“ورد النيل” شيطان يبتلع مياه المصريين.. هل يتحول إلى مشغولات يدوية في زمن الجفاف؟
يقف جمال خليفة بالقرب من إحدى الترع المتفرعة من نهر النيل في دلتا مصر حائرا في كيفية توفير المياه اللازمة لري 5 أفدنة ورثها هو وإخوته عن أبيهم وتحولت بمرور الأيام إلى عبء متزايد.
تحدث خليفة للجزيرة مباشر بمرارة عن شح المياه وصعوبة التعامل مع ورد النيل الذي سد المجرى المائي بشكل شبه كامل، ساخرا من مبادرة وزارة الري التي سمع عنها لأول مرة لتحويل ورد النيل إلى مشغولات يدوية قائلا: “يبقى مفيش فايدة”.
في المقابل، تظهر وزارة الري حماسا لافتا في تفعيل المبادرة، وقد بدأت دورات تدريبة للفلاحين في عدد من المحافظات.
ويرى هاني سويلم، وزير الري والموارد المائية، أن هناك حلًّا لمشكلة ورد النيل يتمثل في إيجاد قيمة اقتصادية مضافة لاستخداماته.
وعلى صفحته الرسمية، يروج وزير الري لدورة تدريبية على طرق تجميع وتجفيف ورد النيل لاستخدامه في تصنيع مشغولات يدوية بمشاركة 36 سيدة ومزارعًا بقرية مركز دسوق بكفر الشيخ، ونشر نماذج من مشغولات تم بالفعل إنتاجها من ورد النيل، ودعا إلى مزيد من الأبحاث العلمية في هذا الصدد.
وحش جاثم على صدر النيل
في مثل هذا الوقت من كل عام يتكاثر ورد النيل ليبدو كوحش جاثم على المجرى المائي الأهم في حياة المصريين بينما تنطلق آليات وزارة الري في عمليات تطهير تبدو بلا نهاية طبقا لمقاطع مصورة تنشرها وزارة الري بشكل متتابع.
ولم يكن محمد علي الذي حكم مصر من عام 1805 إلى 1845 يدرك حجم الأخطار حين جلب تلك الزهرة إلى مصر من بحيرة فيكتوريا بمساعدة خبير زراعة بريطاني لتزيين نافورة حديقة منزله لتتحول إلى نبات موسمي ينمو ويطفو فوق المياه العذبة، ويتبع عائلة كبرى تحتوي على أنواع متعددة، منها ما يسمى “خس الماء”.
وكان فيضان النيل يطهر النهر تلقائيا بإلقاء الأعشاب بما فيها ورد النيل في البحر المتوسط ليموت في المياه المالحة وذلك قبل بناء السد العالي.
يستهلك ورد النيل جزءًا من مياه النيل، ويعيق حركة الملاحة والري، ويسد المجاري المائية كالترع والمصارف، ويستهلك جانبا من الأكسجين الذائب في المياه بما يؤثر سلبا على الكائنات النهرية، إضافة إلى أنه أصبح مأوى لقواقع البلهارسيا والثعابين.
حلول شكلية
يرى سليم أبو دنيا -وهو مهندس ريّ- أن الحكومة تقاعست عن الحل الحقيقي وتحولت إلى حلول شكلية بهدف “تصوير اللقطة”، على حد تعبيره. وقال إن المسؤولين الذين منعوا زراعة الأرز بدعوى شح المياه ساعدوا بإهمالهم على زراعة ورد النيل فوق مساحات شاسعة من نيل محافظة القليوبية.
وتحدث أبو دنيا للجزيرة مباشر عما يسميه تقصيرا حكوميا ممتدا منذ عشرات السنين في الاستفادة من ورد النيل في إنتاج وقود حيوي، أو استخدامه سمادًا لتحسين التربة الزراعية لما يحتويه من العناصر الكيميائية، أو استخدامه علفًا للحيوانات. كما يرى أبو دنيا أن ورد النيل ليس شرًّا محضًا، بل يمكن أن تكون له فائدة حين يتحول إلى طبقة لحماية مياه النهر من التبخر.
وأشار أبو دنيا إلى أنه بحكم عمله مهندسًا للريّ بالقرب من منطقة القناطر الخيرية بدلتا مصر يرى أن تكاثر ورد النيل هذا العام يشكل خطرا كبيرا لابتلاعه كميات هائلة من المياه بالتزامن مع الملء الخامس لسد النهضة الإثيوبي وخصم قدر كبير من حصة مصر من مياه النيل.
وتستهلك كل زهرة نحو 4 لترات من الماء يوميا ويبدو أن الاتجاه الذي ما زال سائدا في دول حوض النيل هو التخلص منها لأن الصناعات التي تقوم عليها لا توازي أخطارها وأضرارها، على حسب قوله.
في هذا السياق لا يجد عماد الغلبان -وهو مزارع من محافظة الدقهلية شرق النيل- سوى صفحته على فيسبوك ليبعث باستغاثة إلى المسؤولين ويبث مقطعا مصورا لانسداد المجرى المائي بشكل كامل في منطقة ميت غمر.
منبع الكارثة
من جهة ثانية، يعتبر الباحث في مركز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة ربيع بركات أن الكارثة تبدأ من بحيرة “تانا” أحد روافد النيل الأزرق في شمال إثيوبيا، حيث يتمدد ورد النيل على مساحة تتجاوز 120 كيلومترا مربعا، ويهدد عشرات الكائنات البحرية.
وطالب بركات بتعاون بين مصر والسودان من جهة وإثيوبيا من جهة أخرى، لكنه استدرك قائلا للجزيرة مباشر إن أزمة سد النهضة تجاوزت ذلك الأمر ووضعت الجميع أمام حقائق أخرى.
ويطالب بركات باعتماد وتوسيع نطاق المكافحة البيولوجية من خلال حشرات تسمى “نيوكتينا إيكورني” وهي من أنواع السوس الذي يتغذى على ورق النبات. لكن الباحث يشير إلى أن تلك الطريقة تحتاج إلى نحو 5 سنوات موضحا أن بحيرات مثل إدكو ومريوط خضعت مؤخرا لتجارب شبيهة.
ورغم ذلك يشير بركات إلى بعض المميزات لهذا النبات موضحا أن هناك دراسات تعتبره جهازا طبيعيا ينقي المياه بامتصاص بعض المعادن الثقيلة والسامة مثل الذهب والفضة والكوبالت والرصاص والزئبق والنيكل.
كما يعتقد أنه يمتص المركبات العضوية ويحسن خواص المياه لتكون أكثر صلاحية للشرب بعد أن يساعد على خفض مستوى الملوثات بنسبة ما بين 75 و80%.
ورد النيل🇪🇬 pic.twitter.com/DZ6NewZmQj
— صور أم الدنيا | شحاته العوامرى (@shataelawamry) July 12, 2023
أخطر عشب مائي
وتحذر دراسة للباحثة آية سالم بقسم الجغرافيا بجامعة العريش من أن ورد النيل لا يزال يصنف على أنه أخطر عشب مائي على الإطلاق؛ لتكاثره السريع ومقاومته لكل طرق التخلص منه. لهذا فإن الدراسة توصي بتوجيه جهود المكافحة إلى محاولة استغلاله والاستفادة منه “لينقلب العدو إلى صديق” يمد الإنسان بمصادر نافعة كالورق والبروتين وعلف الحيوان.
وحسب الدراسة يحتوي ورد النيل على كمية هائلة من المياه تصل إلى 93% من وزنه وله قدرة فائقة على التكاثر تتجاوز 200 طن للهكتار فضلا عن تضاعف مساحته كل 5 أو 10 أيام.
وشملت دراسة الباحثة آية سالم التركيز على فرع النيل في دمياط، وكشفت عن تراجع تدفق المياه بنسبة وصلت إلى 45%، واعتبرت أن التصدي بشكل شامل يبدو صعبا إن لم يكن مستحيلا، موضحة أن نسبة قليلة للغاية من الزهرة لم تصل إليها يد المقاومة تعاود التكاثر والانتشار بقوة وبسرعة رهيبة.