قصص الظلام.. العاملون عبر الإنترنت في مصر كيف يواجهون انقطاع الكهرباء؟

في عام 2013 وأثناء خضم أحداث سياسية وواقع اقتصادي غامض، استأجر حسام مقرا بطابق مرتفع في بناية شاهقة شمال شرق القاهرة لتأسيس مشروع لتسويق وبيع تطبيقات محاسبية للشركات وتقديم دعم فني وتدريبي.
وقتها كان انقطاع الكهرباء متكررا وكان حسام وزملاؤه يضطرون إلى صعود كثير من الطوابق، ولكنهم تحمّلوا الوضع حتى استقر التيار وبدأ المشروع يزدهر، واشتروا المقر الذي عرفه العملاء.
“آسفين مش هنقدر نكمل معاكو” اضطر حسام إلى سماعها كثيرا مؤخرا من عملائه لتفوت صفقة مربحة على شركته، والسبب انقطاع الكهرباء يوميا عن مقر شركته لساعتين في ذروة ساعات العمل، حيث ينقطع التيار بشكل تبادلي في أنحاء البلاد، حسب جدول معلن، مما قلص حجم العمل.
يعجز حسام عن إسناد مشروعه الذي وقف صامدا أحد عشر عاما في وجه توترات اقتصادية كبرى شهدتها البلاد، وقد أصبح حلمه على المحك جراء أزمة الكهرباء.

وكانت الحكومة قد بدأت خطة لتخفيف الأحمال منذ صيف العام الماضي لساعتين يوميا.
ساعتان تُربكان يوم آية -وهي محاسبة متزوجة حديثا- تعمل بعض الأسبوع من المنزل، لكنها لا تتمكن من إنهاء أعمال منزلها ولا مهام عملها في الموعد بسبب انقطاع الكهرباء والإنترنت، فتعوض هذه الساعات بالعمل مساء في وقت يجب أن يخصص لأسرتها.
أما كريم -وهو أب لطفلين- فيعمل من المنزل لشركة اتصالات وتبدأ مهامه من التاسعة صباحا إلى الرابعة عصرا، ويضطر لتعويض ٤ ساعات على حساب وقته مع أسرته.
فبحسب الجدول ينقطع التيار عن بيت كريم ساعتين، فينقطع الإنترنت بسبب انقطاع التيار عن السنترال في ساعتين مختلفتين. يقول كريم إن أكثر ما يؤلمه أنه غائب بشكل شبه تام عن المناسبات والتجمعات العائلية، لانشغاله الدائم بإنهاء مهامه المتأخرة بسبب انقطاع التيار، كما أن هذه المعاناة قضت على أي أمل له في الحصول على وظيفة مسائية لتحسين دخله.
مليار دولار للدولة وخسائر للمواطنين
وكان المتحدث باسم الحكومة قد قال إن خطة تخفيف الأحمال توفر للدولة مليار دولار سنويا، عن طريق التقليل من استيراد الغاز اللازم لتشغيل محطات الكهرباء.
يقول حسام إن الدولة توفر هذه الأموال على حساب خسائر المواطنين والمستثمرين، فخلال قرابة عام واجهت الخوادم التي يعمل عليها التطبيق المحاسبي الذي يسوقه خطر التوقف في أوقات انقطاع التيار، في البداية اعتمد حسام على أجهزة إمداد للطاقة لاستمرار عمل الخوادم لكن هذا لم يكن حلا فعالا، فهذه الأجهزة التي يتراوح سعرها بين 14 ألف جنيه مصري (أي ما يعادل 300 دولار) ونحو مئة ألف جنيه (أي أكثر من ألفي دولار أمريكي)، لا يزيد عمرها على شهر؛ فهي مصممة للطوارئ وليس للاستعمال المنتظم لذا كان لا بد من حل أكثر استدامة.
⚡️"احذروا ركوب المصاعد في هذه التوقيتات".. كيف استقبل المصريون بيان شركة الكهرباء حول انقطاع الكهرباء يوميًا؟ #الجزيرة_مباشر #مصر #أزمة_الكهرباء pic.twitter.com/brqH36Fo9F
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) July 23, 2023
لجأ حسام إلى نقل الخوادم بطريقة فنية معقدة إلى بيت والد زوجته الذي اتضح له أن التيار الكهربي لا ينقطع عنه، ثم سعى للانتقال هو أيضا بسكنه إلى مكان لا تنقطع عنه الكهرباء وبعد الانتقال أكثر من مرة، استقر في مجمع سكني حديث به تيار كهربي مستقر دون انقطاع.
بعدما حل حسام مشكلة الخوادم، بقيت مشكلة تشغيل المقر، إذ بدأت الشركة التخفيف من التعاقدات كي يتمكن الموظفون من إنجاز عملهم؛ مما أدى إلى خسائر قدّرها بـ150 ألف جنيه (أي نحو ثلاثة آلاف دولار) في شهرين فقط.
كانت الحكومة قد أعلنت إعفاء المنشآت السياحية والمنشآت الحيوية من خطة تخفيف الأحمال، كما لا تطبق على محافظات البحر الأحمر وشمال وجنوب سيناء ومحافظة مطروح التي تتبع لها منتجعات الساحل الشمالي.

لم يتحمل حسام نزيف الخسائر، وبحث عن حلول لعودة وتيرة العمل الطبيعية، إذ حاول الحصول على خلايا شمسية، لكنه اكتشف أنه يحتاج إلى تصاريح تتطلب وقتا ليس لديه متسع منه.
فلجأ إلى مولدات تعمل بالوقود، كلفته نحو ألفي دولار وكميات من البنزين يحصل عليها بطريقة مخالفة للقانون الذي يمنع تداول البنزين خارج محطات الوقود.
نجح في تشغيل المقر، رغم الضوضاء والعادم المزعج الناتج عن حرق الوقود.
موظفو الشركات الذين يتدربون لدى حسام على استخدام البرنامج يترددون بانتظام على الشركة مدة تدريبهم، فيجدون صعوبة في صعود درج البناية الشاهقة وقت انقطاع الكهرباء، وقبلها بسبب فصل المصاعد قبل موعد انقطاع التيار لتجنب الاختناق داخل المصعد.
لا حلول عملية
وكان ثلاثة ضحايا على الأقل قد لقوا حتفهم في مصر خلال العام الماضي داخل المصاعد أثناء انقطاع التيار، بالاختناق أو بالسقوط في علبة المصعد أثناء محاولة الخروج.
ورفعت الدولة أسعار الكهرباء مرات خلال الأعوام الماضية، وأعلنت الشركة القابضة للكهرباء نيتها رفع الدعم عنه نهائيا في 2025.
⚡️ "بسم الله هنطفي النور إن شاء الله".. جدل حول فيديو لـ"عامل بشركة #الكهرباء" يعتذر قبل قطع التيار عن أحياء سكنية#الجزيرة_مباشر | #مصر 🇪🇬| pic.twitter.com/2nVB6rb1Fo
— الجزيرة مباشر (@ajmubasher) August 2, 2023