ينظم إقامة 9.3 ملايين أجنبي.. لماذا يخشى مصريون قانون اللجوء؟
أمام مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمدينة السادس من أكتوبر جنوب القاهرة يتدافع المئات يوميا للحصول على موعد للاستفادة من خدمات وإعانات المفوضية السامية للأمم المتحدة وسط أجواء من القلق والغموض والجدل بشأن البقاء أو الرحيل على خلفية إقرار الحكومة المصرية لقانون جديد ينظم شؤون 9.3 ملايين لاجئ يترقبون إجراءات التكيف مع الوضع الجديد.
وبينما يسود القلق أوساط “الضيوف الأجانب”، كما تسميهم الحكومة، يسود الشارع المصري جدل متزايد حول فتح باب منح الجنسية، بين مؤيدين لمآلات القانون الجديدة ومعارضين لها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsجزيرة الوراق غاضبة.. هتافات تطالب بالإفراج عن معتقلين واشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن المصرية (فيديو)
سعر صرف الدولار يقفز في السوق المصرية.. هذه هي الأسباب
مصر.. استثمار تركي جديد بقيمة 40 مليون دولار
يعبر عبد الحكيم سليمان، وهو سوداني من شمال الخرطوم، في حديثه للجزيرة مباشر عن شعور بالضيق من إجراءات المفوضية الدولية، ويشير في أسى إلى مئات السودانيين الذين يتوافدون يوميا على مكتب المفوضية دون جدوى، متوقعا أن يزداد الأمر سوءا في حال إلغاء دور المفوضية ونقل وظيفتها إلى لجنة حكومية مصرية طبقا للقانون الذي أقره البرلمان.
ويشدد سليمان على أنه ينوي مع أسرته البقاء بمصر والتكيف مع متطلبات القاهرة، مشيرا إلى أنه افتتح مؤخرا مقهى قرب منطقة العتبة بوسط القاهرة وينوي توسيع مشروعه.
لكن في مقابل ذلك يبدو عبد الباسط هارون، وهو سوداني آخر، أكثر تشاؤما ويرى أن الأمور تتجه إلى مزيد من القيود.
ويعبر هارون عن شكره للشعب المصري على استضافته عاما كاملا معلنًا أنه عائد إلى بلاده أيًّا كانت الظروف.
من جهة ثانية، يبدو عدد أكبر من السوريين في مصر أكثر تفاؤلا بالتقنين، كما يقول للجزيرة مباشر فيصل مسلماني، وهو صاحب عربة طعام متنقلة، موضحا أنه ينوي الاستقرار بالقاهرة.
مخاوف “التوطين”
وفجّر إقرار البرلمان للقانون حالة من الجدل على مستويات متعددة حقوقية وإنسانية وقانونية واقتصادية وسط مخاوف البعض بشأن التوطين والتمهيد لتجنيس اللاجئين ومنحهم حقوقا متساوية مع المواطنين.
ويرى أسامة الزيدي -وهو باحث قانوني بجامعة القاهرة- في حديثه للجزيرة مباشر أن منح اللاجئ كل تلك الحقوق لا يعني سوى التوطين وهو ما سيكون في رأيه كارثة على مصر التي تعاني انفجارا سكانيا. ويعتبر الباحث أن القانون فتح الباب على مصراعيه لمنح “الضيوف” الجنسية المصرية.
وطبقا للمادة (27) من القانون يكون للاجئ الحق في التقدم للحصول على جنسية جمهورية مصر العربية، وذلك على النحو الذي تنظمه القوانين ذات الصلة.
وتصدر وسم “قانون اللجوء” العديد من منصات التواصل الاجتماعي، حيث عبر العديد من المواطنين عن مخاوفهم من تبعاته. وعبر منصة إكس قالت مواطنة مصرية تدعى منى منجود: “إحنا رافضين التوطين… إحنا اتقهرنا في بلدنا”.
احنا رافضين اصلا وجود اللاجئين وتوطينهم مجلس النواب المفروض هو صوت الشعب مش ضد الشعب وبيجتمع كل يوم لراحه اللاجئين وليس المصريين احنا اتقهرنا في بلدنا حسبي الله ونعم الوكيل
— 🇪🇬🇪🇬🇪🇬🇪🇬🇪🇬Mona Mangood (@monamangood) November 17, 2024
وعبر فيسبوك يرى جمال شمس أن “إذابة اللاجئين في نسيج المجتمع خطر داهم”.
لكن في المقابل لا ترى أستاذة القانون الجنائي سلوى السوبي ما يدعو إلى القلق. وقالت عبر منصة إكس إن القانون الجديد “ينظم وجود اللاجئين في مصر”.
اقراوا المعاهدات والمواثيق الدولية اللي وقعتها مصر من سنة ١٩٥٢
ومادتي الدستور اللي بناء عليهما تقبل مصر لاجئين
القانون الجديد بينظم وجود لاجئين في مصر ومفيش مادة للتوطين
ومن يقول ان البرلمان لايمثله فهو تناسي انه هو من انتخب النواب فالعيب فيك إذا كانوا مش عجبينك
د.سلوي السوبي pic.twitter.com/qStsF74Yfc— د.سلوي السوبي أستاذ قانون جنائي ومحام بالنقض (@Marwalgendi) November 17, 2024
بنود قانون اللجوء المصري
وتدافع الحكومة عن القانون، وترى أنه يعزز مكانة مصر بوصفها بلدا داعما للسلام وحقوق الإنسان. وقال المستشار محمود فوزي، وزير الشؤون النيابية والدستورية بمجلس النواب “هذه مسؤولية تاريخية لمصر تتحملها بكل فخر”.
ويؤكد القانون تمتع اللاجئ بحقوق الملكية الفكرية، والحق في التقاضي، والإعفاء من الرسوم القضائية، وحق العمل والأجر المناسب وممارسة المهن الحرة، وحقه في العمل لحسابه وتأسيس شركات أو الانضمام إلى شركات قائمة، وكذلك حق الطفل اللاجئ في التعليم، والاعتراف بالشهادات الدراسية الممنوحة بالخارج.
كما يضمن القانون حق اللاجئ في الحصول على رعاية صحية مناسبة، والاشتراك في عضوية الجمعيات الأهلية أو مجالس إدارتها، وحظر تحميله أي ضرائب أو رسوم أو أعباء مالية تختلف عن تلك المقررة على المواطنين، إضافة إلى حقه في العودة طواعية في أي وقت إلى الدولة التي يحمل جنسيتها أو دولة إقامته المعتادة.
“حق سيادي”
وبينما تقول الحكومة إن من مميزات القانون أنه يعيد للدولة حقا سياديا، وهو إتاحة تحديد صفة اللاجئ، والفصل في طلبات اللجوء، وهو حق كانت مصر قد تنازلت عنه للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين، تصف الناشطة السياسية والمحامية ماهينور المصري البنود بأنها كارثية، داعية إلى إجراء نقاش مجتمعي، وعدم العجلة في تطبيق هذا القانون.
وطبقا لإحصاءات مجلس النواب تحتضن مصر 9.3 ملايين أجنبي. وتأتي مصر في المرتبة الثالثة على مستوى العالم بين الدول الأكثر استقبالًا لطلبات لجوء جديدة عام 2023.
كما تشير بيانات البرلمان المصري إلى استفادة “الضيوف”، وعددهم يجاوز نحو 8% من شعب مصر، من خدمات توازي 6 مليارات دولار سنويا.
وبينما تتوالى التحذيرات من تحويل القانون مصر من دولة عبور إلى وطن للاجئين، يرى النائب البرلماني ضياء الدين داود أن مصر ليست وطنا بديلا “لكنها تتحمل بصفتها الشقيقة الكبرى مسؤولياتها العربية”.
غموض يحيط بقانون اللجوء المصري
وعلى “منصة اللاجئين في مصر” عبرت 23 منظمة حقوقية عن رفضها للقانون، ورأت أنه يتعارض مع الدستور، وتغيب عنه المعايير الدولية بتقليص مستوى الحماية للاجئين. وشككت المنظمات الحقوقية في استقلالية اللجنة الحكومية التي ستحدد صفة اللاجئ بما يفتح الباب للترحيل القسري.
كما يلفت المحامي المتخصص بقضايا اللاجئين أحمد أبو زيد في حديثه للجزيرة مباشر إلى ما سماه عمومية وغموض مصطلح “الأمن القومي” الذي قد يفتح الباب إلى “طرد” اللاجئ وتفريغ القانون من مضمونه.
وأشار أبو زيد إلى أن القانون يلتزم ظاهريا بالقانون الدولي بهدف تعزيز الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والحصول على مزيد من الدعم، معربًا عن تفهمه لمخاوف البعض بشأن الضغوط المعيشية قائلا إن مصر ليست الأولى ولن تكون الأخيرة التي تواجه طوفان اللاجئين.
ويعتبر المحامي أنه يجب التعامل مع اللاجئين كقوة دافعة للاقتصاد وليس خصما منه، لكنه يرى في نفس الوقت أن القانون ينطوي على ثغرات قانونية تضر بحقوق اللاجئين كالمنع من ممارسة أي نشاط سياسي أو نقابي، وهو ما يقيد حقوق الإنسان الأساسية.