الحرب في أوكرانيا تُسرّع استيراد أوربا للسلاح وأمريكا المستفيد الأكبر

مدفع قيصر الفرنسي (غيتي)

أحدثت الحرب الروسية في أوكرانيا تحولات مثيرة للاهتمام في سوق السلاح بأوربا، القارة الوحيدة التي شهدت نموا في استيراد الأسلحة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.

وفي وقت تراجعت فيه واردات السلاح في بقية مناطق العالم، ارتفعت حصة القارة الأوربية من واردات السلاح إلى 16% بين 2018 و2022، رغم أنها لم تكن تتجاوز 11% فيما بين 2013 و2017.

وقد انخفضت هذه النسبة في منطقة آسيا وأوقيانوسيا بشكل طفيف من 42 إلى 41%. وتراجعت حصة منطقة الشرق الأوسط، من واردات السلاح من 32 إلى 31%، في ظل تعقيدات أمريكية لإتمام صفقات سلاح أمريكية مع كل من السعودية والإمارات بعد صعود جو بايدن إلى السلطة في 2021.

وشمل التراجع في واردات الأسلحة القارة الأفريقية التي تراجعت حصتها من 8 إلى 5%، متأثرة بتراجع واردات الجزائر والمغرب، وهما أكبر مستوردين للسلاح في القارة.

وأتاح ذلك المجال أمام منطقة الأمريكتين لتجاوز أفريقيا من حيث حجم واردات الأسلحة، رغم تراجعها هي الأخرى من 7% (2013-2017) إلى 5.8% (2018-2022).

دبابات ليوبارد الألمانية (رويترز)

تسارع شراء السلاح في أوربا

القلق الأوربي من التهديد الروسي خصوصا بالنسبة للدول المجاورة أو القريبة من أوكرانيا على غرار بولندا ودول البلطيق، دفع تلك الدول إلى توقيع عدة طلبيات لشراء أسلحة متطورة، استعدادا لمواجهة أي خطر محدق من الشرق.

فقد شهدت الدول الأوربية زيادة في واردات السلاح بنسبة 47% بين الفترتين المذكورتين، وترتفع هذه النسبة إلى 655% بين دول حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وفق التقرير الأحدث لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، الصادر في مارس/ آذار 2023.

وتعكس هذه الأرقام رغبة أوربية في تعزيز القدرات العسكرية، وتقديم أكبر دعم ممكن لأوكرانيا لاستنزاف الدب الروسي، حتى لا يكون سقوطها مقدمة لاستعادة موسكو الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي في 1991، أو تلك التي خرجت عن نفوذه.

ويشير معهد ستوكهولم إلى أن معظم الدول الأوربية زادت أسلحتها (إنتاجا واستيردا) “بشكل كبير”، معتبرا أن أوامر استيراد الأسلحة “ستكون لها تداعيات كبيرة في المستقبل”.

وتوحي هذه الملاحظة بأن الدول الأوربية توجد حاليا في وجه العاصفة أمام التصعيد الروسي، وهي التي عاشت لعقود بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في 1945، سلاما تحت المظلة الأمريكية التي توفر لها الحماية ضد أي تهديد، مما جعلها تركز اهتمامها على تنمية اقتصادها بدل تقوية جيوشها.

وكشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن نقاط ضعف جوهرية لدى الجيوش الأوربية، ظهرت في ضعف الإنتاج العسكري، ونقص الذخيرة، ومحدودية عدد الجنود المحترفين، مقارنة بالتهديدات المحيطة بها.

وبعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، سرعت الدول الأوربية وارداتها من الأسلحة بشكل كثيف.

منظومة صواريخ باتريوت (رويترز)

وقدم التقرير بولندا مثالا على “ثورة شراء الأسلحة في أوربا”، ففي فترة ما بين 2018 و2021، شملت طلبات وارداتها من الأسلحة 32 طائرة مقاتلة، و4 أنظمة دفاع صاروخي وجوي من الولايات المتحدة.

ولكن بمجرد اندلاع الحرب بأوكرانيا في 2022، أعلنت بولندا طلبات جديدة لـ394 دبابة، و96 مروحية قتالية، و12 صاروخًا وأنظمة دفاع جوي من الولايات المتحدة.

هذا إضافة إلى 48 طائرة مقاتلة، و1000 دبابة، و672 مدفعا ذاتي الحركة، و288 قاذفة صواريخ متعددة من كوريا الجنوبية، فضلا عن 3 فرقاطات من بريطانيا.

أوكرانيا رفعت وارداتها العسكرية أكثر من 8000%

ولم يكن مفاجئا أن تكون أوكرانيا أكبر دولة في العالم من حيث زيادة نسبة الواردات، بعد الهجوم الروسي على أراضيها في 24 فبراير/ شباط 2022، وتواصل القتال، بالتزامن مع تدفق المساعدات العسكرية الغربية على جيشها.

ففي فترة (2013-2017)، لم تكن أوكرانيا ضمن قائمة 40 دولة الأكثر استيرادا للسلاح، رغم ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في 2014، واندلاع تمرد في إقليم دونباس في شرق البلاد بدعم من موسكو.

ولم تتجاوز حصة أوكرانيا من واردات السلاح في هذه الفترة 0.05%، غير أنها قفزت بشكل مذهل إلى 2% في فترة (2018-2022)، وهي النسبة الأولى عالميا، مما وضع البلاد في المرتبة الـ14 عالميا.

بل قفزت أوكرانيا في 2022، إلى مرتبة ثالث أكبر مستورد للأسلحة الرئيسية بعد قطر والهند، إثر إرسال واشنطن وحلفائها كميات معتبرة من الأسلحة إلى كييف عقب الهجوم الروسي على أراضيها.

أنظمة دفاع جوي غربية

واشنطن أكبر المستفيدين

لم تستفد الولايات المتحدة من الحرب الروسية الأوكرانية فقط من خلال زيادة صادراتها من الغاز المسال إلى أوربا بالتزامن مع تضاعف أسعار الغاز، بل إن صادراتها من السلاح ارتفعت مع ازدياد القلق الأوربي من التهديدات الروسية. إذ ارتفعت حصة الولايات المتحدة من ثلث الصادرات العالمية (33%) إلى 40%، وفق المصدر ذاته.

وتصدرت الولايات المتحدة قائمة كبار مصدري السلاح في العالم، في سوق لها خصوصيتها، ويعكس ذلك تفوقها بشكل بارز على خصومها الاستراتيجيين ممثلين في روسيا والصين.

عسكري يحمل قاذفة صواريخ ستنغر المضادة للطائرات (غيتي)

ومثلت الصادرات الأمريكية من الأسلحة نحو ضعف الصادرات الروسية والصينية مجتمعة، مما يكرس هيمنتها على السوق، رغم محاولات موسكو وبيجين كسر نظام القطب الواحد.

وارتفعت نسبة نمو صادرات الولايات المتحدة العسكرية إلى 14% بين الفترتين، في الوقت الذي تراجعت فيه صادرات روسيا (-31%) والصين (-23%)، وألمانيا (-35%)، وبريطانيا (-35%)، وإسبانيا (-4.4%)، وإسرائيل (-15%).

لكن دولا أخرى في قائمة العشر الكبار حققت نموا في صادراتها العسكرية على غرار فرنسا (445%)، وإيطاليا (45%)، وكوريا الجنوبية (74%).

ويمكن تبرير تراجع صادرات روسيا العسكرية إلى حاجة جيشها إلى مزيد من المعدات والذخائر التي يستخدمها يوميا في الحرب بأوكرانيا، بالإضافة إلى الضغوط الأمريكية على زبائن السلاح الروسي خاصة مصر والجزائر.

أما بالنسبة للصين، فرغم أنها من أكبر منتجي السلاح في العالم، فإن غالبية هذا السلاح موجه إلى تقوية جيشها، ولا تصدّر سوى نسبة قليلة منه.

المصدر : الأناضول

إعلان