عام ونصف من الحصار.. ناجية من جزيرة توتي تروي تفاصيل هروبها من قوات الدعم السريع
في شهادة مؤثرة، كشفت إحدى الناجيات من جزيرة توتي السودانية عن تفاصيل المعاناة التي عاشها سكان الجزيرة تحت حصار قوات الدعم السريع لمدة 18 شهرًا، وكيف تمكنت من الفرار إلى مدينة أم درمان.
وقالت السيدة، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها واكتفت بذكر الأحرف الأولى من اسمها (ه. ع.)، إن المعاناة بدأت منذ اليوم الأول للحرب، وأضافت بصوت مختنق بالبكاء: “حياتنا كانت تعتمد بشكل شبه كامل على الخدمات من المدن الأخرى في العاصمة السودانية”.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالسودان.. قتلى وجرحى جراء قصف الدعم السريع مدينة أم درمان
جدل بشأن محاولات تحالف القوى الديمقراطية السودانية تشكيل حكومة
مبارك الفاضل يدعو البرهان لإكمال التفاوض وتنفيذ اتفاق جدة
وأوضحت أن الوضع تدهور بشكل كبير في الأسابيع الثلاثة الأخيرة قبل فرارهم، حيث انعدمت مقومات الحياة الأساسية، وبدأت عصابات النهب المعروفة باسم “النيقرز” في مهاجمة السكان.
ارتفاع معدل الوفيات
وفي ظل الحصار الخانق، اضطر أهالي جزيرة توتي إلى إنشاء مقبرة جديدة بعد أن تعذر الوصول إلى مقبرتهم القديمة بمنطقة حلة حمد في الخرطوم بحري.
وأشارت الناجية إلى ارتفاع معدل الوفيات في الأسابيع الأخيرة بسبب تفشي الملاريا وحمى الضنك، حيث بلغ عدد الوفيات في اليوم الواحد ما بين 3 إلى 6 حالات في ظل غياب الرعاية الصحية.
وكانت غرفة طوارئ جزيرة توتي قد أطلقت في مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري نداء استغاثة لمنظمات حقوق الإنسان، مطالبة بفتح ممرات آمنة لإدخال الدواء والغذاء للمحاصرين، وإجلاء العالقين في الجزيرة.
تهديد تحت وقع السلاح
وروت السيدة (ه. ع.) كيف اضطرت للخروج بعد أن داهمت منزلها قوة مسلحة مكونة من 4 أشخاص في 6 أكتوبر/تشرين الأول، وقالت: “قاموا بتفتيش المنزل ونهب ممتلكاتنا الشخصية، بما في ذلك خاتم زواجي”.
وأضافت أن عناصر من قوات الدعم السريع عادوا لاحقًا وهددوا زوجها الستيني، بزعم أنه ضابط، وهو ما نفته تمامًا، وقالت: “زوجي لا علاقة له بالأجهزة النظامية، فقد أمضى نصف عمره مهاجرًا خارج البلاد”.
رحلة خروج شاقة
وغادرت السيدة (ه. ع.) جزيرة توتي برفقة 60 شخصًا من أقاربها وجيرانها في صباح اليوم الذي تعرضت فيه للتهديد والنهب.
وأوضحت أنهم دفعوا مبالغ مالية كبيرة لأفراد من قوات الدعم السريع لنقلهم من الجزيرة إلى شرق النيل، ومنها إلى مدينة شندي في ولاية نهر النيل، ثم إلى مدينة أم درمان في رحلة استغرقت 6 أيام.
غياب الخدمات وانتهاكات مستمرة
وفقًا لمجموعة “محامي الطوارئ”، توفي 35 شخصًا من سكان جزيرة توتي خلال أقل من شهر منذ 26 سبتمبر/أيلول نتيجة العنف ونقص الرعاية الصحية.
ودعت المجموعة إلى الضغط على قوات الدعم السريع لوقف الانتهاكات، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية.
وقال وليد عمر، مشرف مراكز إيواء نازحي توتي، إن الفظائع التي تعرض لها أهالي توتي تصاعدت بعد استعادة القوات المسلحة السودانية لمبنى الإذاعة والتلفزيون، وأضاف أن الانتهاكات شملت اقتحام المنازل والتحرش بالنساء.
وأشار عمر إلى معاناة الأهالي في ظل غياب الكهرباء والماء لمدة تزيد عن عام، موضحًا أنهم اضطروا لجمع مبالغ مالية لشراء الوقود من أفراد الدعم السريع لتشغيل محطة المياه لساعات محدودة.
رحلة البحث عن مخرج
وأوضح عمر أن الخروج من الجزيرة كان مشروطًا بدفع مبالغ طائلة لقوات الدعم السريع، تتراوح بين 800 ألف و1.5 مليون جنيه سوداني (ما يعادل 1330 إلى 2500 دولار أمريكي)، حسب عدد أفراد الأسرة.
وتستغرق رحلة الخروج قرابة أسبوع، تبدأ من داخل الجزيرة إلى منطقة وسط الخرطوم أو شرق النيل، ومنها إلى ولاية نهر النيل، حيث تتوزع الأسر إلى بقية ولايات السودان أو تتجه إلى أم درمان.
عالقون تحت الحصار
وذكر عمر أن هناك ما يقارب 10 أسر لا تزال عالقة في جزيرة توتي، إما بسبب عدم قدرتهم على دفع تكاليف الخروج الباهظة، أو لكونهم من كبار السن الرافضين لمغادرة منازلهم، وأضاف أنهم يحاولون إجلاء من لا يملكون المال من خلال الدعم الذي كان مخصصًا للتكايا سابقًا.
وأشار إلى وقوع نحو 9 حالات وفاة بين الناجين من الحصار أثناء رحلة النزوح، إما بسبب المرض أو نتيجة التعب والإرهاق ونقص الغذاء.
وفي ظل هذه الظروف الإنسانية الصعبة، يناشد أهالي جزيرة توتي المنظمات الدولية والجهات المعنية للتدخل العاجل وإنقاذ ما تبقى من السكان المحاصرين، وتوفير الممرات الآمنة لإيصال المساعدات الإنسانية الضرورية.