الخلاف بين أردوغان والمعارضة يصل إلى القضاء وسط مخاوف على مصير مبادرة المصالحة الوطنية

أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي
أردوغان وزعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي (غيتي)

أعرب محللون سياسيون عن تخوفهم من تعطل مسار المصالحة الوطنية في تركيا بعد وصول الخلافات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والمعارضة إلى القضاء، في ظل اتهام قيادي بالمعارضة بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا “منظمة إرهابية”.

وتقدم أردوغان بشكوى للقضاء ضد زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال ورئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، بتهمة الإدلاء بتصريحات “لا أساس لها من الصحة” خلال تجمع احتجاجي، الخميس الماضي، رفضًا لاعتقال رئيس بلدية إسنيورت أحمد أوزر.

واتهم أردوغان أوزال بإهانة الرئيس علنًا، وارتكاب جريمة واضحة ضد سمعة الرئاسة وشرفها ومنصبها، بينما اتهم إمام أوغلو بأنه ساق اتهامات لا أساس لها تتضمن التشهير والافتراء، الأمر الذي يشكل مساسًا بسمعة الرئيس والحض على الكراهية.

رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو
رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو (غيتي – أرشيفية)

اعتقال أوزر تزامن مع دعوة المصالحة الوطنية

وأثارت الدعوى القضائية والخلافات المتصاعدة بين الرئيس التركي والمعارضة على خلفية اعتقال أوزر التساؤلات عن مدى تأثير هذا في المصالحة الوطنية التي دعا إليها زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي التي تحدث فيها عن إمكانية حضور مؤسس حزب العمال الكردستاني والمعتقل منذ عام 1999 عبد الله أوجلان إلى البرلمان بعد إنهاء عزله، والحديث أمام الكتلة البرلمانية لحزب الديمقراطية ومساواة الشعوب الكردي، ليعلن “إنهاء الإرهاب وحل الحزب وتسليم السلاح”، مقابل اتخاذ إجراءات تمنحه “الحق في الأمل”.

وقال الكاتب والمحلل السياسي طه عودة أوغلو للجزيرة مباشر إن الأيام المقبلة ستشهد تغيرات كثيرة، وخصوصا أن قضية أوزر تعد الأولى من نوعها في إسطنبول، إذ إنها كانت عادة ما تحدث في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا، كما حدث في يونيو/حزيران الماضي، من عزل لرؤساء بلديات وتعيين وصاة بدلا منهم.

وأضاف “لكن اللافت في الأمر الآن هو أن عملية الاعتقال تزامنت مع دعوة المصالحة الوطنية التي أطلقها بهتشلي ونالت مباركة أردوغان، كما نالت قبول مختلف أطياف الأحزاب والسياسيين، حتى أننا شهدنا قبولا مبدئيا عند مؤسس حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان”.

وأشار عودة إلى أنه من الممكن أن تتعثر المصالحة قليلًا، ولكنها قد تتم في النهاية، وخصوصا أن البلاد تشهد في الوقت الحالي تغيرات كثيرة في السياسة الداخلية والخارجية، بسبب حرب غزة، وغطرسة نتنياهو، والمخاطر التي تواجهها المنطقة بالكامل، التي تدفع الجميع إلى التوجه نحو المصالحة وتوحيد الصفوف.

متظاهرون أكراد يطالبون بإطلاق سراح عبد الله أوجلان
متظاهرون أكراد يطالبون بإطلاق سراح عبد الله أوجلان (غيتي – أرشيفية)

الكيل بمكيالين

وفي مقاله الأسبوعي اتهم الكاتب والمذيع الشهير أحمد هاكان زعيم حزب الشعب ورئيس بلدية إسطنبول الكبرى بأنهما يكيلان بمكيالين.

وقال هاكان في مقاله إن الرجلين من جهة يدعمان مبادرة بهتشلي ويؤيدان المصالحة الوطنية، ومن جهة أخرى يقدمان الدعم لحزب الشعوب الديمقراطي، المتهم بالارتباط بحزب العمال الكردستاني، ويدافعان عن رئيس بلدية إسنيورت الذي يواجه اتهامات بالإرهاب أمام القضاء.

وقال الأكاديمي ورئيس تحرير جريدة “ديلي” صباح محمد جيلك “دعوة المصالحة الوطنية موجهة لمختلف الأحزاب والجهات الفاعلة بالمجتمع والساحة السياسية، وعملية اعتقال أوزر أزعجت جناحا في حزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي”.

وأضاف للجزيرة مباشر “بالتأكيد سيؤثر الاعتقال ورفع الدعوى في المصالحة على المدى القصير، ولكن إذا ظلت اليد التي دعت إلى المصالحة ممدودة في الهواء لفترة طويلة دون دعم، فإن ذلك سيضر المصالحة الوطنية سياسيًا على المدى الطويل”.

وبشأن دعوة المصالحة من الأساس، أكد جيلك أن دعوة زعيم حزب الحركة القومية تاريخية وغير متوقعة، مضيفًا: “أعتقد أن الدولة حسبت هذه الخطوة بشكل استراتيجي جيد، سواء على السياسة الداخلية أو الشعبية، وكذلك وفق التطورات الإقليمية، باعتبارها خطوة مهمة للحفاظ على تماسك وقوة الجبهة الداخلية”.

رئيس بلدية أسنيورت في إسطنبول أحمد أوزار
رئيس بلدية أسنيورت في إسطنبول أحمد أوزار

تغيرات تشهدها السياسة الداخلية التركية

وأردف “بعد انتهاء المدعي العام من التحقيقات في قضية رئيس بلدية إسنيورت، فسنعرف مدى نجاح دعوة بهتشلي للمصالحة الوطنية من عدمه، لكن المهم الآن أنها بدأت ولاقت ترحيبا من مختلف الأحزاب، فالحكومة وكذلك الجميع، يريد تركيا دولة خالية من الإرهاب”.

واستنكر جيلك الربط بين عملية اعتقال أوزر والعلاقات بين الحكومة التركية والمواطنين الأكراد، لافتًا إلى أن بعض التهم التي يواجهها رئيس بلدية إسنيورت تتعلق بالإرهاب، وهي منظورة أمام القضاء.

وقال جيلك “تركيا تحارب الإرهاب وليس مواطنيها الأكراد، ويجب الفصل بين تنظيم بي كا كا الإرهابي الذي يتلقى الدعم من الغرب لمحاربة بلادنا، وبين المواطنين الأكراد”.

وبشأن التغيرات التي تشهدها السياسة الداخلية التركية، أفاد جيلك بأنها تمر بعملية تطور سريعة ومذهلة، إذا اتُخذت بعض الخطوات تجاه تحسين العلاقات، سواء مع حزب الشعوب الديمقراطي الكردي أو حزب الشعب الجمهوري.

واستدرك “هناك وحدة في التحالف الحاكم، وظهرت الرغبة في توحيد صفوف الشعب، لكن الانقسام الذي كان موجودًا عند المعارضة قبل التطورات الأخيرة قد يدفع الأطراف إلى الصراع مع بعضهم البعض بشكل أكبر، وكما رأينا دعم إمام أوغلو وأوزال لحزب الشعوب الديمقراطي تسبب في أزمة مع آخرين في حزبه”.

وأعرب جيلك عن تفاؤله بأن عملية المصالحة الوطنية ستغير بشكل عام السياسة الداخلية التركية، وقال إن هذا ما يسعى إليه التحالف الحاكم، ليركز على سياسته الخارجية، والإنجازات الداخلية، وحل المشكلات التي تعاني منها البلاد.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان