أمريكيون قتلهم الجيش الإسرائيلي وذووهم يطلبون العدالة في واشنطن

بعد ساعات من إعلان استشهاد عائشة نور، الشابة الأمريكية التركية ذات الـ26 عامًا، برصاص قنّاص إسرائيلي أثناء مشاركتها في مظاهرة بالضفة الغربية العام الماضي، تلقّت عائلتها اتصالًا من والدي راشيل كوري، الناشطة الأمريكية التي سُحقت حتى الموت قبل أكثر من 20 عامًا بواسطة جرافة عسكرية إسرائيلية في غزة.
كان الرابط بين العائلتين صديقًا مشتركًا من ولاية واشنطن، حيث عاش كلٌّ من كوري ونور. وتشابهت قصتاهما إلى حدٍّ لافت: فالأولى قُتلت أثناء احتجاجها على هدم منزل فلسطيني في رفح، والثانية كانت تشارك في مظاهرة ضد التوسع الاستيطاني قرب نابلس.
وأفاد تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، بأن الاثنتين جاءتا إلى الأراضي الفلسطينية ضمن بعثة حركة التضامن الدولية التي تُرافق ناشطين أجانب لمناصرة الفلسطينيين تحت الاحتلال.
وخلص جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيقه إلى أن عائشة نور “قُتلت على الأرجح بشكل غير مباشر وغير مقصود بنيران لم تُوجَّه نحوها”، أما في حالة راشيل كوري، فقد اكتفى بالقول إنّ موتها كان “حادثًا” تتحمل هي مسؤوليته.
مقتل 12 أمريكيا منذ 2003
وتابع تقرير الغارديان، أنه منذ مقتل راشيل كوري عام 2003، لقي نحو 12 مواطنًا أمريكيًّا حتفهم على يد جنود أو مستوطنين إسرائيليين أو أثناء احتجازهم. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، قُتل ما لا يقل عن 6 أمريكيين في الضفة الغربية وحدها.
في المقابل، يقول التقرير “اكتفت واشنطن بالاعتماد على تحقيقات الجيش الإسرائيلي نفسه، التي تصفها منظمات حقوقية إسرائيلية منذ سنوات بأنها مجرد عملية تبييض”. وحتى اليوم، لم يُحاسَب أحد على أي من حالات مقتل الأمريكيين على يد القوات الإسرائيلية.

مطالبات بالتحقيق
في سبتمبر/أيلول الماضي، اجتمعت عائلات الضحايا في واشنطن للمطالبة بفتح تحقيقات أمريكية مستقلة. من بين الحضور كانت أوزدن بينيت، شقيقة إيجي، وزوجها حميد علي، إلى جانب والدي توفيق عبد الجبار، الشاب الأمريكي البالغ 17 عامًا الذي أُطلقت عليه النار 10 مرات أثناء قيادته سيارته في الضفة عام 2024، ووالد سيف الله مصالِت، وهو شاب من فلوريدا استشهد على أيدي مستوطنين إسرائيليين في يوليو/تموز الماضي.
وأوضح تقرير الغارديان، أنه خلال لقاءاتهم مع أعضاء الكونغرس، تبادل الأهالي قصص أبنائهم وغضبهم من غياب العدالة. يقول كامل مصالِت، والد سيف الله “كان ابني يفاخر دائمًا بجوازه الأزرق، كان يقول لأصدقائه: لا تقلقوا، نحن أمريكيون. كان يظن أنه في أمان”. لكن الجنسية الأمريكية لم تحمه، فقد قُتل في قريته بالضفة التي يطلق عليها السكان اسم “ميامي الضفة الغربية” لكثرة المقيمين فيها من الأمريكيين الفلسطينيين.
تحوّل في الكونغرس
خلال 3 أيام من الاجتماعات في واشنطن، التقت العائلات بأكثر من 12 نائبًا وسيناتورًا، وفي الوقت نفسه نشر السيناتور بيرني ساندرز مقالًا وصف فيه ما يحدث في غزة بأنه إبادة جماعية، ليصبح أول عضو في مجلس الشيوخ يستخدم هذا الوصف. وبعد أيام، قدّم السيناتور جيف ميركلي وزملاؤه مشروع قرار يدعو الولايات المتحدة إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.
وفي تصريحات له بعد لقاء العائلات، قال ميركلي إن العنف الاستيطاني في الضفة الغربية تصاعد بشكل غير مسبوق منذ 7 أكتوبر، وإن على واشنطن أن تضغط لضمان العدالة لعائلات الضحايا.
والدة راشيل كوري تتحدث عن اغتيال الناشطة الامريكية التركية وكيف تذكرت لحظات علمها بوفاة ابنتها. وكيف ان التحقيقات لن تسفر عن تصرف ملموس من الحكومة الامريكية التي تحمي الكيان الفاسد المريض. pic.twitter.com/OxgcAQZUEU
— Samar D Jarrah (@SamarDJarrah) September 9, 2024
ازدواجية المعايير
رغم أن وزارة العدل الأمريكية تملك الصلاحية للتحقيق في مقتل مواطنيها خارج البلاد، فإنها نادرًا ما تفعل ذلك دون تعاون السلطات المحلية، وتُعد إسرائيل استثناءً بارزًا.
وتقول النائبة رشيدة طليب للغارديان “عندما يُقتل أمريكيون في الخارج، تفتح حكومتنا تحقيقًا بشكل تلقائي، لكن عندما يرتدي القتلة الزيّ الإسرائيلي، يسود الصمت التام”.
وكانت عائلة كوري قد أمضت سنوات تطالب بتحقيق أمريكي مستقل دون جدوى، حتى خسرت قضاياها أمام المحاكم الإسرائيلية والأمريكية. ومع استشهاد الصحفية شيرين أبو عاقلة عام 2022، عادت القضية إلى الواجهة مجددًا، إذ إنها الحالة الوحيدة التي يُعتقد أن مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) فتح فيها تحقيقًا رسميًّا، لكنه لم يكتمل.
الوضع تغيّر
في لقائهم مع المشرعين، حذر الأهالي من أن غياب المساءلة يشجع على مزيد من القتل. كما طالبوا بالضغط لإطلاق سراح محمد إبراهيم، ابن عم سيف الله مصالِت، وهو فتى أمريكي فلسطيني يبلغ 16 عامًا، معتقل منذ أكثر من 7 أشهر بتهمة الرشق بالحجارة.
وتعترف سندي كوري للغارديان، رغم شعورها باليأس، بأن شيئًا تغيّر في واشنطن “في 2003 كنا نحمل خرائط لنعرف النواب أين تقع غزة، اليوم هناك وعي أوسع وتعاطف أكبر”.
وبعد أيام من مقتل إيجي، وقّع أكثر من 100 نائب أمريكي رسالة طالبت إدارة بايدن بفتح تحقيق مستقل، وفي شوارع واشنطن، بدأ الناس يتعرفون وجوه الضحايا عبر شارات صغيرة يحملها ذووهم.