تحليل للغارديان: هل تتحول حلب إلى مسمار جديد في نعش النفوذ الروسي بالمنطقة؟
خيارات موسكو المقبلة
كانت جدران المكتب العسكري في حلب مزيّنة بصور الكرملين، تحيط بها الأعلام الروسية والسورية معلقة جنبًا إلى جنب. وعلى المكاتب، وُجدت وثائق تسلط الضوء على التعاون بين البلدين، لكنها تُركت مهجورة، في دليل واضح على التراجع السريع لقوات بشار الأسد عندما كانت المعارضة المسلحة تقترب من ثاني أكبر مدينة في سوريا خلال عطلة نهاية الأسبوع.
وأبرز مقطع فيديو قصير، انتشر على الإنترنت، سُجّل في مكتب المستشارين الروس بأكاديمية حلب العسكرية بعد سيطرة قوات المعارضة عليه بهجوم مفاجئ، التهديد المتصاعد لنظام الأسد، ومن ثم لنفوذ موسكو الاستراتيجي في سوريا والمنطقة برمتها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsوزير العدل السوري يكشف للجزيرة مباشر تفاصيل ملاحقة مسؤولي نظام الأسد (فيديو)
الأمن العام باللاذقية: حررنا مختطفينا من قبضة مليشيات الأسد وقتلنا عددا من الخاطفين
معقل أنصار الأسد.. حملة بريف اللاذقية لإلقاء القبض على عناصر النظام السابق (فيديو)
وكانت حلب مسرحًا لمعارك شرسة ومدمرة بين عامي 2012 و2016 عندما بلغ الصراع السوري ذروته. وفي عام 2016، بعد عام من انضمام القوات الروسية إلى جانب الأسد، تمكّن رأس النظام من استعادة المدينة وإجبار الثوّار على التراجع.
في ذلك الوقت، كانت استعادة الأسد لمدينة حلب، بعد شهور من القصف الجوي المكثف، موضع احتفاء واسع في موسكو، حيث سارعت نخبة البلاد إلى نسبة النجاح العسكري إلى أنفسهم.
وقال فلاديمير بوتين لوزير دفاعه بعد أيام قليلة من سقوط حلب “لا شك أن تحرير حلب من الجماعات المتطرفة، تم بمشاركة مباشرة وتأثير حاسم من قبل أفراد قواتنا”.
ومع ذلك، ومع ازدياد هشاشة موقف الأسد، أصبح النجاح الأهم لموسكو في دعمه، الذي أكسبها سمعة كحليف موثوق، معرضًا لخطر التشويه.
سمعة موسكو في خطر
وفي تصريحات لصحيفة الغارديان البريطانية، قالت هانا نوتي، وهي خبيرة في شؤون روسيا والشرق الأوسط في مركز جيمس مارتن للدراسات الخاصة بمنع انتشار الأسلحة النووية وتتخذ من برلين مقرًّا لها، إن “السقوط السريع لحلب وحجم الهجوم الذي شهدناه يمثلان بالتأكيد ضربة لسمعة روسيا”.
ووفقا للغارديان، فقد شكّل التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، نقطة انطلاق لسياسة خارجية أكثر حزمًا، حيث أرسل بوتين رسالة واضحة إلى الغرب بأن روسيا تستعيد مكانتها كقوة مهيمنة على الساحة العالمية.
وسمح التدخل لبوتين بالمطالبة بمكانة “القوة العظمى” التي سعى إليها منذ توليه السلطة عام 2000؛ مما منح روسيا مقعدًا رئيسيًّا في الشرق الأوسط وجعل بوتين يطمح للمزيد.
كيف سيؤدي سقوط حلب إلى تغيير استراتيجية روسيا في المنطقة؟
وفي هذا السياق، قال نيكيتا سماغين، خبير السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط “كان التدخل في سوريا مهمًّا لروسيا وإحساسها بمكانتها على الساحة العالمية. تم ذلك تحت شعار عودة روسيا كقوة عظمى، وهو ما تم التأكيد عليه باستمرار”.
وأضاف “لم يغير ذلك الديناميكيات في الشرق الأوسط فحسب، بل غيّر أيضًا تصور النخبة الروسية”.
وأصبحت سوريا ساحة اختبار لاستراتيجية بوتين باستخدام يفغيني بريغوجين ومجموعة “فاغنر” شبه العسكرية، التي لم تشارك فقط في العمليات الميدانية بل أقامت أيضًا روابط اقتصادية مع النخبة السورية. وسمحت هذه الاستراتيجية لموسكو بتقليل تدخلها العسكري وخسائرها في الصراع.
وأشارت الغارديان، إلى أنه تم تطبيق نفس النهج لاحقًا في نحو 12 دولة إفريقية، من موزمبيق إلى ليبيا، حيث استخدم بوتين مزيجًا من الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية لدعم قادة محليين.
وعندما حوّلت روسيا تركيزها العسكري ومواردها إلى غزو أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، حاول الكرملين الحفاظ على الوضع القائم في سوريا بأقل جهد واستثمار، كما ذكرت هانا نوتي. لكنها أضافت “اعتقدت روسيا أن الوضع يمكن الحفاظ عليه. ولكن ثبت أن هذا خطأ”.
ورغم أن الوجود العسكري الروسي في سوريا نادرًا ما تجاوز 5000 جندي، فقد أجبرت الإخفاقات في أوكرانيا موسكو على إعادة نشر بعض المعدات العسكرية الموجودة في سوريا، بما في ذلك سرب من طائرات Su-25 ونظام صواريخ S-300 البعيدة المدى.
وبعد مصرع بريغوجين في صيف 2023، تم نقل ما يصل إلى 2000 من المرتزقة المتمرسين من سوريا، حيث انضم بعضهم إلى الفيلق الإفريقي، وهو وحدة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بوزارة الدفاع الروسية.
التحول الأكبر في مصير الأسد
لكن هانا نوتي أشارت إلى أن التحول الأكبر في مصير الأسد جاء بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عندما صعّدت إسرائيل بشكل كبير هجماتها على حلفاء الأسد في المنطقة.
وجاء الهجوم الذي شنه الثوار في نهاية الأسبوع الماضي، في وقت أُضعفت فيه إيران بفعل الضربات الجوية الإسرائيلية، في حين تعرضت قوات حزب الله اللبناني لخسائر كبيرة بعد 13 شهرًا من الحرب مع إسرائيل واغتيال زعيمها حسن نصر الله.
وقالت نوتي “كان لروسيا وجود مناسب للحفاظ على الوضع في سوريا دون التورّط في قتال مكثّف، لكنها تفتقر إلى الوجود اللازم للتعامل مع هجوم مفاجئ وضخم”.
وأضافت “البيئة التي أعقبت 7 أكتوبر كانت شديدة الاضطراب وأصبحت الآن تسبب مشاكل لموسكو”.
ما هي خيارات روسيا المقبلة؟
وصعّدت موسكو بالفعل غاراتها الجوية القاتلة على عدد من المدن، بما في ذلك حلب وإدلب في الشمال الغربي، وهي معقل للمعارضة. ولا تزال القاعدتان العسكريتان الكبيرتان لروسيا، قاعدة حميميم الجوية وقاعدة اللاذقية البحرية القريبة على البحر المتوسط، خارج نطاق الخطر، رغم أن موسكو اضطرت إلى إخلاء القاعدة الجوية الصغرى “كويرس” قرب حلب.
وبينما تبقى روسيا ملتزمة بدعم بقاء الأسد في السلطة، فإن استنزاف الحرب في أوكرانيا يجعل من غير المرجح أن تخصّص قوات أو موارد إضافية لإنقاذه. وقال نيكيتا سماغين “ستحاول روسيا قصر دعمها على القوات الحالية في سوريا، حيث من الواضح أن هناك موارد قليلة متبقية”.
وأضاف سماغين أن جميع المؤشرات تشير إلى أن الهجوم المفاجئ لقوات المعارضة قد فاجأ موسكو. وقال “رأينا أن ردود الفعل الأولية لروسيا كانت حذرة إلى حد ما، مما يعكس حالة من الارتباك التي تعيشها”.
وفي إشارة إلى استياء موسكو من التطورات الأخيرة، أقالت روسيا سيرغي كيسيل، الجنرال المسؤول عن قواتها في سوريا، في وقت سابق من هذا الأسبوع، وفقًا للمدوّن العسكري الروسي ريبار، المعروف بصلاته بوزارة الدفاع.
وأعرب ريبار، عن غضبه من الخسارة المفاجئة والسريعة للأراضي التي ساعدت روسيا في استعادتها على مدار السنوات الماضية، وألقى العديد في موسكو باللوم على الأسد.
لا يزال من المبكر تقييم الضرر
وقال مارات غابيدولين، وهو مرتزق سابق في مجموعة فاغنر قاتل في سوريا، إن مقاتلي الأسد اعتمدوا لفترة طويلة على الدعم الروسي. وأضاف “لطالما كان مقاتلو الأسد سيئين جدًّا في القتال، ولكن الدعم الجوي الروسي يمكن أن يعيد التوازن مرة أخرى”.
وتحذر نوتي وآخرون من أن الوقت لا يزال مبكرًا لتقييم الضرر الطويل الأمد الذي قد يلحق بمكانة موسكو. وقالت إنه “لا يزال من المبكر تحديد ما إذا كان هذا سيؤدي إلى ضرر دائم لصورة روسيا أم لا، لأن ذلك يعتمد على ما سيحدث في الأيام والأسابيع المقبلة”.
وأضافت “القادة في إفريقيا والشرق الأوسط لم يتخذوا استنتاجات قاطعة بعد. إنهم ينتظرون رؤية كيف ستتطور الأمور قبل اتخاذ أي قرارات”.