مئات الفلسطينيين يتجمعون حول الغذاء الوحيد في شمال غزة للبقاء على قيد الحياة (فيديو)
كانت في السابق تُلقى إلى الحيوان الذي كان في أغلب الأحيان لا يعيرها انتباها ولا يلقي لها بالا
في شمال غزة بلغ الجوع مداه وتجاوز شره الحد الأقصى، جراء الحرب الإسرائيلية على القطاع والحصار الخانق على أهالي الشمال تحديدًا، فأصبح البحث عن مأوى آمن أو لقمة عيش تسد رمقهم هو التحدي اليومي الصعب بالنسبة لهم.
فبعدما لجأوا إلى أعلاف الحيوانات والنباتات البرية، اضطروا أخيرًا إلى تجربة شيء جديد تمثل في صناعة الحساء من عظام الحيوانات، ليصبح وجبة غذائية لسكان الشمال بديلة عن الطعام بعدما كانت هذه العظام سابقًا تُلقى إلى الحيوان الذي كان في أغلب الأحيان لا يعيرها انتباهًا ولا يلقي لها بالًا.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقيادي بحماس: الحركة لن تسمح لأي طرف بفرض أجندته على الفلسطينيين
ارتفاع عدد شهداء سوء التغذية والجفاف في قطاع غزة
قلق من تزايد حالات الوفاة بين المسنين في قطاع غزة
غذاء لمصابي الحرب
وليد الشيخ، طاهٍ ومالك محال جزارة في مدينة غزة، أُجبر على إغلاقها بسبب ظروف الحرب، ومع انتشار المجاعة بات يصنع حساء العظام ويبيعه في الأسواق.
يقول الشيخ للجزيرة مباشر إن سعر كيلو اللحوم وصل إلى 180 شيكلًا (نحو 50 دولارًا) بسبب الحرب، ومع قلة أعداد الذبائح بات يلجأ إلى ما تبقى من محال الجزارة في الشمال ليشتري منها العظام بسعر مرتفع ليقوم بطهيها في الماء ويصنع منها حساءً يطلق عليه الغزيون “المرقة”.
وأوضح الشيخ أنه يبيع كوب الحساء بشيكل بحيث يستخدمه غالبية الزبائن لسد جوعهم، لافتًا إلى أن حساءه كثيرًا ما يُستخدم غذاءً لمصابي الحرب الذين تتطلب حالاتهم المرضية تناول أطعمة صحية.
“الجوع نال من أجساد ضحاياه ولكنه لم ينل من أرواحهم”، هكذا يمكن وصف سلوك الشيخ مع قطاع واسع من زبائنه الذين يقصدونه وليس في جيوبهم ثمن الحساء فيعطيه لهم مجانًا قائلًا “المَركِب الي فيها لله ما بتغرق”.
كيس مرقة لسد الجوع
محمد حسان، أحد سكان الشمال، يجوب السوق يوميًّا بحثًا عما يسد رمق أسرته وفقًا لقدرته الشرائية الضعيفة جدًّا، وعندما يعجز عن ذلك ويصيبه اليأس يتناول كوب حساء بديلًا لوجبتي الإفطار والغداء، وعند سؤاله عن آخر مرة قام فيها بأكل اللحوم أجاب مستنكرًا “إيش يعني لحمة شو يعني لحمة؟ مفيش لحمة ولا أرز ولا طحين ولا شغل”، مؤكدًا أنه يأخذ لأسرته يوميًّا كيس مرقة لتصبيرهم على الجوع.
أما أبو وديع الشوا، فأوضح أن فكرة بيع حساء العظام جاءت إليه بسبب الظروف الصعبة التي يعيشها أهالي الشمال مع الحرب والمجاعة في محاولة لمساعدتهم، مشيرًا إلى أنه أصبح لديه الآن الكثير من الزبائن الذين يأتون إليه خصيصًا بسبب عدم وجود أي وجبات غذائية أخرى.
وأثناء الحديث مع الشوا الذي كان منهمكًا في سكب مُنتَجِه لزبائنه، ومنهم أبو خليل شحيبر الذي قال إنه وعائلته وجدوا في الحساء بديلاً للحوم التي باتت حلمًا بعيد المنال لسكان شمالي القطاع، مشيدًا بهذا المشروع إذ يشتري المرقة يوميًا ويضيف إليها بعض الأرز لتصبح وجبة يطعمها لأسرته.
تتجمهر أسراب من الفلسطينيين بأجساد هزيلة حول أواني الحساء، منهم من يظفر بكأس يرشفه على عجل، ومنهم من يحمله إلى أسرته ليؤجل به الموت جوعًا يومًا آخر، كحال أم إبراهيم المصابة بأمراض الكلى، التي قالت إنها وعائلتها اقتربوا من أكل التراب من شدة الجوع، لافتة إلى أن الحساء الذي تحصل عليه صدقة وتبرعًا هو الطعام الوحيد الذي يدخل الأفواه الجائعة في بيتها.
ومع ذلك تؤكد أم إبراهيم ذات الوجه الشديد الشحوب أن الصمود على أرض القطاع أمر لن يتأثر بموت أو جوع أو حصار، ثم تتناول ما جادت به أيدي المحسنين من حساء وتمضي.