إمبراطورية “البعث”.. ما مصير الجيش والأمن والتشكيلات الحزبية في سوريا؟

حزب البعث دمشق
مقاتل من الإدارة السورية الجديدة أمام مقر حزب البعث فرع دمشق (الفرنسية)

لم يدر بخلد مؤسسي حزب “البعث العربي الاشتراكي” في سوريا عام 1947، أن ينتهي بشكل درامي في ديسمبر/كانون الأول 2024، على يد فصائل المعارضة السورية بعد أن أسقطت حكم عائلة الأسد الذي استمر نحو 54 عامًا.

وتشكل إمبراطورية “البعث” تحديًا كبيرًا للإدارة السورية الحالية في المرحلة المقبلة، بعد أن هيمن الحزب على الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في سوريا، وتشكلت حوله قاعدة جماهيرية معظمها كان يرى فيه مصدرًا للنفوذ والخدمات والوظائف والوجاهة الاجتماعية.

مطالب بالحظر

وقال العقيد هشام المصطفى، القيادي في “الهيئة الوطنية السورية” والخبير العسكري للجزيرة مباشر إن “هناك رغبة شعبية في منع الحزب من أي أنشطة. برأيي، ورأي معظم السوريين، يجب حظر نشاط الحزب نهائيًا”، مشيرا إلى أن “حزب البعث لم يكن حزبًا شعبيًا، ولهذا السبب فإنه سيكون حزبًا غير مرغوب فيه مستقبلًا”.

وطالب المصطفى بملاحقة “قياداته القطرية والقومية والفروع والشُعب المنتشرة في المحافظات السورية، التي كانت تشارك في القمع ومحاكمتها”.

وأوضح أن مستقبل حزب البعث والأجهزة التابعة له هو محور نقاش مكثف داخل أروقة القيادة السياسية الجديدة في سوريا، مضيفا أنه تم حل “الأجهزة الأمنية السابقة، المكونة من أفرع وشُعب الاستخبارات العسكرية والجوية، وأمن الدولة، والأمن القومي، وشعبة الأمن السياسي، والجنائي، والشرطة، وسيُحال كبار الضباط والمسؤولين فيها ممن يثبت تورطهم إلى المحاكمة”.

أما عن الجيش، فقال المصطفى إنه “غالبًا لن يضم ضباطًا من النظام السابق، نظرًا لما ارتكبوه بحق شعبنا (السوري) طوال الـ14 عامًا الماضية”، مضيفا أن “الاستثناء سيكون وفق حالات معينة يُثبت فيها بشكل قطعي عدم تورطهم في ممارسات مجرمة”.

مقاتلون من فصائل المعارضة السورية المسلحة يقفون أمام مكتب حزب البعث في دمشق بعد إسقاط الأسد (غيتي – أرشيفية)

جيش جديد

من جهته، أوضح الخبير الاستراتيجي اللواء محمد عباس للجزيرة مباشر أن “حزب البعث حظر نفسه بنفسه نتيجة القرارات الحزبية، فمنذ 8 ديسمبر أوقفت قيادته نشاطها السياسي والتنظيمي، قبل نقل ممتلكاتها الثابتة والمنقولة لصالح وزارة المالية، ونقل المؤسسات التابعة له وأصوله الثابتة إلى الجهات المعنية”.

وأضاف عباس أنه “إذا كان بعض أعضاء الحزب يبحثون عن نشاط سياسي جديد، يستطيعون الانتماء لأي حزب آخر”.

وتابع عباس: “نعم، لم تتم ملاحقة الأعضاء العاديين في البعث، لكن إذا كانت هناك علامات على أنشطة غير إنسانية لبعض قياداته، فالإدارة الجديدة في سوريا لديها البيانات والمعلومات”.

وفيما يتعلق بجيش النظام المخلوع، قال عباس إنه يرى ضرورة “تحديد المفاهيم فيما يتعلق بالجيش النظامي والمنشقين قبل الحديث عن مستقبلهم في المنظومة الجديدة”، وأوضح أن جيش النظام السابق “لم يعد موجودًا، وتم تفكيكه كليًا، بمقاتليه وتشكيلاته والبُنى التحتية العسكرية له”.

وقال إن الموجود الآن هو الجيش الوطني السوري الجديد، الذي يتشكل من قوات المعارضة المسلحة، مضيفا أن “هذه المنظومة يُعاد بناؤها ضمن تشكيلات عسكرية جديدة، مضافًا إليها عناصر وضباط كانوا ينتمون للجيش السابق، وينفذون عمليات تسوية عبر التقدم للقيادة العسكرية الجديدة ببياناتهم ومعايير تنظيمية أخرى”.

كما أشار عباس إلى قرار الإدارة السورية الجديدة بإلغاء الخدمة الإلزامية، مما يعني تشكل “جيش جديد لا علاقة له بالماضي، ويُعبّر عن العقيدة القتالية الجديدة للدولة”.

عرض عسكري للقوات التابعة للإدارة السورية في العاصمة دمشق (رويترز)

تجربة العراق

وفي مقابل دعوات الحل والحظر، قال الخبير العسكري اللبناني العميد الركن هشام جابر للجزيرة مباشر إنه يعتقد أنه “لا يمكن استئصال حزب البعث بالكامل على غرار ما حدث في العراق، لأن الكثير من المواطنين كانوا أعضاء فيه”، لكنه استدرك قائلا إن “عودة الحزب للمشهد السياسي بشكله السابق غير واردة، ولن يحظى بشعبية بعد التغيرات السياسية الحالية، والأولوية الآن يجب أن تُمنح لتوحيد سوريا، التي ما زالت تعاني من انقسامات عميقة بين مناطق النفوذ المختلفة”.

وشدد جابر على أن “الجيش النظامي يعد أساس أي دولة، ولا يمكن الاستغناء عنه”، ودعا الإدارة السورية الجديدة إلى منع الانتقام من “القادة العسكريين السابقين الذين كانوا ينفذون أوامر عسكرية، مع الاستفادة من خبراتهم، باستثناء أولئك الذين تورطوا في قضايا محددة”، مقدرا عددهم بما “لا يتجاوز 300 ضابط”، على حد قوله.

وحذر جابر من أن “تجربة حل الجيش في العراق بعد الاحتلال الأمريكي لا يجب أن تتكرر في سوريا، بل يجب العمل على تأسيس جيش قوي قادر على حماية الدولة”.

وأوضح أن “دمج الجيش النظامي مع القوات الجديدة ليس مهمة سهلة، فالمقاتلون غالبًا ينتمون إلى وحدات غير نظامية، وتأهيلهم للانضمام إلى الجيش النظامي يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين”.

واقتصاديًا يرى جابر أن “رأس المال وأصحاب الشركات الكبرى في سوريا لم يكونوا تابعين للنظام بشكل مباشر، لكنهم كانوا يتعاونون معه نظرًا للمصالح الاقتصادية المشتركة بين الطرفين”.

وأوضح جابر أن الاقتصاد السوري “كان عبارة عن شبكة معقدة من الولاءات السياسية والاقتصادية، مع سيطرة مجموعة صغيرة من رجال الأعمال المرتبطين بالنظام على الصناعات وقطاعات التجارة والخدمات”، مضيفا أن الأمور تحتاج إلى إعادة تنظيم شامل لضمان التوازن في المستقبل.

بيئة اجتماعية معقدة

اجتماعيًا، أشار مدير مركز إدراك للدراسات باسل الحفار إلى أن الوضع في سوريا يعاني من “غياب الحوار بين أطيافه منذ عقود، مما خلق فجوة كبيرة وجهل كل طرف بمطالب الآخر”.

وأضاف الحفار أن “المشكلة ليست في الانقسام فقط، بل في طريقة إدارة التواصل بين الأطراف، ورغم صعوبة الوضع، هناك إشارات إيجابية واحتمالات كبيرة لتجاوز المرحلة السابقة وبناء سوريا جديدة”، مؤكدا أهمية “فتح قنوات حوار بين الأطراف مع ضرورة إظهار مرونة تجاه تطلعات الآخرين”.

ورأى أن “النظام السابق لم يعتمد على بنية اجتماعية متماسكة، بل شبكة مصالح وقبضة أمنية وعسكرية، واستند إلى شرعية إقليمية ودولية اكتسبها في مرحلة معينة”.

ودعا الحفار الأطراف في سوريا حاليا إلى “تجاوز الخلافات والتركيز على إعادة التماسك الاجتماعي، رغم تحديات بسط الأمن وتعزيز ثقافة السلم المجتمعي، وضرورة تحييد العناصر التابعة للنظام السابق حتى لا تؤثر سلبًا على الاستقرار، بعد سنوات من الحرب والنزوح والشتات”.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان