فورين أفيرز: هذا ما يجب على الغرب فعله حتى لا يتكرر سيناريو أفغانستان في سوريا
تفاؤل حذر
قالت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية إن القيادة الجديدة في سوريا “بقيادة هيئة تحرير الشام”، تواجه تحديات كبيرة في الحصول على الاعتراف الدولي، في وقت لا توجد فيه نماذج واضحة أو إرشادات بشأن كيفية التعامل مع حكومة تديرها جماعة مصنفة “إرهابية”.
ومع الإطاحة برئيس النظام السوري بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، تجد الهيئة والحكومات الخارجية نفسها أمام فرصة تاريخية لكنها محفوفة بالأخطار.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsالزيارة الأخيرة.. أم شريف اختفى أبناؤها الـ7 في معتقلات الأسد لتبدأ رحلة بحث مؤلمة منذ 2012 (شاهد)
الخارجية القطرية: نعمل على صياغة المرحلة الثانية من اتفاق غزة (فيديو)
الشرع يوجه خطابا إلى ترامب بعد تنصيب الأخير رئيسا للولايات المتحدة
يُذكر أن تجارب سابقة، مثل عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان عام 2021، تقدّم دروسًا مهمة، إذ واجهت أفغانستان عقوبات وعزلة دبلوماسية أدت إلى تفاقم أزمة الفقر ودفع البلاد إلى حافة المجاعة.
وعلى الرغم من أن المجتمع الدولي لم يبادر بالتعامل مع طالبان في ذلك الوقت، فإن التواصل مع “هيئة تحرير الشام” شهد نشاطًا ملحوظًا خلال الشهر الماضي، إذ أظهرت الجماعة مرونة سياسية وأيديولوجية تختلف عن طالبان.
تفاؤل حذر
ومع ذلك، يحذر مراقبون من تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتُكبت في أفغانستان، إذ أدت العزلة والعقوبات إلى تقوية “التيارات المتشددة” على حساب الأصوات البراغماتية.
وأشارت المجلة إلى أن المسؤولين الغربيين يُبدون تفاؤلًا حذرًا بشأن مستقبل سوريا، لكن التحدي الأكبر يكمن في اتخاذ خطوات عملية لدعم عملية إعادة البناء الاقتصادي بعد سنوات الحرب، مؤكدة أن أي تأخر في هذا السياق قد يؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، ما قد يمتد أثره إلى الشرق الأوسط بأكمله، ويُضعف النفوذ الغربي في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، يُجمع المراقبون على أن الشعب السوري يستحق مستقبلًا أفضل، وهو ما يتطلب من الحكومات الغربية التعلم من تجاربها السابقة، واتخاذ قرارات جريئة لدعم الاستقرار والتنمية في سوريا.
دروس من التجربة الأفغانية
وأظهرت التجربة الأفغانية بعد عودة طالبان إلى السلطة عام 2021 دروسًا مهمة في إدارة التحولات السياسية. ولعل أبرز هذه الدروس، حسب المجلة، أن التحرك الدولي كان بطيئًا في مواجهة الأزمة الإنسانية، خاصة ما يتعلق بتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية وقيود النظام المصرفي.
وفرضت الولايات المتحدة والأمم المتحدة عقوبات صارمة على طالبان منذ تسعينيات القرن الماضي، ثم شُدّدت بعد هجمات 11 من سبتمبر/أيلول. وعندما استعادت طالبان الحكم مجددًا، ورثت البلاد هذه العقوبات، مما أدى إلى تدهور اقتصادي حاد وانخفاض قيمة العملة المحلية، إلى جانب تعطيل سلاسل الإمداد الحيوية.
وفي ديسمبر 2021، وصفت الأمم المتحدة الوضع في أفغانستان بأنه “أكبر كارثة إنسانية في العالم”، إذ دفعت العقوبات البلاد نحو شفا المجاعة. ورغم أن الحكومات الأجنبية عدّلت العقوبات بعد 6 أشهر من سقوط كابُل عبر تقديم استثناءات وإرسال مساعدات نقدية، فإن تلك التدابير جاءت متأخرة وغير كافية.
وظل القطاع الخاص مترددًا في العمل داخل أفغانستان، بسبب استمرار القيود المصرفية والخوف من انتهاك قوانين العقوبات الدولية. ويؤكد الخبراء أن هذه الأخطاء قد تتكرر في الحالة السورية إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وجريئة لتخفيف الأعباء الاقتصادية ودعم عملية الاستقرار.
غياب الوضوح في شروط الاعتراف
وتُبرز تجربة أفغانستان بعد سيطرة طالبان عام 2021 فشلًا غربيًّا في تحديد شروط واضحة للاعتراف الدبلوماسي ورفع العقوبات. ورغم الدعوات الدولية إلى الاستقرار واتخاذ خطوات محدودة لتخفيف الأزمة الاقتصادية، فإن الإجراءات الدولية ظلت مقيَّدة بسبب التخوف من إضفاء شرعية على نظام كابُل الجديد.
وكانت المطالب الغربية، مثل احترام حقوق المرأة وتشكيل حكومة “شاملة”، مبهمة وغير مترابطة بخطوات واضحة للحصول على مكاسب متبادلة. وجعل ذلك الغموض التواصل مع طالبان يفتقر إلى جدية تعزز فرص التغيير.
ومع الانتقادات الدولية لطالبان، حاول تيار براغماتي داخل الحركة تقديم رؤية أكثر تسامحًا تقود إلى تحسين العلاقات الدولية. لكن غياب عروض واضحة من المجتمع الدولي أضعف قدرة هذا التيار على إقناع “المتشددين” بأن تغيير السياسات يمكن أن يؤدي إلى فوائد ملموسة.
فرصة غير مستغلَّة
وفي يونيو/حزيران 2023، خلال زيارة منسق الأمم المتحدة الخاص إلى أفغانستان، فريدون سينيرلي أوغلو، تلقت طالبان إشارات بأن السماح للفتيات بالتعليم قد يفتح الباب أمام تمثيل أفغانستان في الأمم المتحدة. لكن الحركة طالبت بتعهدات محدَّدة لم تتحقق، مما عزز شعور قادتها بأن الوعود الدولية لا تحمل جدية حقيقية.
ولم يُختبر النهج التفاوضي مع طالبان بشكل كافٍ، فبينما يرفض بعض الدبلوماسيين فكرة التفاوض على حقوق الإنسان بوصفها غير قابلة للمساومة، فإن غياب مقايضات واضحة دفع طالبان إلى الشك في إمكانية تحقيق الاعتراف الدولي.
ويُعَد هذا الفشل في تقديم إطار واضح للتعاون درسًا يجب أخذه بعين الاعتبار عند التعامل مع حالات مشابهة مثل سوريا، إذ قد يؤدي غموض المطالب إلى إضاعة فرص لإحداث تغيير إيجابي ودفع القوى المحلية نحو سياسات أكثر اعتدالًا.
رياح معتدلة
ونشأت “هيئة تحرير الشام” من حركة إسلامية مسلحة، وأُسست عام 2017 بعد تحالف مجموعات عدة حول “جبهة النصرة”، التي أسَّسها أحمد الشرع، زعيم الهيئة الحالي.
ورغم أوجه التشابه بين الهيئة وطالبان، فإن هناك اختلافات جوهرية، إذ ينحدر قادة الهيئة من مدن حديثة، وغالبًا ما يحملون شهادات جامعية. على عكس طالبان، التي يقودها رجال دين من خلفيات تقليدية. كما تسعى الهيئة إلى بناء علاقات عالمية جديدة والتخلص من ارتباطاتها السابقة مع الجماعات التي يصنفها الغرب “إرهابية”.
وقد اتخذت الهيئة إجراءات صارمة ضد تنظيم “حراس الدين”، الفصيل التابع للقاعدة في شمال غرب سوريا، وقامت بقمع أفراد تنظيم الدولة، بما في ذلك اعتقالهم وتنفيذ إعدامات علنية بحقهم. كما تعهدت بمواصلة محاربة التنظيم في شرق البلاد.
علاقات متوازنة
وتميزت العلاقات الدولية للهيئة بمزيج من المرونة والبراغماتية، فبينما أسقطت قواتها نظام بشار الأسد المدعوم من روسيا، تسعى الآن إلى تجنب استفزاز موسكو من خلال عرضها الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في سوريا. وفي خطوة مغايرة، استضافت دمشق وزير الخارجية الأوكراني أخيرًا، وأكدت رغبتها في تعزيز العلاقات مع كييف.
أما العلاقة مع إيران فتتسم بـ”العداء الواضح”، إذ تطالب الهيئة بمحاسبة إيران على دورها في زعزعة استقرار سوريا. ومن جهة أخرى، أكدت الهيئة أنها لن تهدد جيران سوريا “في رسالة واضحة تهدف إلى طمأنة إسرائيل” الحليف الإقليمي الأبرز للولايات المتحدة، حسب المجلة.
ومع هذه التحركات، تسعى “هيئة تحرير الشام” إلى إعادة تشكيل صورتها دوليًّا، على أمل كسب دعم سياسي واقتصادي يتيح لسوريا مرحلة جديدة من الاستقرار.
نهج معتدل في الحكم
واعتمدت القيادة الجديدة في سوريا، بقيادة “هيئة تحرير الشام”، سياسات أكثر اعتدالًا مقارنة بجماعات إسلامية أخرى. وتميزت الهيئة بخطوات غير مسبوقة، شملت تقليص نفوذ شيوخها “المتشددين” ودعم التعليم للفتيات بجميع المراحل، مع تطبيق الفصل بين الجنسين في المدارس.
وبعد سيطرتها على دمشق، تبنت الهيئة خطابًا تصالحيًّا، إذ تعهدت باحترام حقوق الأقليات مثل المسيحيين والعلويين، وأكدت حق جميع السوريين في الاحتجاج السلمي. كما أعلنت التزامها بالاندماج في الهياكل الحكومية وحل تشكيلاتها المسلحة.
وفي خطوة لافتة، عينت القيادة الجديدة نساءً في مناصب بارزة، من بينها إدارة شؤون المرأة والبنك المركزي، ما يعكس رغبة في تقديم نموذج حكم أكثر شمولية.
تحديات الاعتراف الدولي
ورغم هذه التحركات، فإن قادة سوريا الجدد يواجهون شكوكًا دولية بسبب ارتباطات الهيئة السابقة وتساؤلات بشأن قدرتها على إدارة بلد بحجم سوريا. ومع ذلك، تسعى الهيئة لكسب دعم الغرب، مدركة أن إعادة الإعمار والتنمية لن تتحقق دون دعم دولي وتخفيف العقوبات.
وإذا واصلت القيادة الجديدة في سوريا سياساتها المنفتحة، فقد تتمكن من تعزيز ثقة المجتمع الدولي، مما يفتح الباب أمام دعم سياسي واقتصادي أكبر.
ما الذي يجب على الغرب فعله الآن؟
وتواجه سوريا خطر تفاقم أزمتها الإنسانية والاقتصادية، ما لم تُخفَّف العقوبات الدولية بشكل عاجل، لذا دعا خبراء إلى إصدار إعفاءات فورية لتسهيل النشاط التجاري والاقتصادي، على غرار ما حدث في أفغانستان، لإنقاذ الأرواح وتحقيق الاستقرار.
كما أن الحكومات الغربية مطالَبة بتنسيق مطالب واضحة مع القيادة السورية الجديدة، مقابل تخفيف العقوبات المتعلقة بـ”الإرهاب” ودعم التعافي الاقتصادي. ومع ذلك، لا يزال المجتمع الدولي مترددًا، إذ مدَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن “قانون قيصر” خمس سنوات إضافية، رغم تغير الأوضاع بعد سقوط نظام الأسد.
وختمت المجلة بالقول إن استراتيجية “الانتظار والمراقبة” قد تؤدي إلى مزيد من العزلة والمعاناة للسوريين، مؤكدة أن التحرك الدولي الحاسم الآن يمكن أن يضع سوريا على مسار إعادة البناء، ويقلل من خطر تكرار سيناريو أفغانستان.