كيف يتجنب العالم حربا عالمية ثالثة مدمرة؟ كيسنجر يجيب للإيكونوميست

قالت مجلة (ذي إيكونوميست) البريطانية إن وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر أكد أن العالم يمضي “باتجاه حرب شاملة بين قوتين عظميين”، مشيرا إلى ضرورة أن تتعلم الولايات المتحدة والصين التعايش معا في هذا العالم، لتجنب حرب عالمية ثالثة.
ونشرت الدورية البريطانية، هذا الأسبوع، تقريرا موسعا لما قالت إنه لقاء طويل استمر نحو 8 ساعات مع كيسنجر، شرح فيه بالتفصيل كيف يمكن تجنب حرب عالمية ثالثة مدمرة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsتصريحات كيسنجر وبداية مرحلة جديدة في تاريخ العالم!!
كيسنجر: الوقت يقترب لإحلال سلام قائم على التفاوض في أوكرانيا وتجنب حرب عالمية مدمرة
ويقول التقرير إن كيسنجر الذي يقترب من 100 عام هذا الشهر، يمتلك كمّا من الخبرات في مجال السياسات الدولية والعلاقات الدبلوماسية لا يمكن مضاهاته، فقد عمل مستشارا للأمن القومي، ووزيرا للخارجية، وأحد عرّابي السياسة الخارجية الأمريكية، كما عمل نحو 46 عاما مستشارا لعدد من الملوك والرؤساء في العالم، ويرى أنه من الواضح أن الولايات المتحدة والصين “تنظر كل منهما إلى الأخرى على أنها تُشكل خطرا استراتيجيا، ونحن جميعا على الطريق إلى مواجهة بين قوتين عظميين”.
ويضيف التقرير أن كيسنجر يولي الكثير من الأهمية للتنافس الشديد بين واشنطن وبيجين، على المستويات التجارية والتكنولوجية والعلمية والعسكرية، في الوقت الذي أصبحت فيه روسيا مربوطة بالدوران في الفلك الصيني، واندلعت فيه حرب طويلة الأمد شرقي أوربا، وهذه العوامل كلها تثير مخاوفه من زيادة تأجج العداء بين المحور الأمريكي ونظيره الصيني.
ويوضح كيسنجر للإيكونوميست أن الخطر يتزايد في ظل تغلغل الجانبين في مختلف أنحاء العالم، وأيضا بسبب التطور التكنولوجي السريع للأسلحة، بينما تفقد القوتان الكبريان في العالم كل سبل التوافق، وتخسر الكثير من دول العالم النظام، بل وحتى سبل إقراره، قائلا “نحن في وضع مثالي ومألوف لظروف ما قبل الحرب العالمية الأولى، حيث لا يفكر أي طرف في تقديم تنازلات، ويمكن لأي خطأ بسيط أن يؤدي إلى عواقب كارثية”.
ويواصل كيسنجر تحليله للموقف الصيني، حيث تسعى بيجين للنمو بكل سرعة ودون كلل في مجالات عدة، ورغم سمعته التصالحية مع النظام الصيني، فإن كيسنجر يعترف بأن الكثيرين من المفكرين الصينيين “يرون أن الولايات المتحدة بدأت منحنى الأفول، وبالتالي، وكنتيجة للحتمية التاريخية، فإنهم سيحلون محلنا” كقوة عظمى، كما أنهم يظنون أن ذلك “أصبح حقهم بشكل طبيعي لأنهم قوة صاعدة”.

ويحذر كيسنجر من إساءة تفسير الطموحات الصينية في واشنطن، مؤكدا أنهم “يقولون إن الصين تسعى للسيطرة على العالم، والحقيقة هي أنهم في بيجين يريدون أن يكونوا أقوياء، لكنهم لا يسعون للسيطرة على العالم بالأسلوب الهتلري، فليس هذا هو الأسلوب الذي يفكرون به، ولم ينظروا إلى العالم بهذا المنظار أبدا”، مؤكدا أنه التقى الكثير من الزعماء الصينيين بداية من ماو تسي تونغ، وأنه لاحظ أنهم جميعا رغم ولائهم الأيديولوجي، فإن نظرتهم إلى العالم مرتبطة بمصالح بلادهم وقدراتها، وتتمحور هويتهم حول الكونفوشيوسية أكثر من الماركسية، ما علّم القادة الصينيين السعي إلى أكبر قدر من القوة يمكن لبلادهم الحصول عليه.
وينصح كيسنجر واشنطن بمحاولة فهم الصين بشكل أعمق، وبدء الحوار بين البلدين، سعيا لردم الهوة بينهما، فالصين تحاول أن تلعب دورا عالميا على مستويات عدة، ويجب على واشنطن أن تقيّم كل مستوى على حدة، وإذا وجدت ما يهددها على المستوى الاستراتيجي عندها سينشأ الخلاف العسكري، مضيفا أنه “يمكن للولايات المتحدة والصين أن تتعايشا معا دون التهديد بحرب عالمية شاملة، وهو ما آمنت به وما زلت، رغم معرفتي بأنه قد لا يحدث، وأن النجاح غير مؤكد، لذا عندها يجب أن نكون أقوياء عسكريا بما يكفي، لتجاوز أي فشل”.
وينقل التقرير عن كيسنجر نصائح منها أن تعيد واشنطن تقييم موقفها من تايوان دون اتخاذ أي تغيير جذري، وفي الوقت ذاته عدم تغذية الشعور الصيني بأنها تدعم استقلال الجزيرة الواقعة جنوبي بحر الصين، علاوة على تحديد أولويات الحكومة الأمريكية وإعادة تقديمها للشعب لإقناعه بها، لأن تايوان ستكون مجرد بداية لسلسلة من الخلافات بين قوتين عظميين يمكن أن تقوض الاستقرار العالمي بأسره.
وبالنسبة للحرب في أوكرانيا، يرى كيسنجر أنها كانت بمثابة خطأ كارثي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لكنه في الوقت نفسه لا يبريء ساحة الغرب بشكل كامل من التسبب في الحرب أيضا بشكل ما، مطالبا بضرورة العمل السريع على إنهاء الحرب بشكل لا يؤدي إلى إشعال جبهة أخرى، كما يطالب واشنطن بالضغط على بوتين ليتنازل عن أكبر حجم من الأراضي التي ضمها منذ عام 2014، باتفاق سياسي لإنهاء الحرب، بحيث تحتفظ روسيا ببعض المكاسب من الحرب، مقابل التنازل عن البعض الآخر.
ويختم التقرير بالقول إن كيسنجر يعتقد أن بالإمكان تأسيس نظام عالمي جديد تشارك فيه الصين وأوربا والهند بحيث يكون معبّرا عن غالبية سكان الأرض، وأن مستقبل البشرية يعتمد على هذا النظام وإرسائه بشكل جيد، للوصول إلى التوازن العالمي بين مختلف الأقطاب العالمية، والتحرر من إمكانية اللجوء إلى القوة لتسوية النزاعات.