تحقيقا لحلم الشهيد رفعت العرعير.. ناشطون يدشنون مشروع “حكايا غزة” لتوثيق معاناة سكان القطاع
من رحم المعاناة، تخرج الأفكار والمبادرات التي تهتم بتوثيق هذه المعاناة ونقلها لأكبر قدر ممكن من الجمهور حتى يدرك طبيعة ما يحدث ولماذا يحدث؟ وكيف يتعايش الناس في ظل الأزمة؟
ومن بين هذه المبادرات، دشن الصحفي الفلسطيني ياسر عاشور موقع “حكايا غزة”، وفيه يوثق حكايات من غزة خلال الحرب الحالية.
يقول عاشور، لموقع الجزيرة مباشر، إن اهتمامه بتوثيق يوميات سكان غزة ومعاناتهم جاءت جزءًا من الوفاء وتأثرًا بالشاعر والأكاديمي الفلسطيني رفعت العرعير، الذي استشهد مطلع ديسمبر/كانون الأول المنصرم جراء غارة إسرائيلية استهدفت منزل شقيقته الذي كان قد لجأ إليه بعد سلسلة من التنقلات هاربًا من تهديدات الاحتلال باغتياله، وفقًا للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان.
وقبل أن يستشهد العرعير، كتب أبياتًا تحولت لإلهام وأصبحت عنوانًا لموقع “حكايا غزة“، وهي “إذا كان لا بد أن أموت، فليأت موتي بالأمل. فليصبح حكاية”.
تأسس هذا الموقع تنفيذا لوصية الدكتور الشهيد رفعت العرعير الذي قتلته قوات الاحتلال الصهيوني خلال حرب الإبادة الجماعية على غزة، للحفاظ على رواية قصص غزة وأهلها وحفظها من النسيان وهو مساحة مفتوحة للكتابة من الجميع.
🔗 https://t.co/IF1TY0cRda | #حكايا_غزة pic.twitter.com/rukHQeIvQ6
— حكايا غزة Gaza Story (@Gaza_Story) December 25, 2023
من هنا انطلق عاشور في الحصول على شهادات من سكان غزة، وخاصة من شمالي القطاع الذي يعاني بشكل خاص جراء القصف العنيف والمتواصل منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول وحتى اليوم، وما نجم عن ذلك من صعوبة في المعيشة والحصول على أدنى مقومات الحياة، من مأكل ومشرب.
الجميع متطوع
ومنذ انطلاق المشروع، كشف عاشور أن العديد من الصحفيين تطوعوا للمساهمة في الموقع وتوثيق الحكايات، من بينهم صحفيون يعملون في وكالات إخبارية كبرى.
كما كشف عاشور عن تطوع آخرين، فلسطينيين وغير فلسطينيين من خارج غزة، لترجمة المواد الموجودة كلها على الموقع للغة الإنجليزية من أجل نشر الحكايات في الولايات المتحدة وأوروبا وأنحاء العالم كافة، وهو جوهر مشروع الشهيد العرعير الذي كان مهتمًا بضرورة مخاطبة الآخر والعالم الخارجي.
"ولادةٌ في خاصرة الحرب وإصابة بلا طبيب"
تكتبُ آمنة حميد عن معاناتها مع الولادة قبل يومين من بدء العدوان على غزة، وعن القصف والنّزوح رفقة ستّة أطفال بينهم رضيعة أُصيبت في رأسها ولا يُمكن علاجها في شمال غزة.
تفضّلوا بقراءة التدوينة. #حكايا_غزة https://t.co/VTY6sw7CoJ
— حكايا غزة Gaza Story (@Gaza_Story) January 6, 2024
يحاول عاشور، رفقة فريق كبير من المتطوعين، إعطاء بُعد آخر لكل مواطن في غزة، وكل شبر فيها، سواء كان لا يزال واقفًا على عمدانه، أم انهار وأصبح ركامًا. بُعد يجسد معاناة أكثر من مليوني مواطن يعانون من ويلات حرب ضارية بينما يتابعهم المجتمع الدولي على البث الحي باعتبارهم مجرد أرقام.
وتُرفع على الموقع يوميًا ما بين مادتين لثلاث مواد، فيما يزوره يوميًا نحو 1500 زائر، ويقول عاشور إنهم يمضون أوقاتًا طويلة في تصفح الموقع، وهو ما يعكس الرغبة في قراءة هذه الشهادات والحكايات.
“كل ثانية هي جحيم لحين عودة الإرسال”
وسط حكايات كثيرة أرسلها سكان غزة، صغارها وكبارها ونسائها، إلى موقع “حكايا غزة”، برزت بعض الحكايات، من بينها ما هو متعلق بانقطاع خدمة الاتصال والإنترنت، وحكى أحدهم من خان يونس “كنّا نسمع صوت القصف فحسب، دون أن نعلم أين سقط الصاروخ؟ بعد عودة الاتصالات تفاجأنا بأن عددًا من أفراد العائلة استشهدوا وأصيبوا دون علمنا”.
وفي شهادة أخرى لفلسطيني مقيم في إسطنبول “فكرة انقطاع الإنترنت والاتصالات مرعبة للمغترب عن غزة، فجأة ما بتقدر تعرف أي شي عن أهلك وبتسمع أخبار متضاربة عن مجازر ومسح لمربعات قريبة من مكان تواجدهم.. كل ثانية بتمر عليك هي جحيم جديد لحين ما يرجع الإرسال”.
"خمس وأربعون دقيقة على الحمار"
يكتبُ المقداد مقداد عن التنقّل على الحمار في ظلّ انقطاع الوقود وانعدام وسائل المواصلات في غزّة.
تفضّلوا بقراءة التّدوينة. #حكايا_غزة https://t.co/dGuPSmrY2E
— حكايا غزة Gaza Story (@Gaza_Story) January 3, 2024
ومن خلف الحكايات حكايات أخرى كشف عنها عاشور، أشد ألمًا وأكثر مأساوية، تناول موقع “حكايا غزة” قصة الطفلة سلمى الشنباري (3 سنوات)، والتي كانت تعاني من مرض وراثي نادر وبسببه تعاني من ارتفاع في نسبة الأمونيا، وتأخّر في القدرات العقلية والحركية، وتأخر في النمو والتطور.
وبعد أيام قليلة من نقل قصة هذه الطفلة والمناشدة لعلاجها، استشهدت سلمى. لم يقتلها عجز الأطباء في غزة بسبب استهداف المستشفيات والأطباء، لم تعطها إسرائيل حتى الفرصة لذلك حتى تعيش بعض الوقت، استشهدت سلمى نتيجة إصابتها بشظايا قصف صاروخي أصابت وجهها ورقبتها الصغيرتين.
رفعت الملهم
وكان الدكتور الشهيد رفعت العرعير ملهمًا لجيل من الشباب، وأدرك مبكرًا من موقع تخصصه وتدريسه الأدب الإنجليزي بالجامعة الإسلامية في غزة، قيمة اللغة في مخاطبة العالم الخارجي، وأسس مع شبان وفتيات من طلابه ومبادرين آخرين مشروع “نحن لسنا أرقامًا” لنشر قصص واقعية باللغة الإنجليزية عن الحياة الفلسطينية بجوانبها المختلفة، وارتباط معاناة الفلسطينيين بالاحتلال.
يظهر في الصورة د. رفعت العرعير @itranslate123 وهو يبحث بين ركام بيته عن كتبه وأوراقه.
استهدف الاحتلال منزل رفعت قبل ذلك عام 2014 واستشهد أخيه حمادة العرعير، وفي عام 2023 قتلته إسرائيل برفقة أخيه وأخته وعدد من أفراد العائلة. #غزة pic.twitter.com/qrRqZoJaF8
— Yasser (@Yasser_Gaza) December 7, 2023
وفي 6 ديسمبر/كانون الأول دمّرت غارات الاحتلال منزل الشاعر ومكتبته التي جمعها عبر 30 عامًا، فلجأ إلى إحدى المدارس، وهناك بدأ يتلقى تهديدات بالقتل، حسب “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” في جنيف، الذي كتب مديره رامي عبده، عبر حسابه على “إكس”، أنّ العرعير كان تلقى اتصالات هاتفية تتضمن تهديدات بالقتل، من قبل المخابرات الإسرائيلية، ما دفعه إلى مغادرة المدرسة التي لجأ إليها، والانتقال إلى منزل شقيقته حيث استشهد، قبل أيام.