وول ستريت جورنال: حزب الله لن ينتظر طويلا وهذه خطوة إيران القادمة
قد تخاطر إسرائيل الآن بالوقوع في “فخ”
بعد أسابيع من هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ألقى زعيم حزب الله اللبناني خطابًا مدويًا لشرح سبب انضمام مقاتليه إلى القتال ضد “العدو الصهيوني”.
قال حسن نصر الله إن إسرائيل كانت “ترتعد” من الخوف، واصفًا إياها بأنها “أوهن من بيت العنكبوت”، وأكد أن هذه الحرب -على عكس الصراعات السابقة مع دولة الاحتلال- تُعَد “تاريخية وحاسمة”، وأن جميع حركات المقاومة، من لبنان إلى سوريا والعراق وصولًا إلى اليمن، ملزمة بالمشاركة فيها.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبالتزامن مع تنفيذ 10 عمليات.. حزب الله يبث مشاهد لقصف مواقع إسرائيلية (فيديو)
جنوب لبنان.. مستشفى “مرجعيون” الحكومي يغلق أبوابه بعد غارة اسرائيلية قتلت 4 مسعفين
“خلية عمل” بقيادة مُعلّمات في شمال لبنان لتأمين طلبات النازحين من الجنوب (شاهد)
واليوم، وبعد أن اغتيل نصر الله، وكذلك معظم القيادات العليا لحزب الله، ذكر تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أن ما تبقى من التنظيم قد تم تدميره عبر سلسلة من الضربات التي أظهرت اختراقًا مذهلاً للحزب من قِبل الاستخبارات الإسرائيلية.
خطآن استراتيجيان
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاختراق كان نتيجة ارتكاب نصر الله لخطأين استراتيجيين: تقدير خاطئ لحجم قوة إسرائيل، ومبالغة في تقدير قدرات حليفته، إيران، وشبكتها من الجماعات المسلحة المتحالفة في المنطقة.
ويمتلك حزب الله ترسانة ضخمة من الصواريخ والقذائف، بما في ذلك صواريخ باليستية موجهة بدقة. وكان من المفترض أن تمنع هذه الأسلحة التصعيد الإسرائيلي. ومع ذلك، لم تتسبب أسلحته في إلحاق أي ضرر كبير بإسرائيل حتى الآن.
ووفقًا لوزارة الصحة اللبنانية، استشهد أكثر من 1000 شخص في لبنان منذ 16 من سبتمبر/أيلول، خلال الحملة الإسرائيلية لإنهاء ضربات حزب الله التي أجبرت عشرات الآلاف على مغادرة منازلهم في شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، في حين لم تُسجل أي وفيات إسرائيلية نتيجة لضربات حزب الله منذ 19 من سبتمبر.
“إيران مستعدة للقتال حتى آخر لبناني”
ومن جانبه، تحدث فؤاد السنيورة، الذي شغل منصب رئيس وزراء لبنان أثناء الحرب بين حزب الله وإسرائيل في عام 2006، للصحيفة قائلًا “لقد رأينا شيئًا مهمًّا جدًّا في الصراع الحالي.. بينما يتصرف حزب الله كجيش، إلا أنه لا يمكنه مجاراة إسرائيل من حيث القوة النارية، ومن حيث القوة الجوية، ومن حيث الاستخبارات، ومن حيث التكنولوجيا”.
وفي الوقت نفسه، تبيَّن -وفقًا للصحيفة- أن مفهوم “وحدة الجبهات” الذي صاغته إيران، هو طريق ذو اتجاه واحد، إذ يبدو أنها تتوقع من حلفائها في المنطقة أن يضحوا بدمائهم من أجل النظام الإيراني، دون أي مقابل من طهران. وقال السنيورة ساخرًا في هذا السياق “يبدو إن إيران مستعدة للقتال حتى آخر لبناني”.
وأوضحت الصحيفة أنه في الوقت الذي وقع فيه حزب الله “ضحية لغروره”، قد تخاطر إسرائيل الآن بالوقوع في “فخ” مشابه، لا سيما إذا قررت إطلاق عملية غزو بري للأراضي اللبنانية في محاولة منها لإعادة تشكيل خريطتها السياسية.
هل سينتظر حزب الله طويلًا؟
فالغزو الإسرائيلي للبنان في عام 1982، الذي سعى لتحقيق ذلك، أدى إلى ظهور حزب الله واحتلال طويل الأمد انتهى بانسحاب إسرائيلي أحادي من جنوبي لبنان في عام 2000. وقد اغتالت إسرائيل سلف نصر الله، عباس الموسوي، في عام 1992.
ورغم اغتيال نصر الله والعديد من القادة العسكريين البارزين، فإن حزب الله لا يزال يحتفظ بآلاف المقاتلين المدربين جيدًا، فضلًا عن امتلاكه كمية ضخمة من الأسلحة يمكن أن يستخدمها لإحداث خسائر كبيرة في المناطق المحصنة بجنوبي لبنان.
وفي مقابلة مع “وول ستريت جورنال”، حذرت كسينيا سفيتلوفا، النائبة السابقة في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، قائلة “حزب الله لا يمكنه الانتظار حتى تبدأ إسرائيل عملياتها على الأرض في جنوبي لبنان، لأن تلك اللحظة قد تصبح نقطة تحوّل تسمح لهم بالنهوض من الرقاد واستعادة الدعم من المجتمع اللبناني الأوسع”.
إيران أمام معضلة حقيقية
وبينما يدرك قادة إسرائيل مخاطر القتال البري ويتذكرون خسائر “حرب تموز” عام 2006، فإن المشكلة السياسية تكمن في أن الهدف المعلن لإسرائيل، وهو إعادة نحو 60 ألف إسرائيلي تم تهجيرهم نتيجة هجمات حزب الله من المناطق القريبة من الحدود، يصعب تحقيقه بالاعتماد على القوة الجوية فقط.
وعلى الرغم من الضغوط الأخيرة، فإن حزب الله يرفض التوقف عن إطلاق النار عبر الحدود دون أن توافق إسرائيل أيضًا على وقف إطلاق النار مع حماس في غزة. وأوضح إيال زيسر، المختص في المنطقة ونائب رئيس جامعة تل أبيب “لا يمكنهم القيام بذلك، سيكون ذلك هزيمة مهينة لهم”.
وأشارت الصحيفة إلى أن “الضعف الدرامي” الذي يعانيه حزب الله بات يشكل تحديًا خاصًّا لإيران، التي اعتمدت على صواريخ التنظيم اللبناني كوسيلة ردع ضد أي هجوم إسرائيلي محتمل على برنامجها النووي.
حسابات إيران تعقدت باغتيال نصر الله
وقال مايكل هورويتز، رئيس الاستخبارات في شركة (لو بيك إنترناشيونال) “هذا يغيّر المعادلة في المنطقة لأن حزب الله ليس مجرد وكيل آخر لإيران، إنه جزء أساسي من العقيدة الدفاعية لإيران وأداة ردعها الرئيسية ضد إسرائيل”.
وأشار إلى أن هذا يضع إيران في وضع صعب، إذ تم بناء حزب الله للدفاع عن إيران، لكن إيران الآن باتت تواجه معضلة احتمال الاضطرار إلى الدفاع عن حزب الله”.
وتعقدت حسابات إيران، حسب الصحيفة، بعد أقل من شهرين على اغتيال إسرائيل لقائد حماس إسماعيل هنية في دار ضيافة حكومية، وذلك بسبب عدم اليقين بشأن مدى اختراق إسرائيل لهيكلها الأمني.
هل إيران أيضًا مخترَقة؟
وتعاني إيران، التي تخضع لعقوبات غربية، الحاجة إلى شراء معظم معداتها ومكوناتها من خلال “وسطاء مشبوهين”. ومن المحتمل أن تكون إسرائيل، التي تسللت إلى سلسلة إمدادات حزب الله لتفخيخ أجهزة الاتصال والبيجر الخاصة به، قد تدخلت بشكل مشابه في شبكات الاتصالات أو الأسلحة الإيرانية، وفقًا لمحللين عسكريين تحدثوا للصحيفة.
ومع تولّي الرئيس الإيراني الجديد مسعود بيزشكیان مهام منصبه، قاد محاولات لتحسين العلاقات مع الغرب والعمل على إمكانية العودة إلى المفاوضات النووية التي قد تخفف العقوبات المفروضة على الاقتصاد الإيراني المتضرر. ولذا من المحتمل أن تمتنع طهران عن اتخاذ إجراءات مباشرة نيابة عن حزب الله، وفقًا لما قاله ولي نصر، الأستاذ بجامعة جونز هوبكنز والمستشار السابق لوزارة الخارجية الأمريكية.
وأضاف نصر “لقد كانت الأجواء في طهران منذ البداية تتجه نحو عدم الانجرار وراء الاستفزازات. إنهم يعرفون أن إسرائيل ترغب في الحرب الآن، لأنها تمتلك ميزة استخبارية وعسكرية، ولأن هناك فراغًا سياسيًّا في الولايات المتحدة، ولوجود البحرية الأمريكية في البحر المتوسط. إيران ليست مستعدة الآن لأن الوقت ليس مناسبًا، ولكن سيكون هناك وقت مناسب”.
هل ما زالت قدرات المقاومة سليمة؟
وأوضحت الصحيفة أنه بالرغم من أن الهجوم الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، عُدَّ فشلًا استخباريًّا محرجًا لإسرائيل، فإن أحد الأسباب وراء عدم متابعة إسرائيل من كثب لما يحدث في غزة، كان لأنها منذ عام 2006 تركّز بقواتها العسكرية والاستخبارية على ما عَدَّته حربًا حتمية مع حزب الله. وقد أظهرت سلسلة الضربات في سبتمبر الجاري مدى اختراق حزب الله، مما ساعد على استعادة سمعة الاستخبارات الإسرائيلية المتضررة.
ويقول أندرو تابلي، المسؤول السابق في البيت الأبيض، للصحيفة “هذه الضربات لها تأثير مدمر للغاية على حزب الله من الناحية العامة والعملياتية، ولكن ما سينتج عن هذا الوضع الجديد لا يزال غير واضح. هل سيغير ذلك الوضع الاستراتيجي حقًّا؟ لست متأكدًا”.
في المقابل، حذّر كامل وزنة -المحلل السياسي المقيم في بيروت- قائلًا “قدرات المقاومة لا تزال سليمة على الرغم من النكسة التي تعرضت لها من الإسرائيليين. إذا لم يتوقف هذا الجنون، فقد تكون إسرائيل في حالة صحوة غير سارة”.
هل سيفقد حزب الله نفوذه داخل لبنان؟
لكن لعل ما فقده حزب الله بوضوح داخل لبنان، حسب الصحيفة، هو النفوذ القوي الذي سمح له بالتحكم في الدولة اللبنانية، فالبلاد لم تشهد انتخاب رئيس منذ أكتوبر 2022، بسبب عرقلة حزب الله وحلفائه التي حالت دون إجراء البرلمان تصويتًا.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن مكانة حزب الله الآن مع قاعدته داخل المجتمع اللبناني، أصبحت عرضة للخطر، خاصة مع نزوح سكان المناطق في الجنوب ووادي البقاع من منازلهم جراء الغارات الجوية الإسرائيلية.