من هو عمر صلاح أبو نبوت الذي يقف وراء إصدار مذكرتي اعتقال بحق الأسد في فرنسا؟

حمل الشاب عمر أبو نبوت على كاهله مسؤولية متابعة قضية والده صلاح أمام القضاء الفرنسي منذ تاريخ قصف منزله الذي كان يُستخدم مدرسة تديرها منظمة إنسانية في حي طريق السد بمدينة درعا السورية، إثر هجوم بالبراميل المتفجرة لقوات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في السابع من يونيو/حزيران 2017.
وفي قضية استمرت نحو 8 سنوات، أصدر قضاة فرنسيون من قسم مكافحة الجرائم ضد الإنسانية في محكمة باريس مذكرة توقيف دولية ضد الأسد، بناء على طلب النيابة العامة الوطنية لمكافحة الإرهاب التي اتهمته بالتواطؤ في جريمة حرب.
وقال عمر، للجزيرة مباشر، إن القضية “تتويج لطريق طويل نحو العدالة التي آمنتُ وعائلتي بها منذ البداية. ونأمل أن تكون هناك محاكمة ويتم القبض على المسؤولين ومحاكمتهم أينما كانوا”.
وأضاف “قضيتنا هي جزء من مسار العدالة الانتقالية في سوريا وجزء في منع مجرمي الحرب من الإفلات من العقاب، ومحاسبة بشار الأسد أمام القضاء ستبعث آمالا كبيرة لجميع الضحايا السوريين”.

تفاصيل القضية
تُعَد هذه المذكرة الثانية من نوعها ضد بشار الأسد في فرنسا بتهمة التواطؤ في جرائم حرب، بعد مذكرة التوقيف الصادرة ضده في أكتوبر/تشرين الأول 2023 في القضية المتعلقة بالهجمات الكيميائية في أغسطس/آب 2013 في الغوطة.
وأوضحت كليمانس بيكتارت، المحامية المتخصصة في القانون الجنائي والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، أن استحالة الوصول إلى درعا لجمع الأدلة المتعلقة بالتفجير كانت إحدى أهم الصعوبات القانونية التي واجهتها.
وأشادت بيكتارت في حديثها للجزيرة مباشر بالمجهود الفعال الذي قام به “المركز السوري للإعلام وحرية التعبير” في بناء ملف القضية وتوفير الشهادات وتقديم الأدلة.
وفي هذا الإطار، قال عمر “وافقت على تعيين المركز كطرف مدني مشارك في القضية ليكون له دور أكبر في جمع الأدلة والمعلومات والشهود، وكان له دور كبير ومثمر للغاية، فضلا عن الجهد الذي بذلته المحامية الفرنسية كليمانس بيكتارت”.
وأضاف “أتذكر أول موعد لي مع قاضي التحقيق مع حضور المترجم لأنني لم أكن أجيد اللغة الفرنسية حينه، ثم موعدي الثاني عندما كنت قادرا على التحدث مع القاضي لوحدي. كنت أعمل في صمت وأنا مؤمن بأن المحاسبة أمام القضاء هي المنفذ والأمل الوحيد لنا”.

وخلال تلك الفترة، أخرج عمر فيلما قصيرا بعنوان “جريمة حرب”، تطرّق فيه إلى تفاصيل مقتل والده، وعرضه في عدد من المناسبات لتسليط الضوء على الجريمة التي أودت بحياة أقرب الناس إلى قلبه.
وقال “أرسلت الفيلم إلى قاضي التحقيق، وأتذكر رد فعله الإيجابي حيث لمح تصميمي الثابت وأملي الكبير لتحقيق العدالة رغم الإحباط واليأس، مما شجعه على تقديم يد المساعدة لي”.
إسقاط الحصانة
وجرى اتهام الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم حرب وبسبب مسؤوليته القيادية، إذ رأى القضاء الفرنسي أنه بصفته رئيس دولة سابق لم يعد بإمكانه المطالبة بحصانة شخصية، وأن حصانته الوظيفية لا يمكن اعتبارها قابلة للتطبيق في قضية تتعلق بجرائم دولية تتضمن جرائم حرب.
وفي سياق متصل، أشارت المحامية المكلفة بملف القضية إلى تردد النيابة العامة الفرنسية في البداية في الاعتراف برفع الحصانة عن المسؤولين العسكريين السوريين، قبل أن تقتنع أخيرا بأنهم لا يتمتعون بأي حصانة.
ورأت بيكتارت أن سقوط نظام الأسد أسهم بشكل كبير في التعجيل بإصدار مذكرة التوقيف “لأن النيابة العامة التي أصدرت القرار تابعت الوضع السياسي في سوريا، وطلبت إصدار المذكرة بحق الأسد لأنه لم يعد يتمتع بمنصب رئيس الدولة”، على حد تعبيرها.
وعند سؤال عمر أبو نبوت عن دور سقوط النظام السوري في قضية والده، أكد للجزيرة مباشر أن الوضع السياسي في سوريا أسهم بشكل فعال في تسريع إصدار مذكرة التوقيف، وأن “حصانة الأسد الوظيفية لا يمكن اعتبارها قابلة للتطبيق في قضية تتعلق بجرائم دولية تتضمن جرائم حرب”.
تحقيق العدالة
ولم تستبعد المحامية الفرنسية إصدار مذكرات اعتقال جديدة ضد متورطين آخرين في المستقبل القريب، قائلة “ننتظر مذكرات توقيف أخرى في قضايا جديدة، وسيحدد ذلك الرغبة الحقيقية للسوريين في تحقيق العدالة في بلدهم”.
ودرس صلاح أبو نبوت، وهو سوري فرنسي، الأدب العربي في كلية الآداب بجامعة دمشق، وعُرف بتنظيم أمسيات شعرية ونشاطه السياسي في فترة شبابه. وبسبب مضايقات نظام الأسد المتكررة له، قرر السفر إلى فرنسا حيث درس وقضى نحو 20 عاما وحصل على الجنسية الفرنسية.

وقال ابنه عمر “قبل استشهاد والدي بسبب براميل النظام السوري المخلوع، جرى اعتقاله تعسفيا في السجن لمدة 10 أشهر. ولهذا، قررت عائلتي مغادرة سوريا، وطلبنا من السفارة الفرنسية بالأردن المساعدة. وبفضل السفارة والصليب الأحمر، تمكنا من تحديد مكانه في سجن عدرا بدمشق قبل الإفراج عنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2015″.
وبعد ذلك، حوَّل صلاح منزله في درعا إلى مدرسة سمّاها “مدرسة الأجيال” بالتعاون مع منظمة “أورانتس”، لتوفير مكان آمن للأطفال الذين دمر القصف الممنهج مدراسهم. وفي السابع من يونيو 2017، استهدفت قوات بشار الأسد المدرسة حيث لقي صلاح مصرعه.
وختم عمر تصريحاته بالقول “العمل القضائي بخصوص جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية عمل طويل، ويستمر لسنوات تستوجب التحلي بالشجاعة والصبر للاستمرار والوصول إلى النهاية. أما أنا فأعمل بوصية والدي بمتابعة دراستي للعلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة السوربون، لأكمل المشوار وأستمر في طريق العدالة والمحاسبة القانونية والسلام”.