احتمالية “المعلومات المضللة”.
ورصدت “سند” أولى التغريدات التي حققت انتشارًا من خارج إسرائيل، وقد تحددت سردية المعلومات واستغلالها من خلالها، ونشر هاتين التغريدتين، حساب غابرييل نورونها، وهو موظف سابق في وزارة الخارجية الأمريكية ويرتبط الآن بالمعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، وحساب إيما ويب من “جي بي نيوز”، وهي قناة بريطانية ذات ميول يمينية، وأكدت تغريداتهما الادعاء غير الحقيقي المتعلق بالأطفال.
I visited this kibbutz, Kfar Aza, just last year. The commander who liberated it from Hamas control says they found the bodies of 40 babies.pic.twitter.com/Z7h0akwdvM
— Gabriel Noronha (@GLNoronha) October 10, 2023
Beheaded babies. Remember this when pro-Hamas protesters tell you they want a free Palestine “by any means necessary”.
Make no mistake, they are pretending to be human rights advocates while excusing an anti-Semitic Islamo-fascist pogrom
— Emma Webb (@Emma_A_Webb) October 10, 2023
ويكشف تحليل البيانات إلى أن ما يقرب من نصف العينة المحللة تنتمي إلى أفراد يعملون أو يرتبطون بشكل رئيس بالحكومة الإسرائيلية.
وتشكل الحسابات الأمريكية حوالي 35% من نسبة العينة، وتظهر أنها مرتبطة بشكل كبير بالأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي يتصدرها شخصيات بارزة مثل بن شابيرو، وهو يوتيوبر صهيوني أمريكي معروف انتشرت تغريداته على نطاق واسع، الأمر الذي زاد من تأجيج نيران الرواية غير المتحقق منها.
ومن بين المروجين الرئيسيين للادعاء كان حساب (Libs of TikTok) وهو مركز لحسابات التواصل الاجتماعي اليمينية المتطرفة، ومن بين هؤلاء أيضًا مراسلون إعلاميون من (سي إن إن) و(فوكس نيوز)، رغم أن هذه الوسائل الإعلامية تقدم عادة روايات متناقضة أو متباينة حول قضايا مختلفة.
Hamas terrorists burned Jewish children alive. There are no words to describe these atrocities.
Source: @IsraelWarRoom #StopHamas pic.twitter.com/rlFwIEtuHq
— Libs of TikTok (@libsoftiktok) October 10, 2023
ومع ذلك، فقد قادت رواية “الرؤوس المقطوعة للأطفال” الشبكتين الأمريكيتين ولو لفترة وجيزة، إلى عالم المعلومات غير المؤكدة، وقد ابتعدت عن مساراتها التحريرية المعتادة.
كما تصدر صحفيون التغريدات المنتشرة في المملكة المتحدة أيضًا بالإضافة إلى سياسية يمينية تنتمي إلى حزب “بريطانيا أولًا” المعروف بتوجهاته المتطرفة والعدائية تجاه العرب والمسلمين.
حقيقة الصور والذكاء الاصطناعي
ومع الرواج الكبير للصور والتشكيك الذي طرأ على الرواية والتراجع عنها وغياب المعلومة الحقيقية، عمدت بعض الحسابات وأبرزها الإعلامي الأمريكي جاكسون هنكل، إلى التحقق من الصور عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوصل لنتيجة أن الصور مفبركة وتم إنتاجها بوساطة أدوات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي لقي تفاعلًا واسعًا.
Holy sh*t
The image that Ben Shapiro tried to pass off as a “burnt baby corpse” was an AI-generated fake image! pic.twitter.com/spW7PlbpvH
— Jackson Hinkle 🇺🇸 (@jacksonhinklle) October 12, 2023
لكن تحقق وكالة “سند” من هذه المعطيات، أظهر أنه من المستبعد الاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي للتحقق من الصور من احتمالية إنتاجها بوساطة الأدوات نفسها أو حتى بصنع بشري وتدخله.
وأجرى فريق “سند” تجربة على أدوات الذكاء الاصطناعي لاختبار الصور، وأظهرت نتائج متناقضة وهو ما يعزز عدم دقتها في التحليل، وهذه ليست التجربة الوحيدة، فقد أجرى مستخدمو “إكس” تجارب مختلفة أظهرت نتائج متباينة وليست موحدة.
I get a different result with the exact same image. I also saw someone get an 'inconclusive' result so this website does not seem accurate at all. https://t.co/pV0jjzMPyh pic.twitter.com/W7tAKx7pYx
— T.N. 🇳🇱🇳🇬 (@Tonio_RD) October 12, 2023
وتأكدنا بالفعل من عدم توافر أدوات للذكاء الاصطناعي يمكنها أن تحدد بشكل قاطع ودقيق، ما إذا كانت الصور منتجة بوساطة الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه تعاني الأدوات من قيود في التمييز بين المحتوى الناتج عن الذكاء الاصطناعي وعن المحتوى الذي ينتجه الإنسان.
رأي الطب الشرعي
وتحدثت وكالة “سند” مع الطبيب الشرعي السوري زاهر طقش، الذي يعمل في وزارة الصحة بمدينة إدلب شمالي سوريا، وأكد طقش، وبعد معاينته للصور التي بثتها الحكومة الإسرائيلية، أن الأطفال في الصور تعرضوا لإصابات بشظايا واضحة وحروق من الدرجة الثالثة نتيجة قصف وانفجارات كبيرة حدثت في المكان.
واستبعد الطبيب الشرعي وجود أي عمليات تصفية أو قتل متعمد أو حرق، مشيرًا إلى أن هذا يحدث في حالة وقوع انفجارات مختلفة، وهذا ما يتطابق مع الحالات التي كانوا يتعاملون معها في إدلب نتيجة الصراع هناك.