نيويورك تايمز تكشف خطط الموساد منذ 2006 للوصول إلى “الهدف الأكبر” في لبنان
الكشف عن دور الوحدة 8200 وقوات كوماندوز سرّية
كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، في تقرير لها، اليوم الأحد، أنه في الأيام التي تلت هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر/تشرين الأول على مستوطنات غلاف غزة، أعرب مسؤولو الاستخبارات الإسرائيلية عن مخاوفهم من شن حزب الله هجومًا استباقيًّا، وسارعوا إلى إعداد خطط لوقفه عبر اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله القوي، الذي كانت تل أبيب تعلم بمكان وجوده في بيروت.
لكن عندما أبلغت إسرائيل البيت الأبيض بخططها، أبدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن شعورها بالقلق، واستبعدت حدوث هجوم وشيك من حزب الله.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsسعيد عطا الله.. استشهاد قيادي في القسام وأسرته بضربة إسرائيلية لمنزلهم شمالي لبنان (فيديو)
غارة إسرائيلية تدمر بناية في بيروت واندلاع حرائق في الجولان جراء صواريخ حزب الله (فيديو)
بالتزامن مع تنفيذ 10 عمليات.. حزب الله يبث مشاهد لقصف مواقع إسرائيلية (فيديو)
وذكرت مصادر من كبار المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين الحاليين والسابقين، للصحيفة، أن بايدن اتصل برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأخبره بأن قتل نصر الله سيؤدي إلى اندلاع حرب إقليمية، وطلب منه التريّث.
80 قنبلة
وأمس السبت، أعلنت إسرائيل أنها قتلت نصر الله بعد أن أسقطت طائراتها الحربية أكثر من 80 قنبلة على أربعة مبانٍ سكنية في لبنان، حيث كان زعيم حزب الله الذي يقود التنظيم منذ أكثر من ثلاثة عقود مجتمعًا مع كبار مساعديه. ولم يتم إبلاغ بايدن سلفًا، مما أثار استياء البيت الأبيض.
لكن الاستنتاج الأهم لكل من إسرائيل والولايات المتحدة، كان يتمثل في مدى نجاح الاستخبارات الإسرائيلية في تحديد موقع نصر الله بدقة واختراق الدائرة الداخلية لحزب الله، ففي غضون أسابيع، تمكنت إسرائيل من تدمير الصفوف العليا والمتوسطة لقيادة حزب الله، مما ترك التنظيم في حالة من الارتباك والضعف، وفق التقرير.
ورأت الصحيفة أن هذا “النجاح” هو نتيجة مباشرة لقرار إسرائيل بتكريس موارد استخبارية أكبر بكثير لاستهداف حزب الله بعد حربها معه في يوليو/تموز عام 2006، فقد فشل جيش الاحتلال ووكالات الاستخبارات في تحقيق نصر حاسم في ذلك الصراع الذي استمر 34 يومًا، وانتهى بوقف إطلاق النار بوساطة الأمم المتحدة، مما أتاح لحزب الله -رغم الخسائر الفادحة- إعادة تنظيم صفوفه والتحضير للحرب التالية مع إسرائيل.
دور الوحدة 8200
وعلى مدى السنوات التي تلت تلك الحرب، عملت إسرائيل على تعزيز ما كانت تُعَد بالفعل إحدى أفضل عمليات جمع المعلومات الاستخبارية في العالم. وتم تكريس الكثير من الجهود لتطوير قدرات الموساد والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، اللتين شعرتا بالإحباط بعد حرب 2006 بسبب تقصيرهما في جمع المعلومات الحيوية عن قيادة حزب الله واستراتيجياته.
ونتيجة لذلك، قامت الوحدة 8200، إحدى أقوى أذرع هيئة الاستخبارات الإسرائيلية، بتطوير أدوات سيبرانية متقدمة لاعتراض اتصالات هواتف حزب الله المحمولة وغيرها من وسائل الاتصال، وأنشأت فرقًا جديدة داخل صفوف القتال لضمان نقل المعلومات القيمة بسرعة إلى الجنود وسلاح الجو.
كما بدأت إسرائيل بتحليق المزيد من الطائرات المسيّرة وأقمارها الصناعية الأكثر تقدمًا فوق لبنان، لتصوير معاقل حزب الله بشكل مستمر وتوثيق أي تغييرات صغيرة في المباني قد تكشف -على سبيل المثال- عن مخازن أسلحة. وفي الأسبوع الماضي، قامت القوات الجوية الإسرائيلية بقصف العديد من هذه الأهداف.
قوات كوماندوز سرية
وإضافة إلى ذلك، قامت الوحدة 8200 بالاشتراك مع نظيرتها الأمريكية، وكالة الأمن القومي (NSA)، بتعزيز علاقاتهما بشكل أكبر، مما وسّع من نطاق المعلومات التي تحصل عليها الحكومة الإسرائيلية حول “الأعداء المشتركين” مثل إيران وحزب الله.
واستفادت إسرائيل من قرب لبنان (تبعد القدس المحتلة أقل من 150 ميلًا عن الحدود اللبنانية) لإدخال قوات كوماندوز سرّية في العمق داخل البلاد لتنفيذ مهام استخبارية حسّاسة.
ويقول مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون سابقون، لنيويورك تايمز، إن ما يميز إسرائيل عن الوكالات الاستخبارية التقليدية التي تواجه عقبات قانونية وتتحفظ على المخاطرة، هو “جرأتها” في تنفيذ مثل هذه العمليات.
سلسلة “هزائم مهينة”
ونقلت الصحيفة عن تشيب آشر، المحلل السابق البارز في وكالة المخابرات المركزية لشؤون الشرق الأوسط، والذي عمل بشكل واسع مع الاستخبارات الإسرائيلية، قوله “إنهم يدركون أن هذا كان وسيظل صراعًا طويل الأمد”، وأضاف “إنهم يستثمرون في قدرات تخدم احتياجاتهم على المدى الطويل”.
وأدّت عدوانية إسرائيل، وفقًا للتقرير، إلى سلسلة من “الهزائم المهينة” لحزب الله أخيرًا، حتى في الوقت الذي عمل فيه الحزب بشكل وثيق مع إيران لتحسين قدرته على كشف الجواسيس الإسرائيليين واكتشاف التسللات الإلكترونية.
وقد اعترف نصر الله بذلك في خطاب تلفزيوني حديث قبل مقتله، حيث قال إن جماعته تلقت “ضربة قوية” بعد أن فجّرت إسرائيل أجهزة بيجر وهواتف محمولة ملغومة.
هكذا اغتيل قاسم سليماني
وقال مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون، للصحيفة، إن استثمار إسرائيل في جمع معلومات استخبارية أكبر بعد الفشل في لبنان، أثمر لأول مرة في عام 2008، حيث تعاونت الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية (الموساد) مع وكالة المخابرات المركزية لقتل القيادي الكبير في حزب الله، عماد مغنية، في سوريا.
واستمر تركيز الوحدة 8200 على حزب الله في تحقيق النتائج، ففي يناير/كانون الثاني عام 2020، راقبت الاستخبارات الإسرائيلية عن كثب تحركات الجنرال قاسم سليماني، القائد القوي لفيلق القدس الإيراني، عندما وصل إلى دمشق وسافر في موكب إلى بيروت للقاء نصر الله.
حينها، قررت إسرائيل عدم محاولة قتل نصر الله لتجنب اندلاع حرب، لكنها نقلت المعلومات إلى الولايات المتحدة، التي نفّذت ضربة بطائرة مسيّرة قتلت سليماني في مطار بغداد الدولي.
مصنع صواريخ سري
وفي يوليو الماضي، استخدمت إسرائيل ضربة صاروخية لاغتيال فؤاد شكر، القائد البارز في حزب الله، في بيروت. وكان شكر، المقرَّب من نصر الله، مطلوبًا أيضًا من الولايات المتحدة لدوره في هجوم تفجيري عام 1983 أسفر عن مقتل نحو 300 جندي أمريكي وفرنسي في بيروت.
وأخيرًا، امتد القتال إلى سوريا، حيث زوّدت الوحدة 8200 جيش الاحتلال بالمعلومات اللازمة لشن غارة جوية على مصنع صواريخ سري تابع لحزب الله وإيران في أوائل سبتمبر/أيلول.
وقد اخترقت إسرائيل اتصالات هواتف حزب الله المحمولة، لدرجة أن الجماعة قررت التحول إلى استخدام أجهزة بيجر وهواتف محمولة يدوية للتواصل. وردًّا على ذلك، بدأ الموساد بوضع خطة لتحويل أجهزة البيجر والراديو إلى قنابل مصغّرة.
موقعة البيجر
ويبدو أن الموساد أنشأ شركة وهمية في بودابست، وصنّع أجهزة البيجر بترخيص من شركة في تايوان. وقبل وصول هذه الأجهزة إلى لبنان، قام عملاء إسرائيليون بتثبيت متفجرات داخلها، حسب التقرير.
وفجّرت إسرائيل هذه “البيجرات” في وقت سابق من هذا الشهر. وعندما اكتشف حزب الله أن أجهزة الراديو المحمولة قد تم اختراقها أيضًا، سارعت إسرائيل إلى تفجيرها هي الأخرى. وأسفرت الانفجارات عن استشهاد مدنيين، بمن فيهم أطفال، مما أدى إلى حالة من الذعر الواسع في لبنان.
الهدف الأكبر
وبعد أيام، اغتالت إسرائيل إبراهيم عقيل، القائد العسكري البارز في حزب الله، عبر قصف مبنى سكني في بيروت حيث كان مجتمعًا مع قادة آخرين. وكانت إسرائيل قد تتبعت تحركات عقيل بين بيروت وجنوبي لبنان، إذ كان يشرف على مقاتلي حزب الله، ويتفقد الأنفاق التي كان يأمل استخدامها لمهاجمة إسرائيل. لكن لم يكن هناك هدف أكبر من نصر الله.
وقال تشيب آشر في الختام، معلقًا على طبيعة عمل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية “تكمن أسرار نجاحهم في عوامل عدة، فلديهم قائمة أهداف محدَّدة بوضوح، وهذا يجعل من السهل عليهم تركيز جهودهم بشكل كبير على ما يفعلونه. إنهم في حرب ظل مع حزب الله وإيران، وهم يتمتعون بصبر استثنائي”.