مساجد ومعالم إسلامية في الهند مهدَّدة بمصير جامع بابري
ليست مجرد أماكن عبادة
اعتقد كثير من المسلمين في الهند أن تدمير مسجد “بابري” وبناء معبد “رام” المقدس عند الهندوس على أنقاضه، سيغلق صفحة استهداف المساجد والمعالم الإسلامية في الهند، لكن يبدو أن الأمر فتح شهية المتطرفين الهندوس الذين يستهدفون الآن مئات المساجد والمعالم الإسلامية الأخرى بالمصير نفسه.
ويُقدَّر عدد المساجد والمعالم الإسلامية التي يستهدفها المتطرفون الهندوس نحو 3 آلاف مسجد. ويشير العديد من الخبراء إلى وجود قانون يُفترض أن يمنع هذه الادعاءات من قِبل الجماعات الهندوسية ضد المساجد، لكن هذا القانون يبدو أنه لا يُنفذ بجدية.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنديم خان.. محامٍ يدافع عن المسلمين في الهند ويواجه حملة كراهية شرسة (شاهد)
أساليب جديدة لمعاقبة مسلمي الهند.. اعتقال إمام بسبب الأذان وهدم منازل بتهمة “سرقة الكهرباء”
يستهدف ثروات المسلمين في الهند.. مشروع قانون ينتزع الإشراف على الأوقاف من أيدي المسلمين
في هذا التقرير ترصد الجزيرة مباشر عددًا من المساجد التاريخية والمعالم الإسلامية البارزة في الهند، التي قد تواجه مصير مسجد بابري التاريخي، بولاية أوتار براديش شمالي الهند، الذي هدمه متطرفون هندوس عام 1992، ودام النزاع بشأنه حتى عام 2019 عندما قضت المحكمة العليا بتسليم أرضه إلى الهندوس لبناء معبد عليه.
المقرئ والمفتي مكرم أحمد، خطيب جامع الفتحبوري التاريخي الواقع أمام القلعة الحمراء الشهيرة في دلهي، قال للجزيرة مباشر إن تدمير مسجد بابري وبناء معبد “للإله رام” على أنقاضه، يبدو أنه فتح بابًا جديدًا أمام المتطرفين الهندوس لتحويل المزيد من المساجد التاريخية إلى معابد.
ووفقًا للإحصاءات الحكومية، تضم الهند أكثر من 600 ألف مسجد، تتنوع بين مساجد صغيرة وأخرى تاريخية شيدها الحكام المسلمون عبر العصور. وهذه المساجد ليست مجرد أماكن عبادة، بل تمثل تجسيدًا حيًّا لتاريخ المسلمين وثقافتهم الدينية. لكن السنوات الأخيرة شهدت تصاعد مطالبات المنظمات الهندوسية بشأن العديد من المساجد والمعالم التاريخية الإسلامية. وتستند هذه المطالبات إلى مزاعم بأن هذه المساجد والمعالم كانت في الأصل معابد هندوسية.
ولا تكتفي هذه المزاعم بتقديم المطالبات شفهيًّا بل ترفع دعاوى قضائية في المحاكم التي يدير أغلبها قضاة هندوس. وتتبع هذه المنظمات الهندوسية نمطًا مماثلًا لذلك الذي أدى إلى خسارة مسجد بابري، وبناء معبد على أنقاضه.
مسجد غيان وابي
مسجد غيان وابي، بمنطقة واراناسي بولاية أوتار براديش، هو أحد هذه المساجد، وقد أنشئ عام 1669 في عهد الإمبراطور محيي الدين أورنغزيب، حيث يدعى الهندوس أنه أقيم على أرض معبد لهم.
وبناءً على أمر من المحكمة، أُجري مسح للموقع، وأُغلقت غرفة الوضوء، وما زالت القضية منظورة لدى محكمة مديرية واراناسي بولاية أوتار براديش.
وتزعم المحامية الهندوسية راخي سينغ التي تقدمت بالدعوى أن المسجد بُني على أنقاض جزء من معبد كاشي فيشواناث، حيث تسعى منظمة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ”، المعروفة بموقفها المعادي للمسلمين، للسيطرة على هذا المسجد في العام نفسه الذي هُدم فيه مسجد بابري. ولكن قبل عام واحد، صدر “قانون أماكن العبادة 1991” بهدف الحفاظ على الطابع الديني لأماكن العبادة، وفقًا لما كانت عليه في 15 من أغسطس/آب عام 947، ولذلك لم تستطع المنظمة هدم المسجد.
وبعد فترة من الجمود، عادت القضية إلى الواجهة عام 2022 مع صعود حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي المتطرف بزعامة ناريندرا مودي إلى سدة الحكم، حيث عادت الجماعات الهندوسية إلى ترديد مزاعمها بشأن المسجد.
وفي استجابة لالتماس جديد من خمس نساء هندوسيات يطالبن بالحق في العبادة أمام تمثال “للإله الهندوسي” الموجود على الجدار الجنوبي للمسجد، أصدرت محكمة أمرًا قضائيًّا بإجراء مسح للموقع. وفي عام 2023، أيدت محكمة المقاطعة في فاراناسي استمرار الدعوى التي رفعها الهندوس، وأمرت هيئة المسح الأثري للهند بإجراء مسح للمجمع.
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أصدرت المحكمة أوامر لتيسير عبادة الهندوس في الطابق السفلي للمسجد. وفي 31 من الشهر ذاته، سمحت محكمة محلية لأحد الملتمسين الهندوس بالاستيلاء على المكان ونصب تماثيل “لآلهة هندوس”. وبهذا خرج المسجد جزئيًّا من سيطرة المسلمين، الذين أعربوا عن مخاوفهم من خسارته كليًّا، كما حدث في حالة مسجد بابري.
“شاهي عيد غاه”
مسجد آخر مهدَّد من قِبل الجماعات الهندوسية المتطرفة، وهو مسجد “شاهي عيد غاہ” بولاية أوتار براديش، حيث يدعو الهندوس إلى هدمه بزعم أنه بُني على أرض “كريشنا غانم بومي” (موقع ولادة الإله الهندوسي كريشنا).
ويسعى أصحاب هذه الدعوات إلى بناء معبد “للإله كريشنا” في الموقع، مشابه لمعبد كريشنا في مدينة دبي. وتأتي هذه المطالبات رغم اتفاقية تسوية أُبرمت بين المجتمعين الهندوسي والمسلم في عام 1968 بهدف إنهاء النزاع.
وفي تطور جديد، أصدرت المحكمة العليا بولاية أوتار براديش في عام 2023 قرارًا بإعادة النظر في القضية، وأمرت بإجراء مسح للتحقق من الادعاءات التاريخية التي قدمتها الجماعات الهندوسية.
وفي تصريح للجزيرة مباشر قال تنوير أحمد، سكرتير لجنة إدارة مسجد شاهي عيد غاہ “قمنا بالطعن على هذا القرار في جميع المحاكم، وخصوصًا المحكمة العليا في دلهي، وسنواصل السعي لاتخاذ أي إجراءات قانونية ممكنة ضد هذا القرار”.
أقدم المعالم الإسلامية في الهند مهدَّد بالهدم
مسجد ثالث يتهدده خطر الهدم، هو مسجد “قوة الإسلام” في دلهي، ويقع بجوار برج “قطب منار” في العاصمة نيودلهي، وهو أشهر وأقدم المعالم الإسلامية في الهند، وأنشئ في القرن الثاني عشر على يد قطب الدين أيبك، أول حاكم مملوكي لسلطنة دلهي الهندية. ورغم قيمته التاريخية وأهميته عند المسلمين فقد حظرت الحكومة الهندية إقامة الصلوات الخمس والجمعة والعيدين في هذا المسجد.
وتستند المزاعم الهندوسية بشأن المسجد إلى قصة تقول إن قطب الدين أيبك هدم 27 معبدًا هندوسيًّا في موقع المسجد، واستخدم الحطام الناتج عن ذلك في بناء أول مسجد في دلهي. وتعززت هذه الادعاءات بتصريحات عالم الآثار المسلم والمسؤول الحكومي السابق ك.ك. محمد، الذي أيد علنًا الرواية نفسها.
ووصلت قضية المسجد إلى محكمة ساكيت في دلهي، حيث تقدَّم عدد من الهندوس بالتماسات تطالب بالسماح بممارسة عبادة “آلهة الهندوس” في برج قطب منار ومسجد قوة الاسلام.
مسجد دلهي الجامع
يُعَد مسجد دلهي الجامع أحد أهم المعالم الأثرية التي أنشأها الإمبراطور شاه جهان في الهند، لكن منظمة “هندو ماهاسابها” زعمت وجود تماثيل “لآلهة هندوسية” مدفونة تحت درجات المسجد، وطالبت رئيس الوزراء ناريندرا مودي بإصدار أوامر بإجراء حفريات في الموقع بهدف استخراج التماثيل المزعومة.
وفي رد فعل قوي، عبَّر خطيب جامع دلهي، سيد أحمد بخاري، خلال خطبة الجمعة الأخيرة، عن أسفه العميق للاتجاه المتزايد للبحث عن معابد مزعومة تحت المساجد، بما في ذلك مسجد جامع نفسه. وانتقد بشدة صمت رئيس الوزراء مودي إزاء هذه التطورات، وقال إن هذا الصمت يسهم في تصعيد الموقف.
وتوجه الإمام بخاري خلال الخطبة برسالة مباشرة إلى مودي، قائلًا “يا رئيس الوزراء، احترم المنصب الذي تشغله واكسب قلوب المسلمين”، كما حث الشباب على ضبط النفس والتحلي بالصبر في مواجهة الاستفزازات المتكررة من جانب المتطرفين الهندوس.
وأشار الإمام بخاري إلى المخاوف المتعلقة بالمسوحات الأثرية التي تُجرى في مختلف مواقع المعالم الإسلامية. ورغم أن هيئة المسح الأثري في الهند أكدت أنها لا تعتزم إجراء مسح لمسجد جامع في دلهي، فإن الإمام بخاري أشار إلى أن مسوحات مشابهة تُجرى في أماكن مثل سامبال وأجمير ومناطق أخرى، وطالب الحكومة بمراجعة هذه الإجراءات بعناية، محذرًا من أنها قد تؤدي إلى تعميق الانقسامات في المجتمع.
مسجد كمال مولى بولاية ماديا براديش
تزعم الجماعات الهندوسية أن هذا المسجد كان في الأصل معبدًا يُعرف بـ”بهوجشالا”. وقد دعت هذه الجماعات إلى إجراء مسح للتحقق من صحتها. أما في أجمير شريف، فقد ادعت منظمة “هندو سينا” أن الضريح الإسلامي في الواقع هو معبد “سانكات موتشان ماهاديو” المخصَّص لإله القرد الذي خدم راما. وقد تم تقديم التماس في المحكمة لدعم هذه المزاعم.
الأطماع تصل إلى تاج محل
لم يسلم قصر تاج محل الذي يُعَد من أبرز المعالم الأثرية في الهند بأكملها من مطامع المتطرفين الهندوس، إذ كرر عدد من زعماء حزب بهاراتيا جاناتا هذه الادعاءات بشأن المَعلَم، الذي يخلد قصة إمبراطور مغولي عاشق لزوجته، زاعمين أن تاج محل كان في الأصل معبدًا هندوسيًّا بُني قبل فترة طويلة من حكم شاه جهان.
مساجد عديدة أخرى مهدَّدة بمصير مسجد بابري، مثل مسجد جامع وضريح الشيخ سليم تشيشتي في فتحبور سيكري بولاية أوتار براديش، ومسجد أتالا في جاونبور (أوتار براديش)، ومسجد شمشي في بدايون (أوتار براديش)، ومسجد الملالي المعروف بمسجد الجمعة في مانغلورو بولاية كارناتاكا.